غاندي ينبذ العنف في بنكرير

وصل إلى جامعة محمد السادس لنشر دعوته لكنه اختار المكان الخطأ في الممر الفسيح بأرائك وكراس حمراء لمختبر الذكاء البيولوجي والطاقة التحويلية النظيفة بجامعة محمد السادس بابن كرير، عُلقت صورة لـ"الماهتما غاندي" بنظارته الطبية الدقيقة وصلعته المميزة، وتحتها كتبت عبارة "اللاعنف هو قانون الجنس البشري، كما أن العنف هو قانون الحيوان". لم أصدقْ عيني، واعتبرت الأمر مؤامرة مدبرة ضدي، وأنا الذي كان مطلوبا مني، في ذلك الوقت بالتحديد، أن أكون في مكتبي في البيضاء، لأحرر مقالا حول ارتفاع ظواهر العنف في المجتمع. تأملت اللوحة جيدا، وسحبتُ هاتفي والتقطت صورة لها، حتى لا تنفلت مني، دون أن أعرف، بالضبط، ماذا كان يدور في خلد فريق الديكور بهذا المختبر، حين أصر على تذكير طلاب في مستوى عال من الاستحقاق العلمي والتكنولوجي، بأهمية نبذ العنف، لكن ما تأكدت منه شخصيا، ألا أحد انتبه إلى هذه اللوحة، لأن الجميع منشغل بالأهم: التحصيل والبحث والتطوير والتجديد والابتكار في كل شيء تقريبا. بدت وصايا الملهم الهندي، الذي حارب إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس بقلم وورقة، نشازا في هذا الفضاء العلمي الممتد على عشرات الهكتارات، تتحرك فيه مجموعات شباب مثل خلايا نحل، كل خلية تنجز المطلوب منها في الشيء الذي تتقنه بالضبط. الناس في هذا المكان، وهم الآلاف من الطلاب والأساتذة والمؤطرين من جنسيات مختلفة، لا يفكرون في العنف، أو في غيره، بل لا وقت لهم حتى للاستجابة إلى حاجات طبيعية مثل الأكل والشرب والنوم أحيانا، لأن الجميع يسابق آلة جهنمية اسمها الزمن، لتحقيق أكبر عدد من الأهداف والبرامج قبل فوات الأوان. لا مجال للدعوة لنبذ العنف هنا، ولو جاءت من فيلسوف اللاعنف نفسه (غاندي)، لأن لا أحد سيعير لها اهتماما، وسط ماكينة ضخمة لا تهدأ لصنع العقول وبرمجتها على التفكير، وعلى التفكيك والبناء، والمناهج والمعادلات والحسابات الدقيقة المؤدية إلى نتائج سليمة، وعلى التحليل العلمي واستدعاء البيانات وإعادة تنظيمها واستغلالها في إنتاج الأفكار والحلول. في مثل هذه الفضاءات، المفعمة بالبحث والعلم والمعرفة، يموت العنف وينتحر وينقرض، وفي غيرها من فضاءات الفراغ و"التكليخ" والتضبيع، تنتعش الغرائز البدائية، ويتماهى الإنسان مع الحيوان الذي بداخله، ويخرج مخالبه من أجل الافتراس، لأنه لا يملك عقلا يميز به، وفكرا يصنع به منطقا وموقفا وتـــــــوجها. يوسف الساكت

غاندي ينبذ العنف في بنكرير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإصلاح المعطوب

ضبط أستاذ يسرق أحذية المصلين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات