عصابة الرابوني وكذبة المصالحة

ذاكرة الضحايا أقوى من أن تنخدع بخطابات غويلي الذي انتصب خصما وحكما بقلم: الفاضل الرقيبي لا تتوانى عصابة الرابوني عن إتحافنا بمسرحياتها الهزلية، التي باتت مثار تفكه وتندر وسخرية بين الصحراويين بالمخيمات، وغيرهم ممن خبروا هاته الثلة من المجرمين، وعرفوا أن من يضبط إيقاع حركاتها وسكناتها لحاجة في نفسه، موجود هناك بالعاصمة الجزائر، وهو من يحبك فصول مسرحياتها هاته، بل ويوزع الأدوار فيها، ويختار الجمهور الذي يصفق لشخوصها، حتى يقنع نفسه بأن هناك من يستهلك تمثيلياته المهزوزة معنى ومبنى. آخر هاته المسرحيات كان بطلها إبراهيم غالي وزمرته، الذين خرجوا علينا، قبل أيام، بخطاب المصالحة ونسيان الماضيِ وطي صفحة من كانوا ضحايا القتل والتعذيب والاغتصاب والتنكيل بـ "كويرة بيلا" و"كويرة بلكرع" وسجن الرشيد، في مشهد مخز، ظهرت فيه قيادة الرابوني بساديتها المعهودة، وهي تحاول الإجهاز على أصوات الضحايا، واصطناع صفح من المستحيل أن تصل إليه، حتى تتمكن من عبور محنتها بأقل كلفة ممكنة، في الطريق لمؤتمرها في دجنبر المقبل. كل هذا يحدث بالرابوني، أسابيع قليلة قبل موعد مؤتمر "بوليساريو"، الذي دنا، وقيادة الرابوني تعيش أحلك فتراتها وأوهن أحوالها، في ظل تشرذم وتطاحن بين أعضائها، وانتكاسة غير مسبوقة لمشروعها العبثي، الذي استثمر فيه الجنرالات كل مقدرات الجزائر، وها هو يتهاوى أمام أعينهم إلى غير رجعة. وتحت ما أسماه غويلي لحظة تقوية الوحدة الوطنية، خرج الرجل، ليعزف على أوتارِ التصالح مع الماضي، ويطلب بكل بساطة العفو من الضحايا دون أن يرف له جفن أو يغشو وجهه الخجل مما اقترفت يده الآثمة من جرائم في حق بني جلدته، هو ومعه لبيشير مصطفى السيد وأدا ولد احميم وولد الشيعة ولفري، وباقي الجلادين الذين لا يرون في أجساد الضحايا إلا قنطرة يعبرون بها محطة المؤتمر، حتى لا تتفجر تحت أقدامهم ألغام اللامشروعية وماضي الانتهاكات وانسداد الأفق، بعد أن سقطت كل أوراق التوت عنهم وتكشفت عورات كفاحهم المزعوم، وتفككت هياكل تنظيمهم المتهالك على رؤوس الأشهاد بالمخيم. كل الصحراويين يعرفون أن هاته الزمرة من المجرمين تحتقر ذكاءهم، وتظن أن ذاكرتهم مثقوبة ووعيهم قاصر عن أن يدركوا ما يحرك هؤلاء اليوم، ليطلبوا صفحا عن جرائمهم، ويقدموا اعتذارا في لبوس وقار مغشوش، وهم بالأمس كانوا يدفنون الناس أحياء ويغتصبون النساء ويمثلون بالجثث. ذاكرة الضحايا أقوى من أن تنخدع بخطابات غويلي الذي انتصب حكما وخصما في آن واحد، ليعفو عن نفسه وعن رفاقه في الإجرام، ويؤثث المشهد ببعض من أزلامه، قدمهم عائلات لضحايا جرائمه، ليشرعن بهم عفوا ممنوحا ممن لا يملك لمن لا يستحق. فماء العينين اشياهو وأمثاله من أزلام عصابة الرابوني الذين استباحوا كرامة الضحايا وذويهم ليعلنوا عن صفحهم عن الجلادين الذين يتقاسمون معهم عائدات المساعدات المهربة نحو دول الساحل والصحراء، ليسوا إلا أدوات بين أيدي عصابة الرابوني التي حاولت أن تضفي بهم مصداقية مفقودة على هاته المسرحية المفضوحة. غير أن مسرحية المصالحة التي حيكت خيوطها عند عرابي العصابة بالجزائر، وخرج غويلي يهلل بها في تجاسر وخبث مقيت، انقلبت على أصحابها، وتحولت إلى لحظة أخرى يتثبت فيها العالم من حقيقة تورط "بوليساريو" في الجرائم التي ارتكبت على ظهر لحمادة، وباعتراف واضح ومسجل صوتا وصورة من قبل مرتكبي هاته الجرائم، ليضرب التاريخ موعدا جديدا مع الضحايا، منتصرا لآهاتهم وأنات ذويهم، ويشتد بذلك الخناق حول أعناق مجرمي الرابوني، الذين كانوا بالأمس يظنون أن الخلاص ممكن على التراب الجزائري، وأن جرائمهم لن تصل إلى أروقة الأمم المتحدة، وأن المقابر الجماعية الموجودة في رحاب المخيمات، ستخفي الفظاعات التي ارتكبوها، دون حسيب أو رقيب. كل هذا يقض اليوم مضجع نظام العسكر بالجزائر، حيث لم تعد تفصلنا عن موعد الاستعراض الدوري الشامل لوضعية حقوق الإنسان بالجزائر أمام المنظومة الأممية بجنيف إلا أسابيع قليلة، ليجد هذا النظام نفسه أمام مقصلة مجلس حقوق الإنسان من جديد. فلا مناص له مما حاول لسنين إخفاءه حول وضعية حقوق الإنسان بالجزائر عموما، وداخل مخيمات تندوف على وجه الخصوص، وهو الذي تلاحقه كل الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قيادة "بوليساريو"، والتي صدرت فيها مقررات أممية كثيرة، تحمل المسؤولية للدولة الجزائرية، وتطالبها بمحاسبة الجناة، وجبر الضرر الذي لحق بالضحايا، بل وتستنكر التفويض غير القانوني من الجزائر لسلطاتها لهذه المجموعة المسلحة المجرمة. مسرحية المصالحة إذن لا تعدو أن تكون تهافتا مكشوفا، لمجرمين سمحوا لأنفسهم بلعب دور الحكم والخصم دون أي تورع، وليسوقوا لأنفسهم مشروعية لن يمتلكوها مهما سعوا في سبيل نيلها. فأصوات الضحايا عصية على الإسكات، والقبور الجماعية ومعها حفر الرشيد، لا تزال شاهدة على حجم الجرم الذي اقترفه غويلي ولبيشير وبابية الشيعة والبقية. جراح الضحايا لن تندمل ما لم يجد كل هؤلاء طريقهم إلى القصاص أمام قضاء عادل، وتكشف الجزائر أماكن المقابر الجماعية، ويتسلم ذوو الضحايا رفات أقاربهم، ويتحقق لهم جبر ضرر منصف من قبل الحكومة الجزائرية، مثلما نصت عليه كل المقررات الأممية، التي لا تعترف إلا بمسؤولية الجزائر وحدها دون غيرها، دولة طرفا لها التزامات دولية، وليس لها أن تتنصل منها لكيان وهمي نشأ في كنفها، وتربى تحت حمايتها على كل أشكال الجرم المنظم..

عصابة الرابوني وكذبة المصالحة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأمطار الطوفانية تقتل طفلا بشيشاوة

انتحار بسبب الحب بأزيلال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات