fbpx
خاص

أجور الموظفين… الثقب الأسود

تتسبب في نزيف سنوي تتجاوز كلفته 15 ألف مليار وأزيد من عشر الثروات المنتجة

ما زالت كتلة الأجور تستنزف القسط الأكبر من الميزانية، رغم كل المحاولات المعتمدة من قبل الحكومات المتعاقبة لتقليصها إلى ما دون 10 في المائة. وعرفت نفقات الموظفين ارتفاعا إجماليا بنسبة تزيد عن 35 في المائة، خلال الفترة الممتدة ما بين 2012 و 2022، ما يمثل متوسط نمو سنوي في حدود 3.2 في المائة. وسجل تباطؤ في معدل الارتفاع السنوي لأعداد الموظفين، خلال الفترة ما بين 2018 و 2020، إذ تراجع إلى حدود 2 في المائة.
وتواصل ارتفاع كلفة الأجور بالوظيفة العمومية، خلال السنوات الأخيرة، بسبب مراجعة الأجور وتنفيذ نتائج جولات الحوار الاجتماعي. فكم يصل عدد الموظفين حاليا؟ وما هي كلفتهم على الميزانية؟ وما هي سلاليم الأجور المعمول بها في الوظيفة العمومية؟
إعداد : عبد الواحد كنفاوي

15 موظفا لكل ألف نسمة
وصل عدد الموظفين خلال السنة الجارية إلى 565 ألفا و 429 موظفا، ما يمثل 15.4 موظفا لكل ألف نسمة، وحوالي 46 موظفا في كل ألف من السكان النشيطين. وعرف عدد موظفي الدولة المدنيين، انخفاظا طفيفا، ابتداء من 2016، بعد انطلاق عملية التوظيف على مستوى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، إذ بلغ مجموع هذه التوظيفات ما مجموعه 119 ألفا من الأطر التعليمية، خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و 2022. ووصل العدد الإجمالي للمناصب المالية المحدثة ما بين 2012 و 2022 إلى 257 ألفا و 110 مناصب مالية، دون احتساب المناصب التي تم إحداثها في إطار توظيف الأساتذة على مستوى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، التي وصلت في المجمل إلى 119 ألف منصب.
وأعطيت الأولوية في عملية إحداث المناصب، خلال العقد الأخير، لدعم القطاعات ذات الطابع الاجتماعي، إذ تم تخصيص 66.2 في المائة من إجمالي عدد المناصب المحدثة لفائدة وزارات الداخلية والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة والحماية الاجتماعية.
واستفادت فئة الأطر (السلم 10 فما فوق) من شغل 96 ألفا و 12 منصبا في مختلف القطاعات الوزارية، ما يمثل 37 في المائة من مجموع المناصب المحدثة، خلال الفترة ذاتها.

هيمنة سبعة قطاعات
تجاوزت نفقات الموظفين 147 مليار درهم، خلال السنة الجارية، ما يمثل 10.81 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، و35 في المائة من نفقات الميزانية العامة، وارتفعت الكلفة في ميزانية السنة المقبلة، التي خصصت أزيد من 155 مليار درهم لأداء الموظفين، ما يعني أن كل مغربي يتحمل 4326 درهما لكل مغربي لأداء أجور الموظفين.
وتمثل هذه النفقات ربع النفقات الإجمالية (25.93 في المائة)، و55.44 في المائة من نفقات التسيير الإجمالية، وتمثل الأجور 52.84 في المائة من الموارد العادية المبرمجة في ميزانية السنة المقبلة، علما أن متوسط هذه النسبة، خلال الفترة ما بين 2012-2022، لا يتجاوز 50.15 في المائة، ما من شأنه أن يشكل عائقا في إعادة توجيه بعض الهوامش من ميزانية التسيير لفائدة ميزانية الاستثمار.
وتتمركز حوالي 90 في المائة من نفقات الموظفين المدنيين في سبعة قطاعات أساسية، تحتل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة رتبة الصدارة، إذ تستحوذ على أزيد من 38 في المائة من إجمالي النفقات، يليها قطاع الداخلية بحصة 21.61 في المائة، ثم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بنسبة 11.08 في المائة، والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بـ 8.10 في المائة، والعدل بحصة 4.91، والاقتصاد والمالية بـ 3.10 في المائة والخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بنصيب 2.51 في المائة.

تقاعد 14 ألفا و 595 موظفا
ستعرف السنة الجارية حذف 18955 منصبا ماليا، 77 في المائة منها بسبب الإحالة على التقاعد، ما يعني أن 2022 ستعرف إحالة ما لا يقل عن 14 ألفا و 595.
ويأتي قطاع التربية الوطنية والتعليم العالي على رأس القطاعات التي سيحال موظفوها على التقاعد، خلال هذه السنة ، إذ يمثل 62 في المائة من مناصب الشغل التي سيتم حذفها، خلال السنة الجارية.
وينتظر أن ترتفع أعداد الموظفين الذين سيحالون على التقاعد خلال السنوات المقبلة، بالنظر إلى أن الموظفين الذين تصل أعمارهم إلى 50 سنة فما فوق يشكلون 39.4 في المائة بقطاع التربية الوطنية والتعليم العالي، و24.1 في المائة بالداخلية، و32.9 في المائة في قطاع الصحة، و34.2 في المائة بالاقتصاد والمالية، و33.1 في المائة بالعدل.

