نجح في تجديد ولع المغاربة بالخيول وساهم في تنمية سلالات شهيرة حقق المعرض الدولي للفرس بالجديدة، المنعقد بين 18 و23 أكتوبر الجاري، بقاعة المعارض محمد السادس بالجديدة، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، كل المقاصد التي وضعتها الدورة الثالثة عشرة، وأساسا ضخ نفس جديد في الولع التاريخي، الذي ظل على الدوام يربط المغاربة بالفرس، ذلك المخلوق النبيل، الذي شاركهم باستمرار أعيادهم الدينية والوطنية ومواسمهم السنوية. عبد الله غيتومي (الجديدة) - تصوير: أحمد جرفي لم تستطع جائحة "كورونا"، بسطوتها العنيدة، التي حجبت الصالون لنسختين، أن تنال من ذلك العشق الكبير لفنون "التبوريدة" التقليدية، وكل الأنشطة التي يكون الفرس محورها، عندما نجحت "جمعية الفرس"، راعية المعرض، في الاقتراب من سقف 200 ألف زائر من داخل المغرب وخارجه. شيء من التاريخ في ظل تعدد مواسم "التبوريدة" ببلادنا، خاصة التي تنعقد نهاية كل موسم فلاحي، من منطلق أنها تعد "كونجي الفلاحين"، وتأسيسا على رغبة ملكية واضحة في تكريم الخيول لحظوتها التاريخية لدى الملوك العلويين، ومن منطلق أنها المعقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وضمن إستراتيجية وطنية تروم الحفاظ على السلالات العريقة التي تشتهر بها بلادنا، وأساسا الفرس البربري، الذي تمتلك منه حوالي 50 في المائة من هذا النوع الموجود بكل تراب المغرب العربي، وأيضا سلالة الفرس العربي الأصيل، وسلالة الفرس العربي الإنجليزي، اتجهت العناية نحو حفاظ بلادنا على مكتسباتها النوعية من الخيول، وجاءت المبادرة الملكية واضحة في 2008 باختيار الجديدة عاصمة للفرس والفروسية، وشفع لها ذلك تاريخ دكالة الطويل مع "التبوريدة"، خاصة بموسم مولاي عبد الله أمغار، أكبر المواسم المغربية والعربية. وتوالت الدورات بنجاح كبير إلى أن تجاوزت شهرة الصالون حدودنا الوطنية ليصبح أشهر صالون للفرس على الصعيد العالمي، وموعدا سنويا في ذاكرة المولعين بالفرس. الفرس والتنمية المجالية بعد شعارات سابقة ركزت على الولع التاريخي الذي يربط المغاربة بالفرس، حبذ المنظمون اختيار شعار "الفرس عنصر للتنمية المجالية"، بالنظر إلى الأدوار الكثيرة التي ظلت الخيول تلعبها ببلادنا. ففضلا عن أنها شريك أساسي للمغاربة في كل اللحظات السارة، المرتبطة باحتفالاتهم الدينية والوطنية وأعراسهم المتنوعة، كانت الخيول أيضا وسيلة من وسائل الإنتاج في الاقتصاد القروي، بل العديد من المناطق المغربية في خريبكة والفقيه بنصالح والغرب ووادي زم ودكالة والشاوية، اشتهرت بتربية الخيول وتكثيرها، خاصة تلك التي لها ميزات معروفة في عالم "التبوريدة". وعندما يجري الحديث عن الفرس ودوره المجالي المتنوع، يجري الحديث عن قطاعات تابعة، ارتبطت على الدوام به، وأساسا الصناعة التقليدية لـ "السرج" و"التماكات" والبنادق وألبسة الحياكة والجلابيب، وكل ما له علاقة بتجهيز الفرسان كي يؤدوا لوحات "التبوريدة" في أبهى الصور، أمام جماهير لا تزيدها الأيام إلا تناميا وتكاثرا، حد أن الجماهير التي تتابع اليوم فعاليات "التبوريدة" بمعرض الفرس تحيل، منذ أول وهلة وهي على المدرجات، أن الأمر يتعلق بمباراة ديربي في كرة القدم. كلمات لها معان كثيرة عندما نستمع إلى الكلمة التقديمية للشريف مولاي عبد الله العلوي، رئيس جمعية معرض الفرس، راعية الصالون، نستشف عمق العناية الملكية بهذا الحدث الكبير، الذي يوليه الملك عناية خاصة، ترجمها على الواقع ترؤس سمو ولي العهد الأمير مولاي