المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يرصد نقاط ضعف النموذج القديم وتداركها في الجديد وضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أربعة أهداف لمسار تنمية الصحراء، يتم تنزيلها في أفق عشر سنوات، وتتعلق بمضاعفة الناتج الداخلي الإجمالي لجهات الأقاليم الجنوبية، وإحداث أكثر من 120 ألف منصب شغل جديد، بضخ استثمارات تبلغ 17 مليار دولار، وتقليص معدل بطالة الشباب والنساء إلى النصف، وإشراك السكان المحليين في المحافظة على الموارد الطبيعية وتدبيرها بشكل مستدام وضمان استفادتهم منها، والرفع من جاذبية المنطقة بالارتقاء بها إلى قطب إفريقي، وتعزيز ترابطها مع باقي جهات المملكة وعلى المستوى الدولي. إعداد: ياسين قُطيب كشف أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في عرض أثناء حضوره لقاء دراسيا نظمه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، نسب تنزيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي يتلخص في مجموعة من الأهداف في مقدمتها وضع إطار لتنمية بشرية مندمجة ومستدامة للقطع مع إستراتيجية المدى القصير واعتماد مبادئ وضوابط الاستدامة، وإحداث الثروة وفرص الشغل من خلال النهوض بالاستثمار الخاص، وإعادة النظر في منظومة المساعدة الاجتماعية لجعلها أكثر إنصافا وفعالية. وأفاد الشامي بأن مشروع النموذج التنموي تضمن رؤية جديدة قائمة على إرساء دينامية اقتصادية واجتماعية مستقلة، وإحداث أنشطة وفرص الشغل بأعداد كافية، والحد من الفوارق وتطوير دينامية إدماجية مع احترام للتراث الثقافي والجهوي. ظروف عيش أفضل للسكان يبقى مستقبل عشرات الآلاف من سكان المنطقة رهينا بمآل التسوية الأممية بعدما قدم المغرب في 2007 مقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، في إطار مسلسل تسوية ملف الصحراء تحت إشراف الأمم المتحدة، يخول لسكان الأقاليم الصحراوية وضعا خاصا، يسمح لهم، تحت السيادة المغربية، بتدبیر شؤونهم بأنفسهم من خلال هيآت تشریعیة وتنفیذیة وقضائیة، ما جعل المقترح يلقى ترحيبا وإشادة من لدن المجتمع الدولي، إذ رحـب مجلس الأمن في قراره لسنة 2013" بـالجهود المغربيـة المتسمة بالجدية والمـصداقية والراميـة إلى المـضي قـدماً بالعملية صـوب التـسوية"، التي تعكسها إرادة ملكية في تحقيق التغيير. وأحدثت لجنة خاصة مكلفة برسم الخطوط العريضة لمشروع تنموي مندمج ومتوازن ومستدام للأقاليم الجنوبية، يستلهم مبادئه من دستور المملكة، سيما على مستوى ترسيخ الديمقراطية، ويندرج ضمن ورش الجهوية المتقدمة، تبعها تنظيم مسلسل واسع من الإنصات والتشاور والتوافق، في الجهات الجنوبية الثلاث مع ما يقارب 1500 شخص، يمثلون المنتخبين والإدارة المركزية والترابية، والمنظمات النقابية، والفاعلين الاقتصاديين، وفعاليات المجتمع المدني، مع انفتاح خاص على الشباب والنساء، بالإضافة إلى إجراء فحص شامل ودقيق للدراسات والتقارير المنجزة من قبل هيآت ومؤسسات حكومية وغير حكومية، عمومية وخاصة، وطنية ودولية. نقاط ضعف النموذج القديم كانت هناك نقاط القوة في زمن ما قبل النموذج التنموي للصحراء تجلت في مجهود وطني ضخم من قبل السلطات العمومية في مجال الاستثمارات الكبرى، همَّ بالأساس البنيات التحتية وتخصيص الدولة لدعم مالي مهم للأقاليم الجنوبية من أجل محاربة الفقر، وذلك من خلال المساعدات المباشرة وغير المباشرة واستفادة هذه الأقاليم من دعم أكبر من المتوسط الوطني في مجالات التربية والتعليم، والولوج للخدمات الأساسية، والاستثمارات العمومية. لكن كانت هناك نقاط ضعف تمثلت في مشاكل الإقلاع الاقتصادي وإحداث الثروات المحلية، وبطالة دائمة، وخاصة في أوساط الشباب وحاملي الشهادات العليا والنساء، وغياب الوضوح في منظومة اتخاذ القرار، وإفراز توترات اجتماعية يغذيها شعور بالظلم لدى بعض الفئات من سكان المنطقة، ومحدودية علاقات الترابط والتبادل بين الأقاليم الجنوبية وباقي مناطق المغرب وعلى المستوى الدولي، واعتماد كبير على دعم الدولة والمساعدة الاجتماعية، ما أبرز الحاجة إلى مقاربة جديدة تقطع مع ممارسات الماضي. واعتمد النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية رؤية جديدة قائمة على خمس ركائز ترسي دينامية اقتصادية واجتماعية مستقلة، قادرة على توفير أنشطة وفرص الشغل بأعداد كافية وعلى الحد من الفوارق، وتطوير دينامية إدماجية، في احترام تام للتراث الثقافي الجهوي، وذلك بفرض حكامة مسؤولة، ووضع اقتصاد دينامي محدث لفرص الشغل وإعادة النظر في منظومة الدعم الاجتماعي والولوج للثقافة والتعليم والصحة، واعتماد تخطيط حضري مراع للبيئة في أفق إحداث تحولات كبرى من تنمية تضطلع بها الدولة بشكل كامل إلى اقتصاد تساهم في ظله كل من الدولة والقطاع الخاص والفاعلين بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تحقيق التنمية من اقتصاد الريع إلى اقتصاد دينامي وتنافسي. واعتبر المجلس أن الوصفة ستكون هي تحرير المبادرة الخاصة، ومن حكامة ممركزة إلى حكامة جهوية ومسؤولة قائمة على إشراك السكان في شؤونهم المحلية، ومن إستراتيجيات قصيرة المدى إلى إستراتيجيات مستدامة، ومن التدبير غير العادل للموارد الطبيعية إلى تدبير أمثل لها. حصيلة تنفيذ جهوية ترجع أولى الخطوات إلى الإطلاق الفعلي لتنفيذ النموذج التنموي، من قبل الملك لمناسبة الذكرى 40 للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2015 بالعيون، عندما تم توقيع العديد من الاتفاقيات الإطار والعقود والبرامج بغلاف مالي يبلغ أكثر من 77 مليار درهم، وتقدمت أشغال تنفيذ نسبة الالتزام حوالي 80 في المائة من مجموع الغلاف المالي المخصص له. وأصدر المجلس توصيات تعديلية بخصوص استكمال التنفيذ لكل جهة على حدة، إذ أوصى بالنسبة إلى جهة العيون الساقية الحمراء بجعلها قطبا اقتصاديا متنوعا، عبر استغلال مؤهلات المنطقة في القطاع الأولي (تثمين منتجات الصيد البحري، وتطوير مسلك تربية الإبل، والمؤهلات الفلاحية)، وتطوير قطب صناعي للجنوب (تحويل الفوسفاط في إطار مركب كيماوي مندمج يتيح إنتاج تشكيلة واسعة من الأسمدة، وإنتاج مواد البناء)، وتطوير القطاع الثالث (قاعدة لوجستية وتجارية، وقطب سياحي وحرفي محلي)، ودعم مكانة الجهة مركزا إداريا، لتتطور إلى مدار محوري، بالنسبة إلى الأقاليم الجنوبية وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء. وأوضحت التوصيات أن الغلاف المالي المخصص لجهة العيون الساقية الحمراء في إطار العقود – البرامج، التي جرى توقيعها بين الدولة والجهات الجنوبية الثلاث: 45.7 مليار درهم أي ما يعادل 54 في المائة من الغلاف المالي الإجمالي في مشاريع كبرى، من قبيل البرنامج الصناعي فوسبوكراع العيون، ومحطات الطاقة الريحية والشمسية بالعيون وطرفاية وبوجدور، وتكنوبول فم الواد، والمركز الاستشفائي الجامعي بالعيون. أما بالنسبة إلى جهة الداخلة