استئنافية آسفي… بكاء وعتاب

أمهات يبكين أبناءهن المعتقلين ولوم بسبب رهن مصير معتقلين خلف القضبان بدون محاكمات حركة غير دؤوبة تعرفها محكمة الاستئناف بآسفي، صباح الخميس الماضي، على غير عادتها.. فاليوم يصادف انعقاد جلسات غرفة الجنايات الابتدائية، إذ تكون المحكمة مكتظة بالمتقاضين فمكاتب كتاب الضبط تكاد تكون خاوية على عروشها إلا من موظفين يجلسون خلف حواسيبهم أو لترتيب ملفات، وبضعة مواطنين هنا وهناك، في حين تنعقد جلسة تضم 30 شخصا بالقاعة رقم واحد. الساعة التاسعة إلا ربعا من صباح يوم الخميس الماضي. عشرات المواطنين يقفون أمام الباب الخارجي لمحكمة الاستئناف، في انتظار الإذن لهم بالولج إلى المحكمة. من الوهلة الأولى يبدو لك الوضع غريب. ثمة شيء هناك. من عادة محكمة الاستئناف بآسفي، أن تشهد رواجا وحركية دؤوبة خلال يوم الخميس الذي يصادف انعقاد جلسات غرفة الجنايات الابتدائية، إذ يكون موقف السيارات ممتلئا عن آخره، وتجد بجنبات المحكمة العشرات من سيارات المتقاضين وكذا المحامين مركونة هناك. امرأة تبدو من ملامحها، أنها في الستينات من عمرها، أو تجاوزت ذلك بقليل، تنصت بإمعان لامرأة أخرى، تشرح سبب غياب المحامين اليوم عن الجلسة "راهم دايرين إضراب على الضريبة"... وتسترسل المرأة في الحديث عن فرض رسوم ضريبية عن المحامين وتحاول أن توصل الرسالة بشكل أو بآخر للمرأة البدوية التي يبدو أنها لم تستوعب، سوى أن أتعاب المحامين سترتفع قيمتها. وقالت المرأة البدوية المتحدرة من ضواحي جماعة الغياث بإقليم آسفي "راه ديك النهار قاليا المحامي الخميس الجاي غايكون خير، ولكن ها المحامي مغاديش يجي، وعيطتليه البارح ولكن التلفون طافي، معرفتش آش غايديرو مع ولدي"... تغالب الدموع وتستخرج منديلا من جيبها لتمسح دمعات سقطت من مقلتيها دون استئذان، وتحاول نساء أخريات تحفيزها وبعث بريق الأمل في نفسها من خلال ترديد عبارة "غادي يفرجها الله على ولدك". دنت الساعة من التاسعة، وأخذ العديد من الناس مقاعدهم بقاعة الجلسات رقم واحد داخل هياة الحكم. وقف الجميع، ثم جلسوا.. الصمت المطبق يسري في قاعة الجلسات.. رئيس الهيأة يهمس في أذن زميله، ليشرع: باسم جلالة الملك وطبقا القانون نعلن عن افتتاح الجلسة. نادى على أحد المتهمين، الذي وقف مطأطأ الرأس، في حين اشرأب عنق أحد الأشخاص الذي كان يجلس في الركن القصي من القاعة، ويبدو أنه قريبه... أشعر القاضي المتهم بالأفعال الإجرامية المنسوبة إليه، مذكرا إياه بفصول المتابعة، لم يتمم الرئيس فصول المتابعة، حتى شرع المتهم بالحلف بأغلظ الأيمان على أنه مظلوم. يفتش القاضي في أوراق الملف، ويقرر تأجيل الملف إلى جلسة ثامن دجنبر المقبل. أثناء مغادرة المتهم لقفص الاتهام، يلتفت إلى الحاضرين، ليرفع الرجل الذي كان يجلس في الركن القصي من القاعة يده لتحيته. نادى رئيس الجلسة على متهمين آخرين ليلجوا القاعة واحدا تلو الآخر، كانوا ثلاثة شباب في مقتبل العمر. وقفوا جميعهم في قفص الاتهام، قبل ان يأتي صوت من داخل القاعة، "الله يربي الله وليدي شحال ضعاف"، كان صوت نسائي قادم من آخر القاعة. وطلب القاضي من الجميع التزام الهدوء، وأشعر المتهمين الثلاثة بالمنسوب إليهم، بعد أن تأكد من هوياتهم.. المتهمون الثلاثة متابعون من أجل القتل مع سبق الإصرار والمشاركة في ذلك. واطلع القاضي على أوراق الملف، وقرر تأجيله، وبمجرد ما هم المتهمون بمغادرة قفص الاتهام، ارتفعت أصوات من داخل القاعة لتحييهم، في حين شرع أحدهم في البكاء.. بعد كل ملف يتم تأجيله يغادر أشخاص قاعة الجلسات، وتسمع حديثا يتداول في بهو المحكمة.. حالة من التيه والارتباك تعيشها المحكمة نتيجة إضراب المحامين، فالملفات أجل أغلبها، وأسر كانت تمني النفس بمغادرة أقاربها أسوار السجن، والاستفادة من السراح المؤقت، لكن كل ذلك تبخر، نتيجة إضرابات المحامين. يبدو أن زمن التقاضي قد توقفت عجلته، مادام المعتقلون لا يستفيدون من ظروف محاكمة عادلة، والمحاكمة العادلة من شروط ضمانها حضور محام إلى جانب المتهم، يقول أحد المحامين، معتبرا أن غياب زملائه عن جلسات المحاولة، هو دفاع عن المتقاضين والمواطنين... تأجيل الملفات “محمد.س” شخص في الخمسينات من عمره، تاجر بحد الدرى بإقليم الصويرة، لم يظن أنه سيصدم اليوم "هاد الإضراب.. واحد ولد خويا مشدود مداير لا بيده ولا برجليه.. كان مع شي وحدين وتورط معهم متابع في السرقة، الملف ديالو خاوي، كنا معولين اليوم يخرج، لأنه ما عندو والو، ولكن المشكل المحامي مكاينش.. الله ياخذ الحق في هاد المسؤولين في هاد البلاد". وأضاف "واش إيلا بقا الإضراب هاد الناس يبقاو في الحبس بلا محاكمة.. والله حتى حشومة". أغلب الملفات تم تأجيلها على حالتها، والسبب يقول مصدر "الصباح"، هو "أنه تم تأجيلها من أجل إعداد الدفاع، وبالتالي ما دامت الجلسة تزامنت مع إضراب هيآت المحامين، لا يمكن اعتبار القضية جاهزة، مما يتوجب تأجيل الملفات. مع ما يعنيه ذلك من هدر للزمن القضائي"، معتبرا أن الحكومة مطالبة بإيجاد حل ناجع لهذا المشكل. محمد العوال (آسفي)

استئنافية آسفي… بكاء وعتاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أربع سنوات لسائق حافلة خريبكة

مراكش السينمائي... مفاجآت الختام

مقالات ذات صلة