التسابق بين القضاة لا يجب أن يكون بين من يحكم أكثر عدد من الملفات بل على من يحكم أحسن وأقوم وأعدل بقلم: عبد الكبير طبيح (*) تداولت بعض المواقع الاجتماعية اشتغال لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب على تعديلات على القانون التنظيمي المتعلق بالسلطة القضائية، من بينها تعديل يتعلق بأجل إصدار الأحكام القضائية. إن هذا التعديل أخرج الى النقاش العمومي ما هو مسكوت عنه، ألا وهو الضغط القوي على القضاء من إجل الإسراع في البت في القضايا التي تحال عليهم. هذا الضغط في إصدار الأحكام في أقرب الأوقات وإن كان يظهر أنه مسكوت عنه، إلا أنه في الواقع هو أمر متداول بين كل الممارسين للعمل القضائي من قضاة ومحامين ومتقاضين، الذين يشكون منه. ذلك أن ظاهرة تسريع إصدار الأحكام القضائية أصبحت تبرز بشكل واضح في كل نهاية سنة، حيث يطلب من القضاة إدراج الملفات في المداولة وإصدار الأحكام فيها قبل نهاية السنة. ووجه الضغط يتجلى في خلق جو من التسابق بين القضاة بين من يحكم أكثر عددا من الملفات، بدل أن يكون التنافس بين من يحكم أحسن وأقوم وأعدل. ويتم ربط ذلك التسابق بالتقدم في درجات الترقية، وهو ما لا يترك أي مجال للقضاء إلا في الانخراط في النوع الأول من التسابق. وبالمناسبة، كنت أنوب في ملف أمام المحكمة الابتدائية الكبرى بفرنسا وعين الملف في فبراير 2016 ، وحضرت الجلسة كما حضر باقي المحامين وسجل محامو الخصم نيابتهم وطلبوا التأخير، فقرت المحكمة تأخير الملف الى جلسة أبريل 2017. أقول 2017، أي سنة وشهرين. سألت زميلي المحامي الفرنسي، هل الأمر بتعلق بخطأ في التاريخ، فرد علي بأن هذا التأخير معتاد وعاد. وبعد سنة وشهرين حضرت كما حضر جميع المحامين وبعد انتهاء المرافعات وتبادل المذكرات، أخبرتنا المحكمة بأنها ستصدر حكمها في جلسة نهاية يونيو 2017، أي ما يزيد على شهرين. اترك للتعليق كل من يطلب من القضاة البت داخل أجل أسبوع أو في أخر الجلسة. ماذا يعني الأجل المعقول الذي يتخذ مبررا لظاهرة تسريع البت في الأحكام القضائية والمنصوص عليه في الفصل 120 من الدستور، أو ما سيسمى بالأجل " "الاسترشادي" الذي قد يدخل على القانون التنظيمي للسلطة القضائية؟ إن الأجل المعقول المنصوص عليه في الفصل 120 من الدستور، لم يقرر لمصلحة الوزارة ولا لمصلحة السلطة القضائية ولا لمصلحة المحكمة، بل هو مقرر لمصلحة المتقاضي وحده. وهو الأمر الواضح من أن الفصل 120 من الدستور أتى تحت عنوان " حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة"، وأن ذلك الفصل من الدستور يتكلم بكل وضوح عن قواعد سير العدالة وليس سير المحكمة. فهل تأخير إصدار الأحكام يتحمل مسؤوليته القاضي أم ان مسؤولية ذلك تتحملها جهة أخرى؟ من المعلوم أن مهمة القاضي في كل دول العالم وفي كل القوانين، هي إصدار الحكم في النزاع المعروض عليه. وليست مهمته العمل على تجهيز الملف من مراقبة استدعاء الأطراف وغيره من الإجراءات ذات الطبيعة الإدارية، بما فيها حضوره في الجلسة ليسهر فقط على تبادل المذكرات بين الأطراف وتأخيرها. وتذكير الخبرات بإنجاز تقاريرهم، وتنبيه الأطراف بالإدلاء بالوثائق المعززة لطلباتهم. هذا إذا كان الذي يحضر أمام القاضي هو المحامي الذي يفهم في الإجراءات المسطرية، أما عندما يكون الحاضر أمام القاضي هو المتقاضي شخصيا، فإنه يمكن تصور مدى الجهد الذي قد يبذله القاضي ليشرح له أبسط الإجراءات المسطرية. من المفروض أن تعدل القواعد المسطرية، لتمكن القاضي من أن يدخل إلى جلسة أولى التي سيدرج فيها الملف الجاهز للحكم في المداولة. ويدخل الى جلسة ثانية ليصدر حكمه فيها، لكي يخصص باقي وقته لدراسة الملف والاطلاع على الاجتهاد القضائي والانكباب على تعليل احكامه طبقا للقانون ووفق ما ينص عليه الفصلان 110 و124 من الدستور، والذي يتطلب منه وقتا مهما. أما المرحلة السابقة لإدراج الملف في المداولة ، أي مرحلة تجهيز الملف فهي ليست من عمل القاضي، وإنما هي من مهام القانون من جهة. ومن مهام كتابة الضبط من جهة أخرى. فالقانون يجب أن يعدل في اتجاه إلغاء عدد من المقتضيات القانونية التي تتسبب في تأخير تجهيز الملفات، وتمكن البعض من اطالة الإجراءات وبالتالي تأخير البت في الملفات المعروضة أمام المحاكم من جهة أخرى. أما إدارة كتابة الضبط فهي محتاجة الى الإسراع بأن توفر لها الإمكانات المالية والبشرية، لكي تمكن كتاب الضبط من الاشتغال في وضع مريح ومنتج، وليس أن يضطر كاتب الضبط الى الحضور في عدة جلسات والتنقل بين عدة قاعات وفي عدة أيام من الأسبوع، أي خلق وضع مريح لكتاب الضبط وهو وضع غير متوفر اليوم. إن مهمة القاضي تبدأ من الوقت الذي يصبح الملف جاهزا للحكم، آنذاك يمكن مساءلته عن التأخير في إصداره للحكم بعدما حجزه في المداولة. أما قبل ذلك فإنه من العدل القول بأن القاضي لا مسؤولية له في أي تأخير للقضايا. أما الإبقاء على حالة الضغط على القاضي ليحكم في الملف داخل الأسبوع أو في آخر الجلسة، فهو وضع فيه مس حقيقي بالمحاكمة العادلة، وفيه مس حقيقي بحقوق المتقاضين، وفيه مس بالمفهوم الدستوري للأجل المعقول المنصوص عليه في الفصل 120من الدستور، لأن الأجل المعقول هو حق دستوري مقرر لفائدة المتقاضي وليس لغيره. المطلوب اليوم من الحكومة، أن ينص القانون على حرية القاضي في تحديد تاريخ إصداره لحكمه بعدما يحال عليه جاهزا للحكم. آنذاك يمكن الكلام عن مسؤوليته في تأخير البت في القضايا المكلف به. كما من الواجب رفع سيف الضغط على القضاة، بالإسراع في إصدار الأحكام. وأن تتوقف المسابقات في تعداد الأحكام، لتحل محلها المنافسة العلمية في جودة الأحكام والتطبيق العادل للقانون كما ينص على ذلك الفصل 110 من الدستور، لكي تكون تلك الاحكام صادرة وفقا لما ينص عليه الفصل 124 من الدستور. أما أن يطلب من القضاة الذين يدخلون إلى الجلسات بمئات الملفات مكونة من مئات المذكرات ومن عدد من الخبرات، وأن يصدروا أحكامهم داخل أسبوع أو في آخر الجلسة، فهذا الوضع يمكن أن تسموه ما شئتم، إلا محاكمة عادلة يصدر بعدها حكم عادل. (*) محام بهيأة البيضاء