الحسن للافتتاح الرسمي للنسخة 13. وارتباطا بذلك، أكد رئيس جمعية الفرس أنه، بعد إلغاء دورتي 2020 و2021، بسبب وباء "كوفيد 19"، استأنفت الجمعية المذكورة نشاطها بتنظيم الدورة 13 تحت الرعاية الملكية السامية، واستطرد بأنه، منذ أول نسخة التأمت في 2008، وبفضل المجهودات المبذولة، أصبح معرض الفرس حدثا رئيسيا للفروسية ببلادنا، يروم تعزيز قطاع الخيل والترويج له داخل المغرب وعلى الصعيد الدولي، فضلا عن أنه منصة سنوية من خلالها يسلط الضوء على التراث الثقافي الوطني الغني بلحظاته المتميزة والمرتبطة بالفرس، وأيضا لحظة سنوية يتبادل فيها مهنيو الخيول الكثير من الخبرات والمعارف، التي تساعد على تطوير قطاع تربية الخيول ببلادنا. وزف الشريف مولاي عبد الله العلوي بأن دورة هذه السنة تتزين بمكتسب كبير، يتجلى في إدراج "التبوريدة" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة. أنشطة لكل الأذواق تتربع "التبوريدة" التقليدية على عرش المعرض الدولي للفرس، وتتبارى 18 علفة من أجود العلفات، إن لم نقل، بدون مبالغة، أنها تشكل "المنتخب الوطني للتبوريدة" على الظفر بالجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس. واعتبر خبراء في المجال أن "البارود صادق في هذه الدورة"، في إحالة على الطلقات المتناغمة بين "العلامة" وأفراد علفاتهم، ما جعل الزوار يستمتعون بلحظات ممتعة بلغت منهم الالتماس من الجهات المنظمة أن تسعفهم بوقت إضافي يمتد إلى التاسعة ليلا بدل السادسة والنصف. وجودة البارود واللباس وحضور أمهر "العلفات"، تأسست على مباريات إقصائية بالجهات أفرزت علفة ممثلة عن كل جهة، فيما تمت إضافة ست علفات من المرتبين في الرتبة الثانية، قادتها إقصائيات سد ببوزنيقة إلى الصالون، الذي ظل حلما لكل العلفات على الصعيد الوطني. وفضلا عن "التبوريدة"، وتشجيعا للسلالة الوطنية من صنف الخيول البربرية، كان الموعد مع كأس الأبطال للخيول البربرية. ويقدم الصالون مساحات عرض تهدف إلى تكريم الخيل، وفيها يتبادل المهنيون، مغاربة وأجانب، معارفهم وخبراتهم، دون نسيان فضاء الجهات، الذي يعد واجهة لعرض خصوصيات كل جهة من حيث تقاليدها مع الفرس وكل ما هو مرتبط به، وهو الفضاء الذي صادف على الدوام إقبالا كبيرا من الزوار، وكان مرتكزا أساسيا للملف الذي رافعت من أجله جمعية "معرض الفرس"، فنجحت في انتزاع مكسب الاعتراف بـ "التبوريدة" التقليدية تراثا غير مادي من قبل منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة. ويعد معرض الفرس حدثا دوليا متميزا، إذ يستقبل كل دورة المرحلة الثالثة للدوري الملكي المغربي، وهو دوري مصنف يختم ثلاثة نهائيات متتالية، احتضنتها تطوان من قبل الحرس الملكي، والرباط من قبل الجامعة الملكية المغربية للفروسية، والجديدة من قبل جمعية معرض الفرس. وفي معرض الفرس، تنظم المرحلة الأكثر إشعاعا في مباريات القفز على الحواجز لنيل جائزة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز. واستقطبت جائزة هذه السنة فرسانا لهم صيت على الصعيد العالمي، وضمنهم بعض الحائزين على ميداليات في الألعاب الأولمبية وألعاب الفروسية العالمية، وضمنهم فاي بايلي ونادية شتاينر وفان باشين وخالد العيد وعبد الله الشربتلي وعبد الكبير ودار وفيليب روزيي وإيمانويل جوديانو ونارك بيتينغ وآخرون. وللأطفال الصغار أيضا حظهم الكبير في الاقتراب أكثر من عالم الفروسية من خلال فضاء الفروسية للصغار، الذي يمنحهم فرصة الفروسية المرحة وألعاب الخيول القصيرة والفروسية الدائرية. وبشبابيك مغلقة، قدم المعرض لزواره ومنذ بدأ في أول نسخة في 2008، عروضا استعراضية نادرة بالقاعة الكبرى للاستعراضات، نشطتها فرقة كافالكاد بقيادة ماريو لوراشي، مع فرسانه البهلوانيين، وفيلي فيلبوت في عرض خاص يمزج العاطفة بالسحر مع الخيول والمهور، وسانتي سيرا، وهو فنان الفروسية الإسباني الشهير، والمؤازر بخيوله العربية في لوحاته المذهلة ومدرسة فنون الفروسية بمراكش، التي، ومنذ إنشائها في 2011 في أحضان الحريسة الجهوية بمراكش، التابعة للشركة المغربية لتشجيع الفرس، دأبت على تقديم عروض استثنائية مزجت باستمرار بين التقليد والروعة والحداثة. الحرس والأمن والدرك ظل حضور الحرس الملكي والأمن الوطني والدرك الملكي بارزا في كل الدورات السابقة، وبحضور أكثر تميزا خلال النسخة الحالية من خلال الأروقة المتميزة، التي تظهر الاستعمالات المتعددة للفرس في المنظومة الأمنية ودور الفرق الأمنية للخيالة في الإسهام في استتباب الأمن والسكينة لدى المواطن. وخلال الحفل الاستعراضي، قدم فيلق الفرسان المرموق التابع للحرس الملكي لوحات فروسية استعراضية للفرقة الموسيقية، بينما أبدعت فرقة المدرسة للخيالة التابعة للقوات المسلحة الملكية في تقديم رقصات روعة في سحر الإيقاع ودقة التصميم، وجادت فرقة الخيالة التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني على المتتبعين بعروض كلها تميز بفرسان رفيعي المستوى وطنيا ودوليا، وأكمل الفرسان المتمرسون للدرك الملكي، بهجة المشاهدة بلوحات دائرية رائعة من فنون الفروسية الاستعراضية. محاضرات وندوات فضلا عن الجانب الاستعراضي والترفيهي، حرص الصالون، ومنذ بداياته، أن يكون مناسبة ثقافية متنوعة، خاصة في شقها المتعلق بنشر الثقافة المرتبطة بالفرس، من خلال مجموعة من الندوات العلمية التي تسلط الضوء على التاريخ الأصيل للفرس والفروسية ببلادنا، والأدوار المتعددة التي ارتبطت بالفرس، وتطور كل الأنشطة التي أحاطت بكسبه وتربيته. ولأن الغاية الأساسية من فكرة تنظيم معرض سنوي دولي بالجديدة، تستمد أسبابها من الحفاظ على سلالة "الخيليات" التي تشتهر بها بلادنا، والترويج لها بغية تكثيرها وخلق الظروف المواتية لصمودها واستمراريتها، كانت نسخة هذه السنة مناسبة لمحاضرات علمية في هذا الصدد، نشطها خبراء في الميدان وتقاسموا بصددها معارف وخبرات مع عموم المتتبعين الذين حضروا من منطلق أن المعرض الدولي للفرس بالجديدة أضحى حلقة قوية وبارزة في التكوين المستمر في ميدان الخيول. المعرض رافعة تنمية محلية أضحى المعرض الدولي للفرس حدثا اقتصاديا هاما يحرك ثلاث جماعات ترابية بكل من الجديدة وأزمور والحوزية، التي تحضن فعالياته على ترابها. وتميزت النسخة الحالية، التي التأمت على أنقاض نسختي 2020 و2021، اللتين حجبتهما كورونا، بتعطش الزوار للمعرض وربط الصلة معه مجددا، وهو الذي يعد رافعة تنمية محلية في فترتي الإعداد له والتي تستمر على مدى شهر كامل وفي فترة انعقاده لمدة أسبوع، ما يوفر فرص شغل مؤقتة لليد العاملة المحلية، ويساهم في رفع ليالي المبيت في كل المؤسسات الفندقية التي تستقبل المشاركين والعارضين والزوار، وأيضا ينمي الكراء في المنازل والإقامات السكنية التي هيأت نفسها للحدث، فضلا عن خلق حركية واضحة في المطاعم والمقاهي وكل القطاعات المهنية التي لها علاقة باستقبال الوافدين على المعرض الدولي للفرس، الذي حجز لنفسه مساحة كبيرة من العشق لدى كل المولعين بالفرس والفروسية من داخل المملكة وخارجها.