إخفـاق مسـار الملاءمـة

أحزاب اليسار أخلفت موعد الانتخابات الأخيرة لضبط الإيقاع مع منطق الدولة ونبض المجتمع شكلت الاستحقاقات التشريعية والمحلية الأخيرة فرصة ملحة للأحزاب السياسية اليسارية لدخول مسار الملاءمة مع المشهد السياسي الجديد و ضبط الإيقاع مع نبض المجتمع، بالنظر إلى إمكانية إعادة الانتشار التي منحتها الجائحة في ظل إخفاق الحكومة السابقة بقيادة العدالة والتنمية، في سباق تقوية الأمن الاقتصادي والاجتماعي. منح سياق انتخابات شتنبر 2021 المعارضة زخما استثنائيا، بعد حذف القانون الانتخابي الجديد البند الذي كان يفرض الحصول على 3 في المائة من الأصوات في الحد الأدنى من أجل حجز مقاعد في المجلس النواب، ونهاية أصعب عائق انتصب أمام الأحزاب الصغيرة، إذ توزعت المقاعد وفقا للعدد الإجمالي للناخبين المؤهلين، بدلا من مجموع الأصوات، ورغم ذلك، كانت حصيلة أداء اليسار سيئة، وعلى سبيل المثال، حصل الحزب الاشتراكي الموحد على مقعد واحد، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي باسم تحالف في فدرالية اليسار الديمقراطي، على مقعد واحد. ومن أبرز العوامل المساهمة في هذه النتيجة توفر الأحزاب الأكثر احترافية في الحملة وما قبلها، سيما التجمع الوطني للأحرار الذي خرج منتصرا من الانتخابات، على قدرة كبيرة في جبهات تعبئة المتطوعين وتنظيم حملات في مختلف أنحاء المملكة في مواجهة تجذر العدالة والتنمية بعد عقدين من الريادة، أنهاهما تصويت احتجاجي واسع في صناديق الاقتراع، مع أن هناك من يقول بأن إخفاق اليسار كان من صنع يديه، خاصة انسحاب الحزب الاشتراكي الموحد بقيادة نبيلة منيب من فدرالية اليسار الديمقراطي بسبب الخلافات حول أسماء المرشحين على قائمة جهة البيضاء- سطات. وترتبت عن تلك الخلافات نتائج سلبية، أولاها، تقويض تطلع أحزاب فدرالية اليسار الديمقراطي إلى طرح فكرة بديل يساري عن الاتحاد الاشتراكي للقوى الاشتراكية، الموحد التاريخي، رغم أنه أصبح ينظر إليه في العقود الأخيرة بأنه زاغ عن مساره النضالي المعارض. كما تسببت في إشعال فتيل التنافس بين الحزب الاشتراكي الموحد والحزبين الآخرين في التحالف، في بعض الجهات والأقاليم، ما أفضى إلى مزيد من التشتت في الأصوات وإلى تراجع إضافي في حظوظ الفوز بمقاعد في المجلس النيابي. ويمكن القول إن خطوات القطيعة الداخلية أدت إلى إسقاط ميزة أساسية لليسار، تمثلت في اعتبار أحزابه تحتكر آليات ديمقراطية داخلية راسخة، تتمتع بامتداد واسع في صفوف القواعد الشعبية، خلافا للأحزاب التي ينظر إليها بأنها هرمية وذات قيادات منغلقة مثل الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار. وكانت تبعات شتات اليسار واضحة بعد إخفاق فدرالية اليسار الديمقراطي في تحقيق انتصارات فعلية في الاختبار الانتخابي الثاني على التوالي، بالنظر إلى وضعية التفكك، والضعف اللوجستيكي، والافتقار إلى الثقة من الناخبين، ما دفع تقارير دولية إلى توقع انهيار وشيك لليسار المغربي، إذا هو واصل الإخفاقات الانتخابية، مرجحا أن تصطدم أي محاولات للتغيير من أجل التقارب، بسلوكات بعض القيادات التي تجعل المصالحة عملية شاقة وطويلة. تصويت تكتيكي أضرت المشاحنات الداخلية وتداعياتها في الحملة الانتخابية بصورة اليسار وقدرته على تقديم بديل ديمقراطي شامل، وهو الضرر الذي كان من شأنه وضع عائق إضافي أمام قدرة الأحزاب المحدودة على بناء الدعم على مستوى القواعد الشعبية واستقطاب الاهتمام في أوساط الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين خاب ظنهم من السياسة الرسمية. وتأثر اليسار بظاهر العزوف الانتخابي إذ استمرت المشاركة الشبابية في الانتخابات متدنية دون عتبة 9 في المائة، في وقت كان اليساريون، يسعون إلى استقطاب الحد الأدنى من أصوات الناخبين الشباب، لكن أغلبهم صوتوا من منطلق تكتيكي، وفضلوا دعم الأحزاب الكبيرة التي تملك حظوظًا أكبر بإلحاق الهزيمة بأحزاب أخرى مثل العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، على اعتبار أن الأصوات ستذهب سدى في حال التصويت للأحزاب اليسارية. نفور الشباب تتوقع التقارير المذكورة أن تستمر نزعة التصويت التكتيكي, على اعتبار أن تداعيات سوء أداء اليسار ستثير مزيدا من النفور لدى الشباب, بذريعة أن اليسار يتحمل تبعات الإخفاق الذي سيرتد على الشباب باستبعاد مزمن من دائرة السياسة الرسمية، اعتقادا منهم أن اليسار أفضل من يترافع عنهم بعد سنوات من النضال من أجل القضايا المتعلقة بالشباب والأمن الاقتصادي والاجتماعي، والتي تفاقمت بفعل الجائحة. وساهم الأداء السيئ في الفوز الكاسح الذي حققته أحزاب ذات توجهات ليبرالية وحكم على اليسار بالبقاء في المعارضة لكنه لن يتمكن على ضوء تمثيليته الضئيلة في مجلس النواب وانقساماته الداخلية، من خوض معارضة مجدية في مجال صناعة السياسات، ما سيشكل عاملا إضافيا يساهم في إطلاق يد الأغلبية الجديدة لإقرار تشريعات تناسبها. ي. ق

إخفـاق مسـار الملاءمـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عكاشة يفضح السياسة الفرنسية

الـورش المفتـوح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات