أو مجانا بعد

عصيد: يجب تطهير التراث الفقهي الحقوقي والمفكر الأمازيغي قال إن مدونة الأسرة والقانون الجنائي متجاوزان ودعا إلى تطهير التراث قال أحمد عصيد، الكاتب والناشط الحقوقي، إن النقاش المجتمعي حول مدونة الأسرة والقانون الجنائي صحي، لأنهما لم يعودا يسايران تحولات العصر والمجتمع. ودعا عصيد في حوار مع « الصباح» إلى حماية الطفلات من الاغتصاب باسم زواج القاصرات، وتطهير التراث الفقهي من أمور يندى لها الجبين. في ما يلي تفاصيل الحوار: أجرى الحوار : أحمد الأرقام < هو نقاش صحي وضروري انتظرناه طويلا، والهدف منه ليس النقاش من أجل النقاش بل إصلاح أوضاع الناس، وإنهاء الظلم الذي يطول النساء بسبب مدونة الأسرة، ويقع على الأفراد بسبب القانون الجنائي، فمعلوم أن أي قانون إنما يكتسي مصداقيته من استجابته لأوضاع المجتمع، وعندما يصبح القانون مناقضا لواقع الناس ولا يساير التحولات المجتمعية، فذلك مؤشر على ضرورة مراجعته وتغييره أو تحيينه ليستطيع مواكبة مستجدات الواقع. وقد راجعنا مدونة الأسرة منذ 2004، أي قبل 18 سنة، وأما القانون الجنائي فيعود إلى 1962، والكثير من مواده أصابها التقادم وصارت مصدر الكثير من المشاكل، سواء للدولة أو للمواطنين الذين يجدون أنفسهم تحت الوصاية والحجر في حياتهم الخاصة واختياراتهم الشخصية. وبالنسبة إلى مدونة الأسرة، فقد تبين في 18 سنة وجود ثغرات كثيرة في النص، ما يقتضي التصحيح والتعديل، ولعل التناقض الكبير في نص المدونة هو رغبتها في مواكبة الأوضاع الجديدة مع الحفاظ في الوقت نفسه، على المنطق الفقهي القديم الذي لا يعترف بالتطور ولا بالتاريخ. < المطلوب اليوم ليس إحداث بعض الرتوشات، بل مراجعة نص المدونة مراجعة شاملة بمنطق حقوق الإنسان الذي ينص عليه دستور البلاد، والذي يعتبر تلك الحقوق كلا غير قابل للتجزيء وأسمى من التشريعات الوطنية. وبهذا المنطق ينبغي وضع حد لتزويج القاصرات وإزالة الاستثناء المتعلق بالسلطة التقديرية للقضاة التي تم استغلالها للترخيص لتزويج القاصرات. والحل أمام هذه المعضلة هو تدخل الدولة لإنهاء هذا الاعتداء على الطفلات الصغيرات اللواتي مكانهن هو المدرسة وليس أحضان المرضى النفسيين، فالسلطة لا تبذل أي جهد لتطبيق القانون الذي حدد سن الزواج في 18 سنة، لكن يبدو أن الاستثناء في نص المدونة قد أصبح هو القاعدة، والنتيجة تضاعف نسبة اغتصاب الطفلات باسم الزواج في السنوات الأخيرة ضدا على القانون. ولابد من أن نسجل تقاعس السلطات والقضاة في تطبيق القانون ومعاقبة من يخرقه. كما لا بد من توفير شروط تمدرس الفتاة القروية حتى تستطيع إتمام دراستها لأن تزويجها لا يدوم في أغلب الأحيان أكثر من عام أو عامين، وكثيرا ما يتم تطليق هؤلاء الطفلات وهن أمهات لا تتوفر فيهن شروط تربية وتنشئة أطفال وهن في سن 12 أو 14 سنة. < لابد من تطهير التراث الفقهي من النصوص الخطيرة للفقهاء القدامى الذين تفننوا في الحديث عن «زواج الصغيرة»، وعن أنها في حالة ما إذا كانت «سمينة» يجوز «وطؤها» حتى قبل سن التاسعة، وأنها في حالة ما إذا كانت هزيلة الجسم يجوز إرجاء «وطئها» إلى سن التاسعة، وعندئذ في رأيهم، لا يوجد أي مانع من «الدخول عليها». هذا دون الحديث عن «العقد على الرضيعة» أو «تفخيذها»، وهي أمور ينسبها البعض إلى الشيعة بينما هي موجودة في كتب أهل السنة أيضا. إن مثل هذه المرجعيات الفقهية الموجودة في المذاهب السنية الأربعة تعتبر في عصرنا كارثة على الطفلات في المجتمع الإسلامي، لأنها مرجعيات فقهية لم تكن تدرك معنى الطفولة كما هو محدد اليوم، وآن الأوان لإحداث قطيعة ابستمولوجية مع هذا التراث المتخلف وتوعية المجتمع واعتماد الصرامة في تطبيق القانون ومعاقبة من يخرقه، عوض إخلال الدولة بمسؤوليتها والتستر وراء التقاليد لإعفاء نفسها من القيام بالواجب. < لا بد أيضا من مراجعة موضوع ولاية المرأة على أطفالها إذ تحدث أمور يندى لها جبين الدولة كمثل ترك طفل بدون تمدرس لمدة ستة أشهر لأن الأم غير معترف بها وعليها الإتيان بالرجل. وهناك كذلك مشكل الحضانة ومشكل التعدد الذي ينبغي منعه كليا، وكذا مشكل الحق في الإجهاض. فالقانون الجنائي يمنعه ومدونة الأسرة تعتبر الأطفال «أبناء زنا» وتتخلى عنهم، وهذا خطير وغير مقبول، فإما تقنين الإجهاض وإما التكفل بالأطفال ومنحهم الوضع الاعتباري الذي يحفظ كرامتهم في المجتمع. إضافة إلى مشكل الإرث والتعصيب الذي تذهب النساء والفتيات ضحية له بعد أن صرن اليوم منتجات للثروة وعاملات في كل المجالات، بل أثبتن تفوقهن الدراسي بنسبة 67 في المائة، ما يجعل نظام الإرث غريبا عن واقع اليوم ويتطلب مراجعته وإقرار قانون للمساواة في الميراث عوض الميز المعتمد حاليا، والذي تضيع فيه الحقوق الاقتصادية للنساء. أما القانون الجنائي فلا بد من إلغاء جميع المواد المجرمة للحريات الفردية الواردة فيه، وبدون استثناء. < هؤلاء يريدون الحفاظ على منظومة قيم تراثية اهتزت منذ زمن بعيد ولم يعد من الممكن الحفاظ عليها كما هي، وهم يعلمون ذلك بأنفسهم في حياتهم الخاصة، لكنهم يريدون رعاية مصالحهم بالإبقاء على الوصاية الدينية على عقول الناس، ما يعيق المجتمع عن التطور، فالديمقراطية تبدأ بالاعتراف بالفرد وحقوقه الأساسية وليس بصناديق الاقتراع، لأن هذه الأخيرة تمارس في بلدان فاشستية وغير ديمقراطية. أما مفاهيم «الحلال» و»الحرام»، فهي مفاهيم فقهية لها حمولة لم تعد تطابق واقع الدولة الحديثة ذات القوانين الوضعية، فالخمر مثلا حرام بالنسبة لضمير المؤمن ومن حقه عدم شرب الكحول لأنه يؤمن بذلك، ولكن ليس من حقه مطالبة الدولة بمنع الجميع من شربه لأن التحريم يتعلق بالضمير الشخصي وليس بالمؤسسات، ورغبة الدولة في استعمال هذه المفاهيم الفقهية في سياقها القديم يوقعها في تناقضات مضحكة، فهي تحرم بيع الخمور وفي الوقت نفسه تعطي رخص البيع وتسمح بفضاءات الاستهلاك، كالحانات والمطاعم، وتعتبر في قانونها بأن الخمر يباع للأجانب فقط، وهذه وضعية كاريكاتورية آن الأوان أن نناقشها ونلغي التناقض الحاصل بإقرار حريات الأشخاص في استهلاك ما يريدون شرط عدم الإضرار بمصالح الغير وحقوقه طبعا. ولهذا فالحلال اليوم هو الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية، والحرام هو الظلم والميز والتفاوت وهدر الكرامة. < لأن التقليدانية مرتبطة بنظام مصالح يخشون انهياره، فهم باستعمال الدين يخضعون الناس لوصايتهم، لكنهم رغم ذلك «أعداء أنفسهم» لأنهم يقرون قوانين تتعارض مع ما يفعلونه في حياتهم وهم بذلك يغلقون أبواب السعادة على أنفسهم وعلى غيرهم، لأن نسبة السعادة في كل بلد مرتبطة أساسا بالحريات في اختيار نمط الحياة وليس بالماديات. فالناس في بلدان الخليج أغنياء لكنهم ليسوا سعداء لأنهم ليسوا أحرارا، وهم يضطرون إلى الخروج في عطلهم إلى بلدان العالم المتقدم لممارسة حياتهم بدون رقابة أو حجر أو وصاية، ونحن نرى أن من حق أي مواطن أن يكون سعيدا في وطنه وليس في بلاد الغير. ازدواجية لماذا تفرض إدارة الفنادق مثلا على مواطنين راشدين الإدلاء بعقد الزواج لحجز غرفة بمبرر « الحرام» في الوقت الذي تبيع فيه كل أنواع الخمور، كيف تفسر التناقض في تدبير القانون والعقليات؟ هذه من مظاهر الطابع المزدوج للدولة، بين التقليدانية والعصرانية، وهي مرحلة كان طبيعيا أن نمر بها بعد مرحلة الحماية وبداية الاستقلال لكنها اليوم هي عطب كبير يعرقل تطور تجربتنا الديمقراطية. وأرى شخصيا أنه لو جعلنا قوانيننا مطابقة لحياتنا وما نحلم به جميعا لكانت حياتنا أفضل بكثير، هذا دون أن ننسى بأن الحريات ترفع من إنتاجية الفرد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، بينما يؤدي القهر الاجتماعي ومناخ الانغلاق والرقابة إلى انخفاض كبير في هذه الإنتاجية، ويكفي أن نقارن في هذا الصدد بين بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط وبلدان العالم المتقدم القائمة على احترام الحريات. في سطور - كاتب وناشط حقوقي - عضو مؤسس ل»منتدى المواطنة»، و»بيت الحكمة»، و»اليقظة المواطنة» - رئيس سابق لجمعية مدرسي الفلسفة بالمغرب - حاليا عضو حركة «ضمير» ورئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات الذي هو عضو في «الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان»

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حجر في بركة الإرث

ولاية الأبناء... عدم التوازن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات