مراكز حماية الطفولة… القانون المهدور

تنسيق رباعي يكشف تلاعبات في تصاريح جبائية أعاد حادث اعتقال مديرة مركز حماية الطفولة بمراكش، النقاش حول الظروف والأوضاع التي يعيشها نزلاء هذه المراكز، بمختلف أقاليم وجهات المملكة، في ظل فراغ قانوني. فإذا كان المشرع، قد أناط بهذا المراكز تقديم خدمات تروم الإصلاح والتهذيب وإعادة الإدماج، وتقويم سلوك القاصر الجانح، فإن غياب الرقابة على هذه المراكز وتتبع نشاطها، يجعلها تحيد عن المهام الموكولة لها، ويقوض كل الجهود المبذولة. ففضلا عن تقارير العديد من المنظمات الحقوقية، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقف هو الآخر على الوجه البشع لهذه المراكز، التي لا تولي لحماية الطفولة أي اعتبار. إنجاز: محمد العوال (مراكش) أمر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش، خلال الأسبوع الجاري، بإيداع مديرة مركز حماية الطفولة بمراكش، بالسجن المركزي الأوداية، بعدما تمت إحالتها من طرف النيابة العامة، من أجل التحقيق معها في اتهامات، تتعلق أساسا بالاعتداء على نزيلات المركز واستغلالهن، والاستيلاء على الهبات والمساعدات التي يقدمها بعض المحسنين للمركز، وغياب سجلات تتعلق بطبيعة الإعانات المقدمة، وأوجه صرفها. وأوقفت عناصر الشرطة القضائية بولاية أمن مراكش، مديرة المركز المذكور، بتعليمات من النيابة العامة المختصة، ليجري اقتيادها إلى مقر المصلحة الولائية للشرطة القضائية، من أجل إخضاعها للبحث التمهيدي، ومواجهتها بمضامين شكاية رفعتها ضدها إحدى النزيلات، تتهم من خلالها المسؤولة المذكورة بممارسة العنف وسوء المعاملة والاعتداء الجسدي والتعذيب. الأبحاث التي بوشرت على خلفية هذه القضية، سبق أن كانت موضوع تقارير جمعيات حقوقية، منها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش، بسطت من خلالها الظروف التي يعيشها نزلاء هذا المركز. كما تقدمت الجمعية بشكاية إلى وكيل الملك بابتدائية مراكش، مطالبة بإجراء بحث حول مزاعم الاستغلال الجنسي لنزيل بمركز حماية الطفولة للذكور بمراكش تعرض للاستغلال الجنسي من طرف شخص بالمركز، مبرزة أن هذا الأخير يقوم بتعنيف النزلاء بأمر من المديرة. وطالبت الجمعية الحقوقية النيابة العامة بالتدخل الفوري والعاجل لفتح تحقيق قضائي واتخاذ ما يترتب عنه من إجراءات ومساطر، حول مزاعم العنف والاستغلال الجنسي، الذي قد يكون طال هذا النزيل المجرد من حريته، ليتم تجريده من كرامته الإنسانية. كما سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن أنجز تقريرا شاملا، حول وضعية مراكز حماية الطفولة، خلص من خلاله إلى ضرورة إصلاح هذه المراكز، بما يتلاءم والتشريعات الوطنية والدولية. ويوجد أزيد من 742 طفلا بمراكز حماية الطفولة، ويصل عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و 14 سنة، أزيد من 216 طفلا. ويمثل الأطفال في وضعية صعبة ما مجموعه 393 طفلا (أما الأطفال الذين يوجدون في نزاع مع القانون فعددهم 349 طفلا، في حين أن واحدا من المائة من الأطفال هم ضحايا، و62 في المائة منهم صدرت في حقهم أحكام قضائية، في حين أن نسبة تقارب 25 في المائة مازالوا احتياطيين. وتشير مصادر حقوقية، إلى أن ما كشفت عنه الأبحاث التمهيدية بخصوص مركز مراكش تعيشه مراكز أخرى، موضحة أن الجهات المعنية يجب أن تقوم بعمليات تفتيش لمختلف المراكز. «فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقف عند العديد من الاختلالات التي تعانيها هذه المراكز، لكن دون أن يتم اتخاذ أي إجراءات ملموسة، لحماية أطفال يوجدون في نزاع مع القانون»، يقول مصدر حقوقي ل «الصباح». واستنادا إلى المصدر نفسه، فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، توقف عند مدة الإيداع بهذه المراكز، معتبرا أن تتبع الأطفال المودعين بهذه المراكز، الذي يجب أن يقوم به القاضي، كما هو منصوص على ذلك في القانون، يظل عشوائيا، مما نتجت عنه في كثير من الأحيان، إيداعات لمدة طويلة غالبا ما تكون غير مبررة، وذلك بسبب غياب مراجعة التدابير القضائية الأولية، ، كما هو منصوص عليها في القانون. وتحتضن هذه المراكز، أطفالا من ذوي احتياجات متنوعة، مما يؤدي إلى مزيج من الأطفال من أعمار متفاوتة ووضعيات مختلفة (أطفال في وضعية صعبة، أطفال في نزاع مع القانون، أطفال في مرحلة الملاحظة وأطفال في مرحلة إعادة التربية). التقارير المتواترة عن مراكز حماية الطفولة، توقفت عن الظروف العاملة لهذه المراكز، فمثلا ما يتعلق بالإقامة، فإنه باستثناء مركز عبد السلام بناني في الدار البيضاء، المتوفر على مراقد لستة إلى سبعة أطفال، فإن مراقد بقية المراكز تستقبل ما بين 20 إلى 40 طفلا، مما يترتب عنه استحالة الفصل بين الأطفال حسب السن ووضعية الهشاشة، يضاف إلى ذلك عدم تطبيق التوجيهات المتعلقة بتوزيع المراقد حسب السن، بسبب النقص في عدد العاملين (مؤطر واحد لكل ليلة). وحسب تقارير رسمية، فإن 15 مركزا بمختلف جهات المملكة، تتوفر على قاعة واحدة للعلاج، لكن ستة مراكز فقط تتوفر بها قاعات العلاج على الأدوية وبعض التجهيزات الطبية، ولا توجد ممرضة إلا في ستة مراكز، في حين أن الطبيب المتعاقد معه لا يزور المؤسسة إلا في حالة الاستعجال، مما يؤكد أن الظروف العامة بهذه المراكز لا تتوفر على الشروط الموضوعية، التي نص عليها القانون، وتجعل من شعار الإلتزام بالقانون وبالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الطفولة مجرد سراب. الشجرة التي تخفي الغابة يرى الكثيرون، أن اعتقال مديرة مركز حماية الطفولة بمراكش، وما أسفرت عنه الأبحاث التمهيدية التي باشرتها الشرطة القضائية لأمن مراكش، إلا الشجرة التي تخفي غابات من التجاوزات الإدارية والقانونية كالعديد من المراكز. فإذا كان تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول مراكز حماية الطفولة، توقف عند الظروف المزرية التي يعيشها نزلاء هذه المراكز، من إقامة وإطعام ونظافة وصحة، فإن الجهات الوصية تحتاج اليوم إلى مراجعة الترسانة القانونية التي تنظم هذه المراكز، وتوفير إمكانات مالية لتدبيرها، والقطع مع سياسة تداخل أكثر من وزارة وصية بهذا القطاع. وجب تقييم دور المراكز أكد حسن الريبوح، محام بهيأة آسفي، أن مراكز حماية الطفولة تعد مؤسسات سوسيو-تربوية تابعة لوزارة الشباب، وتستقبل بمقتضى قرار قضائي الأحداث الذين ارتبكوا مخالفات جنائية تطبيقا لمقتضيات الفصلين 471 و481 من قانون المسطرة الجنائية، وكذلك الأطفال في وضيعة صعبة، وفقا للفصل 512 من القانون نفسه. وأضاف المتحدث نفسه، أن المشرع حدد أدوار هذه المراكز، التي يعهد إليها ضمان إصلاح وإعادة تربية الأحداث المودعين لديها، بموجب قرار قضائي، وإعادة إدماجهم في النسيج المجتمعي، عن طريق صياغة توصيات قد تساعد قاضي الأحداث في اتخاذ القرار المناسب بخصوص ذلك الطفل، وغيرها من الآليات التربوية. وتوقف الأستاذ الريبوح عند المادة تسعة، من اتفاقية حقوق الطفل، التي صادق عليها المغرب خلال 1993، والتي تنص على أنه لا يمكن فصل الطفل عن والديه، إلا عندما يكون هذا الفصل ضروريا لضمان المصلحة الفضلى للطفل، وبالتالي فإن خيار إيداع طفل في مؤسسة ما، يجب أن يكون آخر خيار يمكن اللجوء إليه. وشدد المتحدث على أن الإصلاحات التي عرفتها مجموعة من القوانين المغربية، ضمنت حماية لحقوق الطفل، إذ أن إصلاح قانون المسطرة الجنائية في أكتوبر 2002، مكن من توفير حماية فعلية للأطفال في وضعية صعبة والأطفال الموجودين في نزاع مع القانون. وترمي المقاربة الجديدة إلى حماية الطفل، سواء كان ضحية أو جانيا. واعتبر المتحدث نفسه، أن وضعية هذه المراكز، تتطلب فتح نقاش عمومي، حول مدى تحقيق الأهداف المرجوة من هذه المراكز، أولا، ثم هل تصون كرامة الطفل ثانيا، ثم ضرورة أن تكون هذه المراكز خاضعة للمراقبة والتتبع بشكل دوري من طرف قضاة الأحداث، بالإضافة إلى توفير ميزانية خاصة بهذه المؤسسات، وتوفير كل الإمكانات المالية الخاصة. فيسبوكيون يعرون العيوب تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر اعتقال مديرة مركز حماية الطفولة بمراكش، إذ كتب عبد الله، تعليقا عن خبر الاعتقال، قائلا "من ليس في قلبه رحمة لماذا يمتهن هذه المهنة.. فرعاية الأطفال يجب أن يتوفر من يقوم بها على عدة شروط، أولها الإنسانية، والعطف والحنان. أما مريا، فقالت، "نعم، أعرف ابن جيراننا، كيف كان وضعه بمركز لحماية الطفولة، إذ كان يتعرض للضرب والعنف من طرف المؤطرين والقائمين بهذه المراكز، ولم تجد شكايات والدته آذانا صاغية". وزادت مريا "يجب اتخاذ عقوبات ضد من تورطوا في تعنيف النزلاء وسرقة ما يجود به عليهم، بعض المحسنين، حتى يكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه، ممارسة العنف على الأطفال". أما سعيد الرازي، فقال "سبق أن طلبنا كحقوقيين ضرورة أن تصير هذه المراكز تابعة لوزارة العدل، أو على الأقل توفير الإمكانيات المادية الضرورية للاشتغال بهذه المراكز، فمثلا أغلب المراكز لا تتوفر على طبسب نفسي، فكيف نتحدث عن مركز للتهذيب وإعادة الإدماج، وهو لا يتوفر على طبيب نفسي، يتتبع حالة الطفل؟، يتساءل سعيد. وفي السياق نفسه، كتب أمين روقي، "هذه المراكز في أغلبها لا تنتج سوى أطفال يتحولون مع مرور الوقت إلى مجرمين، فالعديد من الأطفال بهذه المراكز، غادروها ليعودوا بعد ذلك إلى السجن، من أجل ارتكاب جرائم أفظع، ليبقى السؤال، ماذا حققت هذه المراكز؟". أما سناء، فكتبت أن أغلب الموظفين أو المؤطرين بهذه المراكز لا يتوفرون على دبلومات في مجال التربية، وبالتالي يفتقدون لطريقة التواصل مع هذه الفئة من المجتمع، التي تحتاج إلى أشخاص مؤهلين.

مراكز حماية الطفولة… القانون المهدور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحاجة إلى قضاة من الجيل الجديد

قطر 2022 ... تونس تعقد مهمتها بخسارة أمام أستراليا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات