بين الجشع والاستثمار

لا يمكن تصور مستقبل البلد دون استثمار، بل بعدد كبير من الاستثمارات والأفكار والمبادرات والابتكار في جميع القطاعات دون توقف، لسد الخصاص وتدارك التأخر، ومعالجة آثار سنوات مرت قحطا وعجافا على المغاربة. وقد أعطى جلالة الملك الإشارة في عدد من خطاباته وتوجيهاته الرسمية لإعداد خارطة طريق للعقدين المقبلين، يكون الاستثمار المنتج والمحفز في القطاعين العمومي والخاص قاطرتها الأساسية. ولاحظ الجميع كيف كان القانون الإطار لميثاق الاستثمار أول القوانين المصادق عليها في الولاية الخريفية التشريعية الحالية، بموازاة تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، والوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية وتفعيل الإطار القانوني المنظم للشراكة بين القطاعين العام والخاص. إن المسألة لم تعد فقط رغبة، أو مخططا ذاتيا للربح، وإنما قضية وطنية ينبغي على الجميع أن يضعها في المكانة التي تليق بها، وأن يفهم البعض أن زمن استغلال الدولة والقوانين والركوب على "التسهيلات" لتحقيق مصالح شخصية ولى إلى غير رجعة. ففي بلد يعاني أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية مختلفة، ويدبر موارده الذاتية بصعوبة، ويجتهد في تحصين أمنه المائي والغذائي والطاقي والدوائي، هو بلد يحتاج، دون شك، إلى طينة جديدة من الرجال، تضع رهاناتها جانبا، وتغلب مصلحة الوطن أولا، حتى تعبر السفينة منطقة الأمواج الهائجة بسلام. ويوجد ضمن طليعة المستثمرين، الذين ينبغي عليهم الانتباه إلى حساسية المرحلة، المنعشون العقاريون، خصوصا الذين استفادوا، في سنوات الرخاء السابقة، وراكموا ملايير الدراهم، من الإعفاءات والاستثناءات ولي عنق القوانين والمساطر والمذكرات. إن المرحلة لم تعد تحتمل أي نوع من أنواع الجشع والتمادي في الممارسات نفسها، بل تتطلب انخراطا وطنيا ملتزما في الأوراش المفتوحة، وفق الرؤية الملكية الإستراتيجية والمبادئ المؤسسة لميثاق الاستثمار، وأساسا الرهانات الموضوعة على قطاع العقار والبناء، من أجل مواكبة النمو المرتقب وخدمته. إن الاستثمار في العقار والبناء لم يكن، في يوم من الأيام، مؤشرا على الازدهار والنمو، بل مؤشر فقط على تطور القطاعات المرتبطة به، بينما يعهد إلى اقتصاديات التجارة والصناعة والخدمات دفع القاطرة وخلق القيمة المضافة والثروة وفتح آفاق واعدة لتوفير مزيد من مناصب الشغل. وفق ذلك، ينبغي أن يفهم بعض المستثمرين في العقار أن وظيفتهم الأساسية، المساهمة في التطور الاقتصادي للبلد في المجال الذي يشتغلون فيه، وفق رؤية شمولية ومندمجة تستحضر الإكراهات والحاجيات والخصاص في السكن، بجميع أنواعه، في جميع المناطق والجهات، وليس التركيز على المدن الكبرى الأكثر ربحا. إن العملية برمتها تحتاج إلى نقاش وطني واسع وجدي حول الأدوار الجديدة للتعمير والسكن والعقار، تصدر عنه مشاريع قرارات صريحة، تضع كل واحد في الموقع الذي يستحقه، وتفرز المسؤوليات، وتنهي مع وضعية الخلط والغموض في الممارسات والقوانين. فليس هناك أسوأ على الدولة من قوانين ونصوص تشريعية بـ"ثقوب" تتسرب منها التأويلات والقراءات والاجتهادات. وما أسلم دولة ضبطت قوانينها ونظفتها من الشوائب، وحصنت نصوصها من شر التأويل المغرض. فلا اجتهاد مع وجود النص.

بين الجشع والاستثمار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أبناء مغتصبون ... أمهات في الجحيم

وهبي: "أنا ماشي فاكتور"

مقالات ذات صلة