عصابة “الدوكير”… لعبة الشطرنج

تسببت في إفلاس مالكي محلات تجارية وأجبرت الشرطة على تبني خطة نوعية لتفكيكها لأزيد من شهرين، عاش مسؤولو وأفراد مصالح الأمن بالبيضاء على أعصابهم بسبب سرقات، تمت بحرفية كبيرة، استهدفت محلات تجارية ومقاهي باستعمال سيارة "دوكير". وما زاد الضغط على الأمنيين، فشلهم في تحديد هويات المتورطين في البداية رغم تداول المواطنين مقاطع فيديو لأنشطتهم الإجرامية، إذ تعمد الجناة إخفاء ملامحهم بلثام، وتزوير لوحة أرقام السيارة وواصلوا نشاطهم الإجرامي في نوع من التحدي. لكن عملية نوعية لشرطة حي الحسني، أوقعت بالعصابة، فتنفس الجميع الصعداء. إنجاز: مصطفى لطفي سهلة تفكيك عصابة "دوكير" لم تكن سهلا، بل كانت اختبارا حقيقيا لقياس ذكاء وحنكة المحققين، إذ وجدوا أنفسهم كأنهم يلعبون لعبة الشطرنج مع خصم بارع، يتوقع تحركاتهم وخططهم ويهاجم في مناطق غير متوقعة لإرباكهم، ما استدعى التنسيق من مستوى عال بين جميع المصالح الأمنية بالبيضاء ووضع خطة غير مسبوقة للإيقاع بهم، وهو ما تحقق على أرض الواقع. الرعب في يوليوز وغشت الماضيين، دب الهلع في صفوف مسيري المحلات التجارية، سيما الخاصة ببيع الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، فلا حديث لديهم سوى عن عصابة استهدفت محلات زملاء لهم، وكبدتهم خسائر بالملايين، ورغم وجود تسجيلات كاميرا المراقبة، عجز الجميع عن تحديد هوياتهم. تواصل النشاط الإجرامي للعصابة بشكل مريب، إذ لم تعد جرائمها تقتصر على البيضاء، بل شملت الضواحي والمدن القريبة كما الأمر في مديونة، عندما سطا أفرادها على محل لبيع التجهيزات المنزلية، وغادروا في صمت. حاول المحققون البحث عن خيط رفيع يقودهم إلى أفرادها دون جدوى، فالمعلومة التي توفروا عليها أن الجناة يتنقلون على متن سيارة "داسيا دوكير" رمادية اللون، وعندما توصلوا برقم لوحتها بناء على تسجيل كاميرا المراقبة اتضح أنه مزور. إلا أن قمة الاستنفار الأمني ستكون بعد تداول مواطنين مقاطع فيديو لأفراد العصابة يستولون على محل لبيع الهواتف المحمولة بمنطقة الجوهرة بسيدي مومن، فطريقة تنفيذ الجريمة وبرودة الأعصاب في كسر أقفال باب المحل والدخول إليه وسرقة الهواتف، كشفت أنهم لصوص محترفون جدا، بحكم أن المنطقة تجارية بامتياز وتعد شارعا رئيسيا يتوزع فيه العديد من الحراس الليليين، وبالقرب منها، مركز أمني خاص بحوادث السير، ومع ذلك، نفذوا جريمتهم وغادروا دون ارتباك قد يفضح هوياتهم. حركات الشطرنج تسبب فيديو سرقة محل الهواتف المحمولة بسيدي مومن، في استنفار أمني كبير لدى مختلف المصالح الأمنية، ساهم فيه تقاطر شكايات مسيري مقاه تعرضت لعمليات سطو مماثلة. تولت كل منطقة أمنية بالبيضاء بتنسيق مع المصلحة الولائية للشرطة القضائية عملية الترصد للعصابة، دون جدوى، إذ تبين أنهم جمدوا نشاطهم الإجرامي إلى حين مرور العاصفة. في خضم هذه الأحداث، راهنت عناصر الشرطة القضائية للحي الحسني على ورقة سيارة "داسيا دوكير" من أجل الوصول إلى هوية المتورطين، بناء على قناعة أن أغلب الجناة يستعينون بسيارات مكتراة لتنفيذ جرائمهم. كانت الانطلاقة بلقاء مع مسيري وكالات كراء السيارات بالبيضاء التي تتوفر على سيارة من النوع واللون نفسهما. أدخلت هذه المبادرة المحققين في متاهة كبيرة، إذ وجدوا أنفسهم أمام عدد كبير من السيارات ولوائح طويلة بأسماء المكترين، حاولوا مقارنة أرقام اللوحات مع رقم السيارة المبحوث عنها، دون جدوى، إذ اتضح أن المتهمين كانوا أكثر ذكاء زوروا أرقام سيارتهم. وأمام هذه الورطة، راهن المحققون على خطوة ستغير مجرى الأحداث، إذ طالبوا مسيري وكالات السيارات بخريطة تحركات هذه السيارات بناء على تقنية "جي بي إس"، ليحقق المحققون نقلة نوعية في التحقيق، شبيهة بتحريك قطعة على رقعة الشطرنج ستشدد الخناق على "الملك". كشفت تقنية "جي بي إس" وجود سيارة "دوكير" في كل الأماكن التي شهدت عمليات سطو على محلات تجارية ومقاه، فتم التأكد أنها المعنية بالبحث، ليتم تحديد هوية أول أفراد العصابة، الذي ستوضح التحقيقات أنه العقل المدبر لكل عمليات السرقة. ليلة السقوط بناء على هذا الانتصار المعنوي، تم تكليف جميع الفرق الأمنية بالقيام بحملات ليلية متواصلة وإشعار المخبرين بالإبلاغ عن أي سيارة تتطابق أوصافها مع سيارة الجناة، وهو ما أعطى أكله، إذ توصل أفراد شرطة الحي الحسني بإخبارية عن وجود سيارة مشبوهة قرب محل لصنع "الزليج"، وفي ظرف قياسي حضرت الشرطة لتفاجئ أفراد العصابة متلبسين بالسطو على المحل التجاري، قبل أن يتمكن اثنان منهم من الفرار على متن السيارة، في حين استسلم شريكاهما دون مقاومة. اعتبر تفكيك العصابة انتصارا معنويا كبيرا لمصالح الأمن بالبيضاء، وخلال التحقيق مع الموقوفين، أقرا بهوية شريكيهما ومكان وجودهما، لتعلن حالة استنفار جديدة لاعتقال باقي أفراد العصابة، وتم تجنيد جميع الفرق الأمنية لهذا الغرض. وبعد أيام من البحث والتحري، توصل المحققون بمعلومات وفرتها المصالح المركزية بالمديرية العامة للأمن الوطني، تفيد أن العقل المدبر للعصابة والذي تمكن من الفرار، يتردد على منزل شقيقه بمنطقة البرنوصي، وأنه يتخذ الحيطة والحذر في تحركاته، لدرجة أنه يرتدي ملابس نسائية للتنكر وإخفاء ملامحه، والتنقل بكل حرية. وبناء على هذه المعلومة، تم تكليف فرقتين أمنيتين للإيقاع به، الأولى انتقلت إلى مقر سكن المتهم بحي لالة مريم، والثانية ترصدت له بمقر سكن شقيقه، بعدها توصل المحققون بمعلومة جديدة ، تفيد أن المتهم يوجد بشارع وادي الذهب بمنطقة ابن امسيك، ينتظر قريبه وشقيقه من أجل تسلم ملابسه الشخصية قصد مغادرة البيضاء، فانتقلت فرقة أمنية إلى المكان المحدد وتمكنت من اعتقاله. وبعدها، توصلت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمعلومات تفيد أن المتهم الرابع، غادر البيضاء إلى الناظور، فانتقلت عناصرها إلى منطقة فرخانة، وبتنسيق مع شرطة الناظور، تم اعتقاله بمحطة سيارات الأجرة، بعد أن كان ينوي الهجرة سرا إلى إسبانيا. وخضع الموقوف إلى تفتيش قانوني بالغرفة التي يكتريها ببني أنصار، إذ تم العثور على ملقاط حديدي يستعمل في تقطيع الأسلاك الحديدية، كما تم حجز 7400 درهم في ملابسه الداخلية، أكد أنها من متحصلات السرقة. كما أوقفت الشرطة مسير محل تجاري بقيسارية الحياني بمولاي رشيد، بعد أن اعترف فرد في العصابة أنه يقتني منه المسروقات، بلغ ثمن أحدها أزيد من أربعة ملايين. ديون وإفلاس بعد إيقاف أفراد العصابة، استدعى المحققون الضحايا موضوع شكايات السرقة، إذ حضر عدد منهم، مؤكدين تعرض محلاتهم التجارية للسرقة، وصرحوا بالقيمة المالية للمسروقات، والتي تفاوتت من مشتك إلى آخر. وشدد الضحايا على الضرر النفسي والمعنوي الذي لحق بهم وبأسرهم جراء تعرضهم للسرقة، وأيضا الديون التي تراكمت عليهم بسبب فقدانهم مجموعة من السلع التي كانت جلها غير مؤداة الثمن، جعلت بعضهم يعلن إفلاسه ويغلق محله التجاري.

عصابة “الدوكير”… لعبة الشطرنج

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إدانة مفتعلي الشغب الرياضي

الوفيات... قرابين "الفضيحة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات