لعنة الغنيمة

مذكرات بلمودن 2 تــعـددت الجمـاعات الــفـدائية وكـثر الـزعماء وانـفجـر الحقد والـغل والغدر انفردت مذكرات المقاوم حسن بلمودن، الملقب بالسائق بتقديم صورة واضحة عما وقع في السنوات الأولى للاستقلال رصدت تاريخ المقاومة المغربية وجـيـش الـتحـرير مـن الـداخـل، من مرحلة النشأة والتـطـور إلى زمن التصفية والصراعات التي تفجرت بين الرفاق بعد التحرير. ولم تفتح لهذه السيرة الذاتية، التي جمع تفاصيلها التهامي نجار، تحت عنوان «الآن أتحدث»، كل الأبواب وضربت بسلاح التعتيم والتهميش لأنها حملت بين صفحاتها حقائق أريد لها أن تدفن مع أصحابها، لذلك وجه السائق وصية إلى المغاربة عموما وسكان البيضاء على وجه التحديد جاء فيها «إذا كنت تسير يوما بكل حرية وأمان واطـمئنان وصادفت عيناك اسم شارع إبراهيم الروداني، أو شارع محمد الزرقطوني، فاعلم أنك قد لن تجد شارع عباس لمساعدي لأنه تكالب عليه الطغاة، وتنكروا له حيا وميتا ولم يخلدوا اسمه وفرضوا التعتيم على تاريخه». ياسين قُطيب رشحني أحد الرفاق لـ "العبدي" لكي أنضم إلى الخلية التي يترأسها، فاجتمعت به وتناقشنا طويلا حول عدة أشياء، وفي الأخير وجهت له السؤال المذكور، الذي كنت أبحث له عن جواب، فقلت له " يقال إنك كنت السبب في موت لمساعدي" فأجابني ثائرا كعادته: " أنا لم أكن السبب في موت أي أحد، هو الذي أراد أن ينزع مني مسدسي ويقتلني به، فضغط بأصبعه على الزناد فخرجت رصاصة أصابته في القلب فمات " ندمت لتوجيهي هذا السؤال لأنه رحمه الله كان مصابا بالسكري فأصيب بأزمة ولكن «الله سلم»، ومن يومها أوصى كل الشباب المنضوين لخلايا الحزب بأن يتجنبوا التحدث معي، لأنني فضولي وربما أكون منتميا لجهاز المخابرات. أما آخر أفراد مربع قتل المساعدي فلم يظفر بأي شيء سوى رخصة تاكسي صغير ورخصة لشحن البضائع ووظيفة مراقب لبطائق الدخول لسينما شهرزاد تماما مثل زميله، ولم يكن لي اتصال به، وكنت أنظر إليه من بعيد وأراقب تصرفاته متحينا الفرصة لسؤاله، ولكنه كان يقضي جل أوقاته في لعبة الورق في مقهى السينما. وكان السبب في عدم نجاحه في الانتخابات البلدية، وأشاعا عنه في الحي أنه عضو في المخابرات العسكرية، وحرضا عليه السكان بواسطة مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. كنت دائما ألاحظ أن الأخيرين كانا يكنان كرها شديدا للأول مع أنهما كانا مجتمعين على قلب رجل واحد في العملية المشؤومة، ظلا يتجنبان الأماكن التي كان يوجد بها بالحي، وسمعت من بعض المقاومين أنهما يتهمانه بأنه ظفر بالغنيمة وحده وهما اللذان قاما بكل شيء. فسدت نقاوة المقاومة مباشرة بعد استشهاد الزرقطوني، فقد حدث خلل خطير في صفوف المقاومة وتسابق الكثيرون ليأخذوا مكانه، لكنهم لم يكونوا يتحلون بسلوك وحكمة الراحل ، ولم يتخلقوا بأخلاقه، وهـكذا تــعـددت الجمـاعات الــفـدائية وكـثر الـزعماء، وانـفجـر الحقد والـغل والغدر، وكان هذا هو السبب المباشر وراء تلك الانتقامات والاغتيالات وتصفية الحسابات، التي انتشرت بين المقاومين قبل الاستقلال وبعده.

لعنة الغنيمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الدولة المغراوية... 100 عام من الحكم

الفن أنساني الزواج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات