متشبثون بالأسرة والانتماء إلى الوطن ويقرون بوجود الرشوة والوساطة والتهرب الضريبي قدم المركز البرلماني للأبحاث والدراسات، التابع لمجلس النواب، نتائج دراسة حول "القيم وتفعيلها المؤسسي، تغييرات وانتظارات لدى المغاربة"، تحت إشراف وتنسيق السوسيولوجي المختار الهراس الذي اشتغل مع فريق عمل من الأساتذة الباحثين. وشملت عينة الدراسة كافة جهات المملكة بمشاركة 1600 مستجوب تم توزيعهم وفقا للحجم السكاني للمدن والجماعات بالوسط القروي. واستغرقت مدة إنجاز هذه الدراسة 10 أشهر تقريبا، بدءا من فبراير 2022. وجاءت نتائجها على الشكل التالي: إعداد : أحمد الأرقام دخل مناسب ومساواة في العمل أكدت نتائج الدراسة أن 96 في المائة من المغاربة يفضلون وظيفة بدخل مالي مناسب، ما يعني تأمين المستقبل عبر توفير المال أولا، وأن 67 في المائة منهم يعتقدون بوظيفة بعطل مهمة، و89 في المائة يؤمنون بأهمية المساواة في العمل، و83 في المائة يرون عملا يتم فيه الاستماع لرأي العامل عند اتخاذ القرارات المهمة، أحسن من الاختيارات الأخرى. وحبذ 81 في المائة من المغاربة وظيفة يتحمل فيها الموظف المسؤولية، و79 في المائة اعتبروا أن أهم شيء في الوظيفــة تقديم المبادرات، و87 في المائة يفضلون وظيفة بتوقيت متناسب مع الحياة الأسرية، و86 في المائة يحبذون وظيفة تعطي الانطباع بالنجاح في شيء ما. التربية القيمية هي الأساس سجلت الدراسة أن تفعيل القيم في الإدارة والمقاولة والمستشفى والجمعية، يحدد، أولا، بالتربية القيمية في الأسرة، والمدرسة والإعلام والمسجد، ولاحقا، في الجامعة. واعتبرت الدراسة أن مأسسة التشاور والتواصل بين كل الشركاء المتدخلين في القطاع مهم، عبر وضع وتفعيل ميثاق أخلاقي ينظم علاقة الفاعلين فيما بينهم، وفي علاقتهم بالمرتفقين، والدعوة إلى المواءمة مع الخصوصيات الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية المحلية والجهوية، والتوقف عن ترويج أفكار سلبية عن المؤسسات، مع احترام كرامة الأفراد وحياتهم الخاصة، وكذا الأمن العام للمجتمع وقضاياه المصيرية. ودعت الدراسة إلى تعزيز حضور البرامج الثقافية والبيئية والصحية، وتقوية الزجر القانوني تجاه التطبيع مع الغش، والتحرش الجنسي، والرشوة، وإشعار المواطن عند تعامله مع الإدارة أنه يتعامل مع مؤسسة وليس مع أشخاص، مع تعزيز قيم التحفيز، وإشراك الفاعلين بالمؤسسة في وضع الأهداف والبرامج، وتقديم المقترحات. الاعتزاز بالأسرة والوطن وفق الدراسة نفسها، عبرت الأغلبية من المغاربة عن اعتزازها بانتمائها للأسرة، معتبرة أنه الأهم والأجدى لهم، في حين اعتبر 31 في المائة من المستجوبين المغرب أهم وأجدى، ما يعني أن القيم التقليدية في تحديد الانتماء مهمة أيضا. كما اعتبرت فئة ثانية من المستجوبين أن الانتماء الأساس يتراوح ما بين المدينة والدوار، ثم الإقليم والجهة، مرورا بالقبيلة والجماعة القروية والحي السكني. وتمثل نسبة هذه الفئة ذات