8287 درهما متوسط الأجر
انتقل المتوسط الشهري الصافي للأجور بالوظيفة العمومية من 7200 درهم في الشهر، خلال 2012، إلى 8287 درهما في السنة الجارية، مسجلا بذلك ارتفاعا بنسبة 15.09 في المائة، خلال هذه الفترة، ما يمثل زيادة سنوية بنسبة 1.42 في المائة، أي بوتيرة أقل من نسبة تطور مستوى التضخم.
ويرجع هذا التحسن إلى عمليات الترقي السنوية للموظفين، والزيادات في الأجور التي تم اعتمادها لفائدة موظفي الدولة في إطار اتفاقات الحوار الاجتماعي.
ويتميز المتوسط الشهري الصافي للأجور بالتباين، حسب القطاعات الوزارية، إذ وصل أعلى مستوياته، خلال السنة الجارية، بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، إذ يصل إلى 14100 درهم، تليه وزارة العدل بمتوسط في حدود 12 ألفا و 495 درهما، ثم الصحة والحماية الاجتماعية بـ 9573، والتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بـ 8989 درهما والاقتصاد والمالية بـ 8625، ثم الداخلية التي لا يتجاوز المتوسط في صفوف موظفيها 7723 درهما.

الموظفون أحسن دخلا من الأجراء
يمثل الأجر الصافي المتوسط بالوظيفة العمومية ثلاثة أضعاف الناتج الداخلي الإجمالي للفرد، ما يعني أن مستوى الأجور يتجاوز القدرات الاقتصادية للدولة. ولا نجد هذا الفارق في بلدان تتوفر على إمكانيات اقتصادية ضخمة مثل إسبانيا، التي يعادل فيها متوسط الأجر بالوظيفة العمومية حصة الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي، في حين يوجد فارق طفيف بفرنسا.
وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الوظيفة العمومية وكتلة الأجور أن الرواتب بالقطاع العام تفوق بكثير أجور القطاع الخاص، إذ أكد أن متوسط الأجور في الوظيفة العمومية يصل إلى 7700 درهم، علما أنه وصل في السنة الجارية إلى 8287، في حين لا يتجاوز في القطاع الخاص 4932 درهما، بفارق 3355 درهما.

زيادة في الأجور وتدهور في الخدمات
تمثل كتلة الأجور والتكاليف التي تتحملها الدولة لفائدة الموظفين حوالي 10.41 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، أي أن أزيد من عشر الثروات التي ينتجها المغرب، خلال سنة، تخصص لأداء الأجور في الوظيفة العمومية. ويعتبر هذا المعدل الأعلى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي لا تتجاوز فيها النسبة 9.8 في المائة، علما أنها لا تتجاوز 7.2 في المائة في مصر، كما أنها تقل عن 10 في المائة بفرنسا. وهكذا، فإن كلفة الوظيفة العمومية تتجاوز القدرة الاقتصادية للمغرب، خاصة أن الارتفاع المتواصل لكتلة الأجور لا يوازيه تحسن في أداء الاقتصاد الوطني، علما أن الإدارة تمثل قطب الرحى في أي سياسة تنموية، إذ لا يمكن للمقاولة مهما بذلت من جهد أن تكون تنافسية على الصعيد العالمي، إذا كانت الإدارة في المحيط التي تنشط فيه متخلفة ولا تقوم بواجبها في توفير مناخ أعمال متميز. ويمثل الأداء الضعيف للإدارة أحد الأسباب الرئيسية في المشاكل التي يعانيها القطاع الخاص وتحد من تنافسيته، إذ أثبتت كل الدراسات أن الإدارة أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على المواطنين.
ورغم هذه الكلفة، فإنها لا تقدم بالمقابل النتائج المرجوة، إذ أن اللامبالاة وغياب المبادرة والابتكار وضعف المردودية من أبرز المميزات التي تطبع الأداء في القطاع العام. وأبانت نتائج بحث أنجزه المرصد الوطني للإدارة العمومية أن أقل من ربع المستجوبين (22 في المائة) هم الذين أكدوا فعالية الأداء، في حين أن الباقي كانت لهم آراء سلبية، وهمت بالخصوص قطاعات التربية الوطنية والصحة والعدل، علما أن هذه القطاعات تمثل 52.5 في المائة من الكتلة الأجرية بالوظيفة العمومية و 40 في المائة من الميزانية العامة للدولة، ما يعكس «كرم» الإدارة، إذ أن الأجر لا يقابله الأداء المطلوب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى