المغرب الذي كان 6 والدة السلطان كانت معروفة بذكائها وقوة شخصيتها بعد بلوغه سن العشرين، قرر ولتر هاريس، وهو سليل أحد أغنى العائلات البريطانية، التي تعمل في البحار، الهجرة إلى المغرب، حطت به السفينة في طنجة في 1886، ويستقر في منزل يعرف إلى اليوم بـ "فيلا هاريس"، وقد عاش لسنوات في مغرب القرن 19، التي حاك فيها الاستعمار مخططاته للسيطرة على المملكة الشريفة، وتمكن هذا المغامر المثير للجدل من اتقان الدارجة المغربية، وتشبه بالمغاربة، واعتمدته جريدة "تايمز" مراسلا لها، وخلال إقامته سيتمكن من دخول قصور السلطان، ولقاء زعماء القبائل، وترك لنا كتابا بعنوان "المغرب الذي كان"، والذي سننير بعض زواياه في هذه السلسلة من الحلقات، بالسفر بين دروب وقصور المملكة الشريفة. عصام الناصيري يسرد هاريس قصته مع الاستقبالات الملكية، ويقول عنها "حضرت الكثير من حفلات الاستقبال أمام مولاي الحسن، كلما جاءت بعثة إنجليزية إلى المغرب، لكن لم تتح لي فرصة تجاذب أطراف الحديث مع السلطان الراحل، ففي تلك الفترة كان القصر مغلق الأسوار، وتقاليده وقواعده كانت صارمة، ولم يكن متشددا في علاقاته الخارجية، بل كان قادرا على نسج علاقات مع الدول الأوربية للانفتاح على العالم، وأعتقد أنه كان سعيدا بذلك الأمر". في هذا الجزء من الكتاب، سيبدأ هاريس الحديث عن امرأتان تركيتان تحكمان القصر، وعن أسر فاس الأرستقراطية تكرس نفوذها، إذ يقول إن مولاي عبد العزيز اعتلى العرش في 1894، وعمره لم يتجاوز 13 سنة، وكان أصغر أبناء المولى الحسن، ولم تكن الخلافة على العرش في ذلك الوقت بالوراثة، ونادرا ما اعتلى العرش شقيق السلطان خلفا له، أو أحد الآباء من النسب البعيد، وإذا كانت الملكية وراثية، فإن السلطان في المغرب هو من كان يختار من سيخلفه". وعن شروط الخلافة في الملكية المغربية، يؤكد الكاتب "أن تكون من النسب الشريف، أي من نسب الرسول محمد، أهم من رابطة الأبوة التي تربطك بالسلطان، الذي ستتولى العرش محله. بعد خلع السلطان وتنازل السلطان مولاي عبد الحفيظ عن العرش في 1912، وقع الاختيار على المولى يوسف ليحكم البلاد، ووافق بلا تردد". كانت والدة مولاي عبد العزيز لالة رقية سيدة تركية، تم جلبها من القسطنطينية إلى المغرب، ومعروفة بذكائها وقوة شخصيتها، وأما شجاعة "لا أنسى أنها لعبت دورا سياسيا مهما في البلاد، ولم تتردد في توجيه النصائح إلى زوجها بخصوص شؤون الدولة، وعلى أية حال كان من الواضح أن تأثيرها على الخصوم مكنها من بسط نفوذها على السلطان إلى أن توفي، وضمنت بالتالي تولي ابنها العرش". يشرح الراوي شخصية لالة رقية بالقول إنها نسجت علاقة صداقة وطيدة مع تركية أخرى من الحريم، لم تكن سوى والدة السلطان مولاي يوسف. من الغريب أن تصبح هاتان الأجنبيتان والدتي سلطانين في تاريخ المغرب. كان من الطبيعي أن يحدث تولي أمير قاصر مقاليد الحكم، ظهور مؤامرات في القصر، الذي كان ينقسم إلى فريق يتزعمه الحاجب القوي با احماد، أما الفريق الثاني فكان يقوده الوزير الأكبر ووزير الحرب، ويتحدر هذان الموظفان من عائلة كبيرة لأولاد الجامعي، ويتعلق الأمر بالحاج المعطي والسي محمد صغير. لم يكن با احماد سوى ابن أحد العبيد في القصر، مما جعله محروما من الاعتماد على قبيلة أو عائلة تتمتع بالنفوذ، وكان خصومه أرستقراطيين من فاس، ومن عائلات عريقة لها نفوذ في المدن التي تقطنها، وهي تشكل في المغرب ما يسمى عائلات المخزن.