وادي الذهب، فقد أوصى المجلس بجعل الجهة قطبا اقتصاديا متقدما في مجال الصيد البحري والفلاحة ذات القيمة المضافة العالية، والطاقات المتجددة، والسياحة المتخصصة، وكذا اللوجستيك والتجارة، والتي تتوفر على مؤهلات تجعلها قادرة على الاضطلاع بدور مركزي في الاندماج مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. وكشف المجلس أن الغلاف المالي المخصص للجهة المذكورة في إطار العقود –البرامج التي جرى توقيعها بين الدولة والجهات الجنوبية الثلاث : 23.13 مليار درهم أي ما يعادل 27 في المائة من الغلاف المالي الإجمالي بمشاريع كبرى، من قبيل الميناء الأطلسي الداخلة، وبرنامج النهوض بالصيد البحري يضم 6 وحدات صناعية لتثمين الأسماك السطحية بالداخلة، وربط الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية، وسقي 5000 هكتار بالداخلة عبر المياه المتأتية من تحلية مياه البحر، والمعهد الجهوي للموسيقى والفنون الكوريغرافية بالداخلة، والطريق السريع تيزنيت-الداخلة. رافعات تنموية جديدة استعمل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية رافعات محورية من قبيل إرساء مناخ أعمال أكثر جاذبية، وإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، إذ توزعت هياكل الرافعة الأولى بين تعزيز تطبيق القانون، من أجل تأمين العقود والمعاملات وإرساء مناخ عادل وجذاب للاستثمار الخاص، وإحداث ثلاث مناطق صناعية مندمجة لتحقيق الاستفادة المثلى من خصوصيات كل جهة، ووضع قواعد واضحة لتنظيم استعمال وتثمين الموارد الطبيعية بما يضمن حق السكان المحليين في الاستفادة منه، وإحداث آليات للحوار من أجل معالجة مختلف القضايا الاجتماعية وتسوية النزاعات، ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة، من خلال تقديم الدعم المالي ودورات التكوين الملائم، والنهوض بالتجارة العادلة والمستدامة، لا سيما في مجال الفلاحة والصناعة التقليدية والسياحة. أما على مستوى إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، فقد تم إقرار نظام تحويلات نقدية مشروطة يستهدف الفئات الأكثر هشاشة، من أجل تعزيز قدرات المستفيدين، خاصة الشباب والنساء، ووضع إستراتيجية مناسبة لاستباق وتدبير عودة السكان المغاربة من مخيمات تندوف، تهم بشكل خاص التكفل بوضعهم الصحي والنفسي بالإضافة إلى مساعدتهم على الإدماج المهني، مع تشجيع انخراط النساء في هذه الدينامية الجديدة. ومنح النموذج الجديد مكانة خاصة للثقافة الحسانية، من خلال العمل على إدماجها في السياسات التربوية التعليمية والسمعية البصرية وإدماج الحسانية، لغة وتراثا، في المضامين البيداغوجية للسياسات الجهوية في مجال التربية والتعليم، وتوفير فضاءات متعددة للتعبير واللقاءات الثقافية والإبداع لفائدة الشباب والنساء ، وإحداث مجلس ما بين جهوي للنهوض بالثقافة الحسانية، يتكفل بمهمة المحافظة على التراث الحساني، وتثمين أماكن الذاكرة (المواقع الأثرية والتراث المعماري وإنشاء المتاحف الجهوية)، من خلال تعبئة وسائل الإعلام السمعية البصرية والفاعلين في قطاع السياحة بالمنطقة. وتمثلت أهم المتغيرات المحدثة في اعتماد التدبير المستدام للموارد الطبيعية ووضع إستراتيجية مندمجة للتنمية البشرية، وتعزيز قابلية التشغيل من خلال التربية والتكوين، وفرض حكامة قائمة على الجهوية المتقدمة، وتخويل المواطنين إمكانية تدبير شؤونهم بأنفسهم بتعزيز التدبير التعاقدي.