المغرب الذي كان 3 السفارات الأوربية رغبت بتغير الطقوس التقليدية لاستقبال ممثلي القوى العظمى بعد بلوغه سن العشرين، قرر ولتر هاريس، وهو سليل أحد أغنى العائلات البريطانية، التي تعمل في البحار، الهجرة إلى المغرب، حطت به السفينة في طنجة في 1886، ويستقر في منزل يعرف إلى اليوم بـ "فيلا هاريس"، وقد عاش لسنوات في مغرب القرن 19، التي حاك فيها الاستعمار مخططاته للسيطرة على المملكة الشريفة، وتمكن هذا المغامر المثير للجدل من اتقان الدارجة المغربية، وتشبه بالمغاربة، واعتمدته جريدة "تايمز" مراسلا لها، وخلال إقامته سيتمكن من دخول قصور السلطان، ولقاء زعماء القبائل، وترك لنا كتابا بعنوان "المغرب الذي كان"، والذي سننير بعض زواياه في هذه السلسلة من الحلقات، بالسفر بين دروب وقصور المملكة الشريفة. عصام الناصيري تمكن هاريس من النفاذ إلى القصور الملكية بالمغرب، وأصبح مقربا من السلطان في عهد مولاي عبد العزيز، ويقول عن هذه الفترة "كنت مرتبطا في 1902 بالبعثة الخاصة بالسير "أرثور نيكلسون" لدى السلطان عبد العزيز بالرباط، وكانت السفارات الأوربية تحلم بتغير الطقوس التقليدية للاستقبال الملكي لممثلي القوى العظمى بشكل آخر". قبل أسبوع من حلول البعثة الإنجليزية بالرباط، تم ايفاد هاريس لإقناع السلطان بتغيير البروتوكول، إذ يروي أنه أخبر السلطان برغبة الأوربيين بتغير تلك الطقوس، ويضيف "كانت لي وقتها علاقة ودية وحميمة مع جلالته، وبدا لي عرض هذا المشروع عليه أمرا في غاية السهولة، مولاي عبد العزيز الذي يتسم بدماثة أخلاقه، وثقافته العالية، لم يتأخر في إخباري بأن مراسيم الاستقبال في القصر كانت بمثابة تجاوز للاحترام الواجب في حق المبعوث الخاص للحكومة البريطانية، لكنه في الوقت نفسه اعتبر أنه من الصعب إدخال تغيرات جذرية على تلك التقاليد الملكية داخل قصره، لأن ذلك قد يؤجج غضب الشعب، وانتقادات متعددة لدى رجال الدين". ويورد الكاتب أن تردد السلطان دام عدة أيام، "لكنه عشية وصول السير "أرثور نيكلسون" سمح لي بإخبار السير بأن الطقوس الملكية سيتم إلغاؤها لاحقا، وأنه سيستقبل "نيكلسون" داخل قاعة بالقصر، ولكي أفسر هذا التغير لممثل بريطانيا، أخبرته أن جلالة الملك غير قادر على تحمل التعب، وحضور مراسيم الاستقبال كما جرت العادة بذلك". يصف صاحب كتاب "المغرب الذي كان"، لقاء السلطان بالمبعوث الأجنبي بالقول "بدا السلطان الشاب جالسا على أريكة زرقاء تعود إلى عهد لويس الخامس عشر، وإلى جانبه وزير الشؤون الخارجية وباقي الوزراء". يكمل سرده لتفاصيل اللقاء ويقول "قام المكلف بالتشريفات بتقديم الوزير الإنجليزي، الذي تلا خطابا باللغة الإنجليزية، تكلف أحد المترجمين الرسميين بترجمته الفورية إلى العربية أمام الحاضرين. همس السلطان في أذن وزير الخارجية، الذي أسمعها إلى الجميع بصوت مرتفع، كان المشهد عفويا وأكثر دفئا من حفلات الاستقبال التقليدية، وحافظ على جماليته الملكية المتميزة". خلال أول زيارته لهاريس للقصر الملكي، سيلتقي الحاجب با حماد، ويقول عنه "ظل أحمد بنموسى، المعروف باسم با حماد، الشخص الأكثر حضورا بين موظفي القصر، إذ كان المكلف بالبروتوكول الملكي، مما يعني أنه وطيد الصلة بالسلطان، والذي يكلمه بحرية في أي وقت يشاء، ويكرس جهوده للمحافظة على مصالح السلطان، الذي يخدمه بطاعة وإخلاص". ويتفق هاريس مع معظم المؤرخين حول شخصية با حماد، إذ وصفه بأنه لم يكن يستوعب مؤامرات الدول الأوربية، وخبرته في السياسة كانت متواضعة، لذا كان يكن العداء للأوربيين. سيصبح با حماد بعد سنوات الوزير الأول في عهد مولاي عبد العزيز، وكان يترك الوزراء الآخرين يناقشون مواضيع السياسة الخارجية، لكن ظل دائما هو صاحب القرار الأخير.