دول اندثرت (الحلقة الأخيرة) امتاز المرينيون بحفظهم حقوق المسيحيين واليهود وسط المسلمين يحمل تاريخ المملكة المغربية قصصا يجب أن تروى للجيل الحالي، التي تمتد لأكثر من 14 قرنا، لدول كثيرة استوطنت أراضي المملكة الشاسعة، وقضت قرونا، قبل أن تندثر. بالاستعانة بكتب وروايات تاريخية مختلفة، نروي قصصا مقتضبة لدول كان يقام لها ويقعد في المغرب العربي، واتخذت مدن المغرب مقرا لها، قبل أن تستسلم للزمن، من بينها البورغواطيون ودولة نكور والإمارة المغراوية والفاطميون. قصص جعلت من المغرب عظيما بين الأمم، بتاريخ ضخم يستحق أن يروى. يوسف الساكت صال وجال المرينيون في بداية عهدهم مع الموحدين، وشكلوا تحالفا قويا معهم، قبل أن يتمكنوا من إحداث دولتهم في المغرب في القرن 12، في المناطق الشرقية والجنوبية. استولى المرينيون في عهد أبي يحيى عبد الحق على مدن كثيرة، من بينها مكناس (في 1244 ميلادية) وفاس (في 1248 ميلادية)، بل قضى على الموحدين في مراكش، وكون جيشا لا يقهر. تمكن المرينيون من الفوز بعدة حروب تاريخية في الأندلس، خاصة في عهد أبو يعقوب يوسف، الذي تولى القيادة من 1286 ميلادية إلى 1307، وتمكن من التوسع إلى الجزائر ودخول وهران والمناطق المجاورة. رغم كل هذه الانتصارات، تظل حقبة أبو الحسن علي الأفضل، والتي امتدت من 1331 ميلادية إلى 1351، تبعه أبو عنان فارس إلى غاية 1358 ميلادية، إذ تمكنا من الاستيلاء على تلمسان وواصل غزواته إلى تونس وقضى على الحفصيين. عرفت بعض المدن المغربية في عهد المرينيين توهجا غير مسبوق، وشهد المغرب معهم استقرارا كبيرا ونهضة اقتصادية وعمرانية، بل صنفت مراكش وفاس ضمن المدن الكبرى والمزدهرة، وشيدت فيها مساجد ومبان كبيرة، ثم مدارس وأسواق واسعة، إذ كان يقصدها أهل العلم من شتى المناطق. في حقبة المرينيين، وصل سكان فاس إلى أكثر من 120 ألف نسمة، متجاوزة بعض المدن الأوربية من حيث السكان والازدهار. في عهد المرينيين ازدهرت جامعة القرويين، التي جذبت الكثير من الطلبة والعلماء في تلك الحقبة، إذ تكون فيها قضاة ومعلمون ورجال دين. وأجمعت كتب التاريخ على الدور الكبير الذي لعبه الأمير يعقوب الثاني في ازدهار هذه الجامعة وباقي المدن بالمغرب، إذ وصف بـ «الرجل الحكيم» و»المحسن العادل»، وشجع ربط علاقات ودية مع الأوربيين. استقبل المغرب آنذاك سياحا من أوربا، الذين عبروا عن اندهاشهم بعد دخول فاس ومراكش وتلمسان، إذ شيدت 64 مسجدا في حقبة المرينيين، أبرزها مسجد أبي الحسن ومسجد الحلاوي والجامع الكبير، والتي وصفت آنذاك بأجمل المساجد في العالم الإسلامي. ومن بين الأمور التي امتاز بها المرينيون، تمكنهم من حفظ حقوق المسيحيين واليهود وسط المسلمين، بل منحوهم فرصة التعبير من خلال الآداب والفنون. في 1358 ميلادية، بدأت الدولة في الانهيار، بعدما تولى أمراء الحكم، رغم صغر سنهم، إذ افتقدوا للخبرة اللازمة لإدارة الأمور، إلى غاية 1458 ميلادية. ولأن الأمور تكالبت عليهم، وضع هؤلاء الأمراء الصغار تحت وصاية الوطاسيين، من أقربائهم، قبل أن يقرر السلطان عبد الحق التخلص من أقربائه الوطاسيين في حرب دامية في 1458 ميلادية، ليقرر سكان بعض المدن الانتفاض ضد المرينيين، وكانت أشهر ثورة، هي لأهل فاس، لينتقل الحكم من المرينيين إلى الوطاسيين في سنوات قليلة. بعد نيل الوطاسيين الحكم، حاولوا تغيير الواقع على الأرض، وتمكنوا من بسط سيطرتهم على كامل الأراضي المرينية في ظرف قياسي، مستغلين قلة خبرة الأمراء المرينيين القاصرين.