الانتماءات المحلية الصغيرة، 33 فـــــي المائة، ضمنها 18 في المائة أرجعوا انتماءهم الأساس إلى مدينة أو دوار الإقامة. أما الفئة الثالثة التي حددت انتماءها الأساس في الدوائر الأوسع، مثل إفريقيا والعالم العربي، والعالم الأمازيغي، والعالم الإسلامي، ثم العالم كله، فتجاوزت نسبتها 36 في المائة. واستنتجت الدراسة أنه إذا لم يكن هناك أدنى شك في الشعور القوي بانتماء المغاربة لوطنهم، فإن التأكيد مع ذلك على أن الأهم هو المحلي، يفهم على أنه نوع من الاحتجاج على الفوارق القائمة بين الجماعات الترابية. وأشارت إلى أن الانتظار المعبر عنه هنا يتمثل في بناء وطن ينعم كل أبنائه بخيراته وموارده، على قدم المساواة. الأمن يسبق الحرية أعطى 77 في المائة من المغاربة الأولوية للأمن على حساب الحرية، مقابل 27 في المائة فقط الذين منحوا الأولوية للحرية، وتقبل المغاربة لجوء الحكومة إلى آليات المراقبة بالكاميرات في الفضاءات العمومية لضمان حمايتهم، وبالمقابل رفضوا الاطلاع على رسائلهم الإلكترونية أو الحصول على معلومات عنهم ضد إرادتهم. من جهة أخرى، بينت الدراسة أن ما بين 72 في المائة و81 من المستجوبين اعتبروا أن الاختيارات التي تؤدي بصاحبها إلى عدم أداء الضريبة لو أتيحت له الفرصة، والكذب لتحقيق مصلحة شخصية، وقبول دفع رشوة لتحقيق مصلحة، وإعطاء هدايا للحصول على خدمات عمومية، وتقديم خدمة لأصدقاء وأقرباء بدلا لمن يستحقها، وعدم أداء تذكرة ثمن النقل الحضري، كلها غير مبررة. وأكد ما يقرب من الربع أن الاختيارات المذكورة مبررة، بسبب أن الضريبة يراها "مجحفة" بالنسبة له، لذا لا يحق أداؤها، وأن الإدارة معيقة للعمل، لذا يجب أداء الرشوة وتقديم الهدايا، وأن سعر تذكرة الحافلة مرتفع لذا يجب عدم الأداء، والمطلوب تفعيل القيم في المؤسسات المكلفة بالخدمة. مقابل ذلك، اعتبر 83 في المائة من المستجوبين أن تقديم معلومة للسلطات حول شخص ما تحقيقا للعدالة، اختيار مبرر جدا. وبينت الدراسة أن 60 في المائة من المستجوبين يفضلون المساواة، ورأت أنه إذا كانت قيمة المساواة أهم في نظر المبحوثين من قيمة الحرية، فإن هذه الأخيرة لا تخلو مع ذلك من أهمية وجاذبية. وأشارت الدراسة إلى أن تطلع أغلب المبحوثين لتفضيل المساواة على الحرية، تفهم دواعيه بأن المساواة تتأسس على العدالة، والتوزيع المتساوي للحقوق السياسية والقدرات الفردية وموارد العيش، وفرص الارتقاء الاجتماعي وحظوظ النجاح في الحياة. الرشوة والوساطة متداولة أكدت نتائج البحث السوسيولوجي أن ثلث المغاربة مقتنعون باستمرار تداول الرشوة للحصول على شغل، وعدم اقتناع أغلب المستجوبين بأهمية العمل والمجهود الشخصي في الحصول عليه. وأكد المستجوبون على الدور الهامشي للهيآت الرسمية في التشغيل، فيما يرى آخرون أن الحصول على شغل يعتمد على تدخل العائلة والوساطة، وأسلوب لا يمت بصلة للطرق الموضوعية المفروض انتهاجها. أما المباراة، فإن كانت، نظريا، تبدو موضوعية، إلا أنها لا تتم دائما، عند التطبيق، وفقا للمعايير التي وضعت لها، إذ يحدث أن تفسد الوساطة وأشكال شتى من التدخل، حياد واستقلالية المشرفين عليها. وفضل المبحوثون خيار التشغيل الذاتي بنسبة 48 في المائة، كي لا يتحكم فيهم أحد، والعمل بالقطاع العام بنسبة 37 في المائة وبنسبة أقل الاشتغال بالقطاع الخاص بما يماثل 9 في المائة، فيما نال العمل في القطاع المدني مثل الجمعيات والتعاونيات نسبة ضعيفة جدا لا تتعدى 3 في المائة. وفسر المبحوثون أسباب اختيار الاشتغال بالقطاع العام، لأجل الاستقرار في العمل، ولساعات الاشتغال المحدودة ولوجود تغطية اجتماعية وصحية. 80 في المائة غير راضين عن الإدارة وعن مدى الشعور بالرضى عند التعامل مع المؤسسات العمومية، أكد 80 في المائة من المستجوبين أنهم غير راضين عن السرعة في أداء الخدمة، واعتبر ما بين 70 في المائة و79 أنهم غير راضين عن الاضطرار إلى الانتظار لنيل الخدمة، وانعدام الشفافية في التواصل، وعدم الحرص على المساواة في التعامل، وعدم الإشراك عند اتخاذ القرار، وحوالي النصف، غير راضين عن كيفية الاستقبال عند دخول الإدارة، وعدم احترام المرتفق داخل الإدارة. وطلب المستجوبون من المسؤولين تقديم المساعدة عندما يبرز مشكل ما، وأن يتعامل الموظف معهم بشفافية ووضوح، وعلى قدم المساواة مع الآخرين، ويقدم لهم الموظف المشورة تحقيقا لمصلحتهم، مع تقديم الإدارة خدمات لهم ذات جودة، لضمان سمعة طيبة للإدارة في أوساط السكان المحليين، وإبراز دور الموظف في خدمة الصالح العام. دور المدرسة التربوي سجلت الدراسة أن القيم ذات الأولوية في علاقة المغاربة بالمؤسسات، تتمثل في الثقة بنسبة 26 في المائة، والعدالة بنسبة 12 في المائة، والأمن العام بنسبة 10 في المائة، والشفافية والإخلاص في العمل، واحترام الحقوق والواجبات بنسبة 9 في المائة، والمساواة بنسبة 7 في المائة، والتضامن بنسبة 5 في المائة. وطالب المشاركون بقيام المدرسة من جديد بمهامها التربوية التقليدية والرجوع إلى تقاسمها مع الأسرة، وتعزيز قيم التسامح والتعايش والفكر النقدي وحرية التعبير لدى التلاميذ، واستحداث برامج بيداغوجية قيمية لفائدة الأطر الإدارية والتدريسية، وتفعيل قيمة التعددية، خاصة في اتجاه الأطفال واليافعين والشباب. وتعزيزا لقيمة المصداقية، دعا المشاركون إلى تقنين الولوج إلى مهن الإعلام، وإنهاء وضعية غموض المعايير، وتقوية البرامج المتعلقة بفئات اجتماعية ذات أوضاع صعبة، وتعزيز المضامين القيمية في الإشهار، خاصة الموجهة منها للأطفال واليافعين، والكف عن اختزال المرأة في جسد يتم الترويج به لسلع معينة، وتوقع استمرار تغير القيم في اتجاه المزيد من التلاؤم مع القيم الكونية، دون التفريط في القيم الأصيلة،على أنه من المستبعد التحكم في التغير القيمي الناتج عن تأثير العولمة، بكل ما يتصل بها من أبعاد، وظروف دولية تتحول باستمرار تحت وقع الحروب والأزمات والمصالح.