شبكات التسول… طريق الاغتناء السريع

استغلال وابتزاز ونصب وعدم تطبيق القانون يزيد من تفاقم الظاهرة لم يعد التسول لمجرد الفاقة كما كان في السابق، بل أضحى سلوكا يوميا للعديد من الأشخاص الذين وجدوا فيه ضالتهم للربح السريع دون عناء، إما بشكل فردي أو ضمن شبكات متخصصة في التسول. هم أشخاص من مختلف الأعمار لا تبدو على أغلبهم الفاقة. بلباس أنيق يستوقفون المارة، في الشوارع وقرب المقاهي وحتى أمام الشبابيك الإلكترونية للخدمات البنكية، كل يحمل قصة معه لتبرير مد اليد والتسول في الشوارع، وتكون مقنعة للحصول على ما يجود به الآخر. وهي عينة تنضاف إلى العينات التي تستغل الأطفال في التسول أو تعمد إلى اختلاق بعض العاهات. الارتفاع الغريب في عدد المتسولين، يفسر بالتساهل وعدم تطبيق القانون في حقهم، على اعتبار أن ذلك السلوك مجرم بنص القانون، وتبدأ فيه العقوبة من شهر واحد إلى خمس سنوات حبسا حسب الحالات، و قد ربط المشرع العقوبة الحبسية بالنسبة إلى التسول بالتعود على ممارسته، فالعقوبة يشترط فيها العودة إلى ارتكاب الفعل، فالمشرع يعاقب المتسول الذي تعود ارتكاب الفعل بعقوبة حبسية من شهر إلى ستة أشهر والذي له وسائل للعيش أو باستطاعته العمل أو أنه تعود ارتكاب جنحة التسول حسب نص الفصل 326 من القانون الجنائي. وتكون العقوبة من 3 أشهر إلى سنة، حتى و لو كان مرتكب الجريمة معدما أو صاحب عاهة استعمل التهديد أو تظاهر بالمرض أو اصطنع عاهة أو استصحب طفلا أو تسول جماعة أو داخل منزل الغير أو استخدم أطفالا لا يقل عمرهم عن 13 سنة. كريمة مصلي استغلال رضع واصطناع عاهات فرق منظمة تتحرك بسيارات فارهة وأخرى تطور مهاراتها في "السعاية" رغم وجود نصوص قانونية كثيرة تحمي القاصرين من كل أشكال الاستغلال، وتحارب التسول وتخصص له عقوبات ردعية، فإن الأمر تحول إلى ظاهرة، بل اتخذت شبكات منه وسيلة لدخل لا يتحقق في العمل، بسبب الاحتيال على الناس عبر ادعاء عاهات، أو تقمص شخصيات مضطهدة، من قبيل اللاجئين السوريين، وكذا عن طريق استعمال الأطفال والرضع في ما يسمى باللسان العامي "السعاية"، بل إن مشكوكا فيهم آخرين، نهجوا أسلوبا مغايرا، عبر التوهيم ببيع مناديل ورقية للاستفراد بالضحايا من النساء ومخاطبتهن بطريقة مبطنة بالتهديد تجبر المستهدفة على التصدق لتجنب الأذى، وغير ذلك من الحالات التي تتطور يوما بعد آخر. "إحنا من سوريا" لعل ما يشجع التسول أكثر، ميل الناس إلى التصدق ابتغاء للحسنات ولما تشكله الصدقة دينيا، ومن سهولة ردة فعلهم المتعاطفة نتيجة مشهد محزن أو استجداء متقن، وهو ما يستغله ممتهنو حرفة التسول، ممن لا تجوز فيهم الصدقة، للإبداع أكثر، قصد استدرار أموال الناس. وسبق لمصالح الأمن أن ضبطت شبكات من المتسولات، اللائي نظمن أنفسهن وتعلمن عبارات باللهجة السورية، كما قمن بنسخ واجهة جواز السفر السوري، بالألوان، قبل أن يتوجهن إلى مناطق لا يعرفهن فيها أحد، إذ يشرعن في استعطاف المارة والراكبين والادعاء أنهن سوريات قهرتهن الحرب، وفررن إلى المغرب، وهو ما يزيد من تعاطف المتصدقين، وإغداقهم العطاء عليهن، سيما أنهن يتقن الدور. ولم يتوقف الأمر على مغربيات اتخذن من التسول وسيلة للإثراء، إذ يرفضن العمل ولو بأجر محترم، سيما أن مهاراتهن في استعطاف الناس لنهب أموالهم، تدر عليهن أضعاف ما سيحصلن عليه في العمل، وفي وقت وجيز أي ساعتين أو ثلاثا تكفي عن اشتغال اليوم كله. وسبق لمواطنين أن انتبهوا إلى وجود شبكة منظمة، تأتي على متن سيارة رباعية فارهة إلى خلاء، حيث تبدأ عملية ارتداء الملابس الرثة قبل التشتت في الأزقة للتسول، ثم الاجتماع في