أطلق برامج في دعم تمدرس الفتاة القروية والحملات الطبية والمشاريع المدرة للدخل إذا كانت الدولة تواجه عقبات في تنمية المناطق الجبلية، وتوفير الحياة الكريمة لسكانها، فإن السكان والكفاءات المحلية شريك أساسي، لتحقيق ثورة في المناطق الجبلية، سواء تعلق الأمر بقطاع التعليم أو الصحة أو المشاريع التنموية المدرة للدخل. ويعتبر عمر مجان أحد أبناء الجبل الأبرار، الذين انتقلوا في فترات سابقة إلى المدن الكبرى، من أجل استكمال راستهم العليا، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه، ويشرع بشراكة مع مؤسسات متنوعة حكومية وخاصة، في التأسيس لثقافة المجتمع المدني، الذي يساهم في التنمية، ومحاربة المشاكل الاجتماعية بالمناطق القروية. يقول عمر في حديثه مع "الصباح"، إنه انتقل قبل سنوات إلى مراكش، من أجل إتمام دراسته العليا، وبحكم قدومه من منطقة تاغية بالجماعة القروية "واولى" بإقليم أزيلال، وهي منطقة جبلية ساحرة، قرر العمل في مجال السياحة، واشتغل مع عدد كبير من الوكالات، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه ويؤسس شركته السياحية. ويضيف عمر أنه بحكم علاقته بالسياح الأجانب والمغاربة، فكر في 2012 تأسيس جمعية "سمنيد" (إلى الأمام) للتنمية الاجتماعية، والتي ستكون لها يد بيضاء على المنطقة وستساهم بشكل كبير في تنميتها، خاصة بعد انضمام عدد من الشباب المؤهلين إليها، رغم نزيف الكفاءات بالعالم القروي بسبب الهجرة. يوضح عمر أنه تمكن من جلب عدد كبير من القوافل الاجتماعية والتضامنية، عن طريق السياحة، إذ أن الجمعيات التي تأتي من المدن الكبرى، تخصص اليوم الأول للنشاط الجمعوي، واليوم الثاني تستغله في السياحة بالمنطقة، مبرزا أنه تم تنظيم أزيد من 45 قافلة تضامنية بالمنطقة. وساهمت "سمنيد" في تنظيم عدد من القوافل الطبية، بشراكة مع نوادي كليات الطب بمراكش والبيضاء والرباط ومستشفى الشيخ خليفة، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، ووزارة التضامن، وغيرها من المؤسسات المعنية. ويشير مجان إلى أن جمعيته ساهمت أيضا بشكل كبير في دعم التمدرس بالعالم القروي، بإحداث فضاءات الترفيه بالمؤسسات الابتدائية، وتوزيع المحافظ كل موسم دراسي، بشراكة مع مؤسسات عديدة، ناهيك عن بناء مدارس ومرافق صحية، بتنسيق مع أفراد الجالية المغربية بالخارج، ومؤسسة بنك التغذية. وفي 2018 يوضح مجان، تم إطلاق مشروع نموذجي على مستوى الإقليم والجهة، ويتعلق الأمر بمراكز الاستقبال العائلية للتميز، مضيفا "بحكم أنني من منطقة جبلية، فأنا أعرف حاجيات أبناء الجبل، ومشاكل الانقطاع عن التمدرس، خاصة التلميذات". ويبرز مجان أن الانقطاع عن التمدرس مسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة، وأن المدارس الابتدائية بذلت فيها الدولة مجهودا كبيرا، عكس الإعداديات والثانويات التي توجد بمراكز الجماعات، وبالتالي فبعد تجاوز التلميذ للمستوى السادس، يكون مضطرا للانقطاع خاصة الفتيات، لأن الظروف الموضوعية والأفكار السائدة، تحول دون إرسالها إلى المستوى المقبل، نتيجة البعد والفقر وعدم توفر دور الاستقطاب بشكل كاف. وبالنظر إلى حجم المشاكل التي يعانيها المتمدرسون في المناطق الجبلية، مع بعد المؤسسات وإشكالية الإطعام المدرسي وغيرها، فإن الانقطاع ما زال مستفحلا، وهو ما تطرقنا إليه في إحدى الرحلات مع الأجانب، يقول عمر، ما دفعهم إلى مساعدة هؤلاء الأطفال، وتم توقيع شراكة مع شركة فرنسية رائدة في مجال التأمين في المغرب. ويشير المتحدث ذاته إلى أن الجمعية بدأت بفكرة بسيطة متمثلة في مركز إيواء، شيد بالمركز الحضري بقرب الإعدادية، وحققنا شرط القرب، إضافة إلى التغذية والكتب المدرسية، والدعم المدرسي الذي يقدمه أساتذة متطوعون. وتشتغل جمعية "سمنيد" بمنطق ما سماه رئيسها الوساطة الاجتماعية، إذ في بداية كل موسم دراسي، ينتقل ممثلوه إلى بيوت الأسر التي لديها تلاميذ متميزون، لكن ظروفهم لا تسمح لهم بإكمال الدراسة، ويقنعونهم بتوفير جميع الشروط التي ستسمح لهم بالدراسة، وفق ظروف مريحة بالمجان، وتكون الأولوية للتلميذات الأيتام والمتميزات. ويذكر مجان بعض النتائج التي حققها المشروع بالقول، إن إحدى التلميذات تمكنت من الحصول على معدل 19، وأخرى انقطعت لسنتين وعادت للدراسة وحصلت على معدل 17، وأن إحداهما التحقت بمدرسة التمييز بابن جرير وحصلت فيها على نقطة 18، مشددا على أن المركز يوفر الأنشطة الموازية، التي تسمح بصقل مهارات التلميذ، عكس النمط التقليدي الموجود في الخيريات الإسلامية، التي تكتفي بالإيواء والإطعام. وأما الشق الثالث من عمل جمعية "سمنيد"، فيتمثل في دعم المشاريع المدرة للدخل، من خلال العمل مع نساء في صناعة الزرابي، وبيعها بطريقة مبتكرة، إذ تصنع بحجم صغير، ويتم وضعها في إطارات لتصبح لوحة فنية، إذ تحاول الجمعية منحها قيمة ثقافية، من أجل تحسين وضعية النساء القرويات. وخلص مجان إلى أن هناك مشاريع أخرى، من قبيل توزيع 10 آلاف شجرة مثمرة، للرقي بهذا القطاع في المناطق الجبلية، وهو ما حفز أحد المستفيدين الذي تحول إلى مقاول، وأصبح بدوره يملك مشتلا لإنبات وبيع تلك الشتلات، التي كانت "سمنيد" تقتنيها من مدن أخرى لتوزيعها على المستفيدين. ع. ن