غاني: تمردت على “آل القباج”

عانى انفصاما في الشخصية وطقوس روحانية من روتينه اليومي استغرب كثيرون فكرة انتقال الفنان غاني القباج من عالم الغناء إلى عالم الفكاهة، التي يعتبرها الأقرب إليه، وأنه حتى مع بلوغه العقد الخامس يرى أن حلم انخراطه في أدائها ليس مستحيلا، بل نابعا من نضج وتجربة بين دروب الحياة. "الصباح" التقت الفنان غاني الذي فتح قلبه للجريدة وقرائها... إعداد: أمينة كندي يستمد غاني قوته، فوق الخشبة وفي الحياة بشكل عام، من خلال طقس يومي لا يمكنه مهما كانت الظروف الاستغناء عنه، فهو بمثابة جرعة تدفعه للسير نحو الأمام وتحقيق طموحاته ومشاريعه. طقس يومي... "اللهم إني أصبحت لله ضيفا. والله للضيف يغني. أحسنت بالله ظني أن يكشف السوء عني يا عالم السر مني لا تكشف الستر عني"، هكذا يناجي غاني الله سبحانه وتعالى كل يوم بعد أداء صلاة الفجر وقراءة القرآن الكريم وتخصيص جزء من وقته للذكر. "في كل يوم أعرف من خلال ممارسة هذه الطقوس أنني ضيف الله وأشعر بإحساس جميل جدا ونوع من الطمأنينة والسلام الداخلي" يقول غاني. ومن بين الطقوس اليومية التي يحرص عليها كذلك ممارسة الرياضة سواء في الصباح أو المساء، مثل المشي بمحاذاة البحر إذا صادف وجوده بمدينة ساحلية أو ركوب الدراجة الهوائية. يرفض غاني الخضوع إلى عمليات تجميل أو تقنيات التخلص من التجاعيد مثل "البوطوكس"، على غرار كثير من الفنانين الذين يلجؤون إلى ذلك للحفاظ على مظهرهم الخارجي، مؤكدا أن بلوغه عقده الخامس لم يدفعه لتغيير رأيه بهذا الشأن. راجل و"كاد" إذا كان بعض الأزواج يخجلون من القول إن زوجاتهم تجمعهن علاقة قطيعة بالمطبخ ولا يجدن الطهو، فإن غاني يشكل الاستثناء، فهو شريك منفتح ولا يرى في إتقان تحضير الطعام شرطا أساسيا في العلاقة الزوجية. "مراتي ما كطيبش...ما فيها والو، هذا أمر عادي بالنسبة إلي"، يقول غاني، ليكون رده على كل من يستغرب ذلك "أين المشكل؟". وكلما سمحت الالتزامات الفنية لغاني بوجوده في منزله بباريس رفقة زوجته وأبنائه، لا يتوانى عن تحضير أنواع من الطعام من مطابخ عالمية، سيما أن جمهوره سبق أن اكتشفه في هذا المجال من خلال سلسلة بثها منذ سنوات على حسابه الرسمي على "إنستغرام". لا يمكن أن يفوت غاني، الذي اختار خلال السنوات الأخيرة الاستقرار بفرنسا، كل زيارة له للمغرب دون أن يقتني ما يحتاجه من منتجات تقليدية يحتاجها لتحضير أطباق مختلفة في أرض المهجر. وتعتبر محلات بيع الزيتون و"الحامض مصير" وغير ذلك من الخضر "المخللة" ومختلف أنواع التوابل من بين الوجهات الرئيسية لغاني، إذ يتبضع منها ما يحتاجه بعناية فائقة جدا. تعد المدينة القديمة سواء بمراكش أو الرباط أو أي مدينة أخرى يختم فيها زيارته للمغرب من بين الفضاءات المفضلة بالنسبة إليه، موضحا "أشم فيها عبق التاريخ والحضارة المغربية الأصيلة وأقتني كل ما أحتاجه من منتجات محلية لها نكهتها الخاصة، مثل الأعشاب الخاصة بتحضير الشاي والتوابل والحلويات التقليدية". الختان في سن 14 في الوقت الذي اعتقد كل من تابع عرض غاني الفكاهي "لو دوبل جو" بالرباط والبيضاء أن توقفه للحديث عن موضوع الختان في سن متأخرة يعتبر من محض الخيال، كان رده بهذا الشأن مخالفا، إذ أكد أنه حدث حقيقي. "بحكم أن والدتي لها ثقافة فرنسية لم تكن على دراية بأمور مثل الختان"، يحكي غاني، مضيفا "في سن الرابعة عشرة حل عمي لزيارتنا ووجه سؤالا إلى والدتي قائلا واش ختنتي هاد الولد أو لامازال، فكان ردها: لا". لم يتردد عم غاني للحظة، إذ بعد أيام قليلة بدلا من أن يرافقه إلى إحدى المصحات الخاصة، اصطحبه إلى أحد المواسم ضواحي مراكش، حيث يتم تنظيم حفل إعذار جماعي خيري. "شعرت بضيق شديد، كما أن الجميع كان ينظر إلي باستغراب ومنهم من اعتقد أنني الطبيب الذي سيتولى عملية ختان الأطفال بالنظر إلى طول قامتي"، يحكي غاني، الذي ازداد غضبه حين عاد إلى المنزل بعد أن تفاجأ بتنظيم والدته حفلا كبيرا أو "شوهة"، على حد قوله، دعت إليه جميع الأقارب وكانوا في استقباله بالزغاريد. "قفرتها مع عائلتي" لم يخف غاني أنه تحدث بجرأة كبيرة عن تفاصيل من حياته، من بينها علاقته بأفراد العائلة الصغيرة والكبيرة. "إنها جرأة استحسنها كثير من أقاربي لأنني حين كنت أتحدث بصدق فوق الخشبة شعر كل واحد منهم بنفسه من خلالي وأنه ذات يوم واجه موقفا مثل الذي عشته، خاصة بسبب الاسم العائلي، مؤكدين أنني نجحت في تكسير القيود التي شكلت عائقا كبيرا بالنسبة إليهم لعدة سنوات بسبب انتمائهم إلى "آل القباج". وشعر كل واحد من أقارب غاني بنفسه يقف فوق الخشبة عندما تحدث في عرضه الفكاهي عن بعض الوقائع المريرة، التي تقاسموا تفاصيلها بسبب اسمهم العائلي، الذي فرض عليهم إطارا معينا لا ينبغي الخروج عنه. "حين كنت طفلا عانيت كثيرا، كما رفض كثير من الأطفال صداقتي، معللين ذلك بأنني ابن القباج"، يحكي غاني، الذي رفض كذلك تفضيل أساتذته له على زملائه للسبب نفسه. باختصار "قفرتها" مع عائلتي، خاصة الأفراد الذين اعتبروا أن ما تضمنه العرض الساخر "دوبل جو" فيه نوعا من الإساءة إليهم، لكن ما قمت به هو الحديث بصراحة حول ما شعرت به في فترات سابقة. "بريسلي" كلفني خمسة ملايين أثار اللباس الخاص بالفنان إلفيس بريسلي، الذي أطل به غاني في بداية أحد عروضه فضول عدد كبير من الجمهور، خاصة أن تصميمه كان فريدا. وعن هذا اللباس، قال غاني إن إنجازه تم بتعاون مع شركة أمريكية بلاس فيغاس، بدأ التواصل معها قبل تفشي الجائحة والتي تولت أخذ مقاساته بعناية فائقة لتشرع في تنفيذه. "لباس بريسلي كان ثقيلا جدا فوزنه 16 كيلوغراما وسعره يقدر بحوالي خمسة ملايين سنتيم"، يقول غاني، مضيفا قد يرى البعض أنه مبالغ فيه، لكنه يستحق ذلك نظرا للمواد والثوب المستعمل في إنجازه، كما أن عشقي لبريسلي كبير وكنت حريصا على تقديمه في أبهى حلة دون التفكير في التكلفة المالية. تابعت علاجا نفسيا كان لابد في إحدى المحطات من حياة غاني أن يتوجه إلى طبيب نفسي بحثا عن علاج يساعده على تجاوز الكم الهائل من المشاكل التي كان يواجهها، والتي كان لإدمانه نصيب الأسد منها. "واجهت في حياتي مواقف صعبة، كما اجتزت عدة محطات كان لكل واحدة منها أثر نفسي سلبي، ولهذا كان من الطبيعي أن أفكر في التوجه إلى طبيب نفسي"، يحكي غاني، الذي رغم كل المشاكل كانت الابتسامة لا تفارقه والتفاؤل رفيقا له في كل خطوة. أكد غاني أن طبيبه النفسي كان يواجه مشاكل معه، موضحا "كنت سأصيب الطبيب بالجنون إلى درجة قال لي سير قلب على شي واحد باش تحمقو». لم يكن مسار غاني عاديا على غرار أبناء جيله من الفنانين، إذ طبعته الكثير من المغامرات، بعد أن قرر التنقل بين عدة دول ومن حانة إلى أخرى ويواجه عالم الإدمان على الكحول والمخدرات والأكثر من ذلك شبكة "المافيا." ويعتقد كثيرون، حسب غاني، أنه لا يمكن أن يصعد إلى الخشبة دون استعمال مخدرات أو مشروبات كحولية، الأمر الذي ليس صحيحا. "يجمع كثيرون أنه من المستحيل أن يصعد فنان فوق الخشبة ويكون "ساحي"...من جهتي جربت هذا الأمر عدة مرات، لكن في الآونة الأخيرة توقفت عن ذلك وبدأت ألجأ إلى ذكر الله"، يقول غاني، مضيفا "جربتهما معا وبصدق فإن الذكر يمنحني 20 مليار مرة من القوة فوق الخشبة، مقارنة مع وسائل أخرى يعتقد كثيرون أنه لا يمكن الاستغناء عنها". "خرجت على السطر حتى عييت" قال غاني إنه رغم عدم موافقته على أسلوب "إلغراندي طوطو" الفني، إلا أنه يتفهم إلى حد كبير الجرأة، التي يعتمدها في ذلك. "حنا كاملين خسرنا الهضرة، لكن ليس علنا وفي أعمال فنية" يقول غاني بشأن رأيه في مضامين أغاني طوطو، التي لا يتابعها باستمرار ويبقى الهدف منها حسب رأيه السعي وراء "البوز". واسترسل غاني قائلا "ليس لدي موقف ضد طوطو، وتبقى طريقته الخاصة للبحث عن "البوز"، لكنني ما نبغيش أولادي يهضرو بحالو". قد يقول البعض إنني منافق من خلال اتخاذ هذا الموقف، وهذا ليس صحيحا، فبدوري "خرجت على السطر حتى عييت"، إلا أنني لا يمكن أبدا أن أتفق مع طريقته في تقديم عمل يتضمن كلاما ساقطا. وأوضح غاني "أكيد سيأتي يوم يدير فيه طوطو عقله مثلما ما درنا عقلنا، ويبقى هذا مجرد رأي وليس لدي أي شيء تجاهه، كما أن الأشياء التي تعتمد الأخلاق تتخذ وقتا طويلا لإنجازها والأجمل فيها أنها تدوم بينما "البوز" يكون ظرفيا". رفضت تقديم "ستار لايت" تلقى غاني عرضا لتقديم النسخة الأولى من "ستار لايت" لاختيار المواهب الغنائية على "دوزيم"، لكنه رفضه لأنه لم يكن يرغب في دخول تجربة التنشيط التلفزيوني مادامت لن تضيف أي شيء لمساره، إلى جانب أنه لم يقبل طريقة التعامل معه. "صحيح أن للقناة الثانية فضلا كبيرا علي وفتحت الباب أمامي كما القناة "الأولى" في بدايتي، لكن لم يكن ممكنا أن أقبل ببعض الأمور حين فتح نقاش معي حول ستار لايت"، يقول غاني، مضيفا "الأمر لا علاقة له بالجانب المالي لأنه بعد مسار ثلاثين سنة لا يمكن التعامل بمنطق "أنت ديالنا" وقبول أمور ستؤثر سلبا على ما استغرقت سنوات لتحقيقه". ويؤمن غاني أن الاختلاف لا يعني تأثر علاقته مع القناة الثانية، بل على العكس، كل طرف كانت له الحرية في التعبير عن وجهة نظره، بشأن التعاون في إطار "ستار لايت".

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو

أزمـة المـاء: التوحل ... أكبر التحديات

5 سنوات لمختطف شابة

مقالات ذات صلة