وقت لاحق لركوب السيارة نفسها بعد إزالة ملابس العمل. رضع وعاهات رغم أن القانون يحمي الرضع والأطفال، إلا أن مشاهد نسوة يحملن رضعا في أشهرهم الأولى، تنتشر في قارعات الطريق وفي جنبات الطوار، تحت أشعة الشمس الحارقة أو في عز المطر، بل منهن من يرابضن بأماكن حتى بعد منتصف الليل. وتنشط شبكات في إيجار الرضع والأطفال، وضعهم تحت إشارة ممتهني التسول، لما في ذلك من وسيلة لدفع الناس إلى التصدق، رقة لحال الصغار. كما يعمد بعض المتسولين إلى اختلاق عاهات او تركيب أجهزة طبية في البطن، وذلك لخلخلة شعور المتلقي وإجباره على التعاطف مع الحالة، إذ تجد شخصا يدعي مرضا خطيرا ويحمل كيسا طبيا مربوطا بأحشائه، في شارع ما، وبعد يومين تجده في شارع أو مكان أبعد، إذ يتنقل بسهولة ويختار تنويع الأماكن لعدم كشف أمره. المصطفى صفر مليونيرتان تتسولان الفقراء الأولى تمتلك فيلات وعقارات والثانية سيارة رباعية الدفع وأموالا «صدق أو لا تصدق، امرأة غنية تتسول في الشارع، ملتمسة من الفقراء التكرم عليها بدريهمات لمراكمة أرباح غير مشروعة"...قد يعتقد المرء عند سماعه هذه العبارات، أنها مجرد "نكتة" تدخل في إطار مستملحات تسليط الضوء على انخراط عدد من الميسورين في حرفة "الطليب"، في ظل إيقاف المصالح الأمنية لعدد من الأشخاص وهم يتحوزون مبالغ مالية مهمة بعد أن استطابوا جمع المال رغم عدم حاجتهم الماسة إليه، لكن الحقيقة أنها مجرد نموذج حي لقصص واقعية تكشف الجانب الآخر من معضلة التسول، التي يتوفر أغلب ممتهنيه على عقارات وأنشطة مدرة للدخل. من بين القضايا التي تكشف كيف صار التسول مهنة منظمة للنصب والاحتيال، ليس من قبل الفئات المحدودة الدخل وإنما من قبل الأغنياء، حالتا اعتقال امرأتين مليونيرتين بأكادير، وهما متلبستان بممارسة التسول، رغم عدم حاجتهما إلى المال. وفي ما يخص الحالة التي أصبحت قضية رأي عام لغرابتها، إيقاف متسولة مليونيرة أواخر الشهر الماضي، من قبل الشرطة وهي تتسول بوسط المدينة. ومكنت التحقيقات من الوقوف على حقائق صادمة، إذ في الوقت الذي اعتقد فيه المحققون أن الأمر يتعلق بامرأة عادية تمتهن التسول، تفاجأت عناصر الشرطة القضائية بأن الموقوفة "مليونيرة" إذ تتوفر على فيلتين، واحدة تقيم بها والثانية خصصتها للكراء، بل تتجاوز ذلك بتوفرها على عقارات ورصيد مهم في البنك. وأمام مواجهتها بالأدلة التي تدينها وتفضح امتهانها التوسل المجرم رغم وضعها الاجتماعي، الذي يعتبر أكثر من مريح، لم تجد المليونيرة سوى الاعتراف بامتهانها "الطليب"، دون أن تكشف عن الخلفيات الحقيقية لسلوكها الغريب وغير السوي، لتتقرر متابعتها في حالة اعتقال، خاصة بعد أن تبين تملكها عقارات وفيلات وأرصدة بنكية. وبعد إحالتها على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بأكادير، تابعها في حالة اعتقال وأحالها على السجن المحلي لأيت ملول، في انتظار تحديد جلسة محاكمتها، قبل أن يتم إصدار الحكم بإدانتها بالحبس ستة أشهر حبسا نافذا. وفي ما يخص الحالة الثانية، التي تفجرت العام ما قبل الماضي، فتتعلق بغنية عرفت إعلاميا ب"مولات الكاط كاط"، تمت إدانتها من أجل التسول بستة أشهر حبسا نافذا، مع تحميلها الصائر والإجبار في الأدنى و بإرجاع السيارة المحجوزة لفائدة من له الحق فيها بعد تسوية وضعيتها القانونية. وتوبعت المتهمة التي تم اعتقالها في مارس 2021، وهي في حالة تلبس بالتسول ضواحي أكادير، بالتسول وانعدام التأمين وانعدام الفحص التقني. وأدينت المتهمة التي تملك سيارة فاخرة، بعد إحالتها من قبل الضابطة القضائية بمركز الدرك الملكي بتغازوت، إثر إيقافها وهي متلبسة بالتسول. وتم افتضاح أنشطة المتسولة الغنية، بعد أن رصدت السلطات المحلية بأورير تحركات امرأة كانت تركب سيارة رباعية الدفع من نوع «أودي q7»، وتركنها في أحد أزقة المركز، وتقوم بتغيير ملابسها الأنيقة، لتلبس بدلها الجلباب والخمار لتقمص شخصية المتسولة، وفي الوقت نفسه للتمويه على المتطفلين والمصالح الأمنية. وبعد أن نجحت المتوسلة الغنية في النصب على عدد من المواطنين، الذين اعتقدوا أنهم يحسنون إلى امرأة مغلوبة على أمرها، أثارت شكوك السلطات المحلية التي قررت ترصد تحركاتها وهي تقصد المحلات التجارية والدكاكين والمنازل، إلى أن تم إيقافها في حالة تلبس وهي تمارس التسول، حيث تمت محاصرتها، قبل أن تقتادها مصالح الدرك الملكي للتحقيق معها. وكشفت التحقيقات حينها، أن المرأة كانت تحرص على ركن سيارتها بداخل الأزقة بعيدة عن عيون المارة، لإبعاد الشبهات عنها، قبل أن تخلع ملابسها الأنيقة، وترتدي جلبابا وخمارا للتستر، لتنطلق أنشطتها في التسول في عدة مناطق بأكادير وإنزكان وأيت ملول وباقي الضواحي، لجمع أكبر قدر من المال. محمد بها ظاهرة تحولت لحرفة < دائما أقول إن العبرة بالنتائج، فإذا كانت الظاهرة هي ردع المتورطين في هذا المجال، سأقول إن العملية إيجابية ستؤدي إلى إفراغ الشوارع والأزقة والأسواق من كل من يعمل في هذا المجال، لكن أتحفظ على المتابعات، سيما في حالات الاعتقال، خصوصا أن السجون مكتظة بالأحداث والراشدين، والطاقة الإيوائية لا تكفي، وسنفاجأ بأرقام فاضحة أو خيالية في ما يخص الاعتقال الاحتياطي، بمعنى أن على الدولة التفكير في بناء المزيد من السجون، ولا بد من البحث عن حلول مرافقة ومعرفة أصل الظاهرة وأسبابها العميقة، كما أن مجال التدخل يجب أن يكون احترازيا، حتى لا نصل إلى الاتجار في البشر واستغلال أطفال قاصرين من أجل القيام بهذه الجريمة. كما أن التسول بات يحقق أرباحا للمشتغلين به، وسنكون أحدثنا حرفة هامشية ستظهر أشخاصا سيحققون أرباحا خيالية بأشكال مخالفة للقانون وبطريقة جشعة، وهذا سيفتح الباب أمام المغاربة للولوج إلى هذا الميدان، قصد تحقيق أموال وأرباح بدون جهد. < لا بد أن تكون نسبيا إيجابية، وإذا كانت الظاهرة كبيرة وقوية فهذه المؤسسات لن تصمد أمام المد الذي تعرفه الظاهرة، لأن العدد يبقى كبيرا، وبالتالي ستكون العناية ضعيفة، والبشر المشتغل في الميدان يتجاوز الحد المألوف بالنسبة إلى إمكانيات الدولة، لأنه حينما تصبح ظاهرة التسول طاغية وتعيشها في كل الأماكن، فهذا سيؤدي إلى خوف وذعر وغليان، بمعنى أنه يجب رصد ميزانيات مهمة لإيواء جميع المتسولين، وهذا يبقى أمرا صعبا، كما أن الظاهرة تفشت في السنوات الأخيرة بمختلف المدن، وأصبحت بمثابة حرفة منتجة لروادها، إذ يستحيل أن تجلس بفضاء عمومي أو بمقهى أو مطعم وألا يطلب منك متسولون المساعدة. < ما معنى أن يواجه الشخص الذي يقترف التسول بشكل فردي أمام القضاء، فحتى الدولة أو الشرطة الإدارية لا تقوم بمحاربة الظاهرة بالشكل المطلوب، بل تحاول أن تبعد هؤلاء في المناسبات ومن الأماكن المعينة ويبقى آثرها ضعيفا بسبب نظرة المجتمع، ولكن حينما ستنظم محاربة الظاهرة بشكل جماعي، أظن بأنه سيتم ردع المتسولين، سيما الذين يعيشون ظروفا اجتماعية متوسطة، مع البحث عن أسبابها لإيجاد حلول لهم وفرض قواعد على هذه الشريحة. أجرى الحوار: عبد الحليم لعريبي * نقيب سابق ورئيس جمعية هيآت المحامين بالمغرب

شبكات التسول… طريق الاغتناء السريع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رأفت: لا لتصوير مائدة الإفطار

الحسنية يعجز عن فسخ عقد باكيتا

مقالات ذات صلة