fbpx
الأولى

الشنا … رحيل القديسة

كرست حياتها للدفاع عن المرأة والطفولة وتحدت الأعراف والتقاليد المحافظة

غيب الموت، صباح أمس (الأحد)، المناضلة الحقوقية والإنسانية عائشة الشنا، عن عمر يناهز 81 سنة، قضت أزيد من نصفه للدفاع عن المرأة وقضاياها.
وفارقت الشنا الحياة بمستشفى الشيخ خليفة بالبيضاء، إثر نوبة مرض ومشاكل في التنفس، لم تفلح معها التدخلات الطبية للإبقاء على نبض المرأة المناضلة مستمرا، من أجل الفئات المجتمعية التي كرست حياتها للدفاع عن حقوقها.
وخلف رحيل الشنا أسى في الأوساط الحقوقية وفئات عريضة من المغاربة، الذين تعاطفوا مع مسار هذه المرأة الاستثنائية، التي وضعها البعض في مصاف “القديسات”، وهي تدافع عن الأمهات العازبات ومصائر أبنائهن، في الوقت الذي لم يخل مسارها من لمز من قبل الجهات المحافظة، التي رأت في نشاط الشنا تحديا للأعراف والتقاليد.
لم يكن انغماس الشنا في قضايا “المعذبين في الأرض” ضربا من الترف النضالي، فهذه المرأة حملت معها مشاعر الأسى منذ طفولتها، وهي تفقد والدها مبكرا بالبيضاء، فكان الإحساس باليتم أول إحساس لامس مشاعرها، وغرس فيها القدرة على تمثل مآسي الآخرين.
في مطلع الستينات، التحقت بتدريب على مهنة التمريض بالمدرسة الوطنية للتمريض، وانخرطت في العمل الجمعوي بين 1962 و1980 بصفتها مساعدة اجتماعية، كما التحقت سنة 1972 بالاتحاد النسائي العام في البيضاء.
تلقت عائشة الشنا مبادئ العمل الاجتماعي على يد المساعدة الاجتماعية الفرنسية “جان ماري تانتوريي» لمدة أربع سنوات، قبل إحداث جمعية التضامن النسوي، مستفيدة من تجربة ميدانية مليئة بالوقائع المثيرة.
وإلى جانب قضايا الأمهات العازبات التي تبنتها الشنا، انفتحت كذلك على مشاكل مجتمعية أخرى، من خلال تطوعها في جمعية عصبة مكافحة داء السل، وعصبة حماية الطفل والتربية الصحية، حيث اقتربت أكثر من عوالم المرأة والطفولة.
نادت عائشة الشنا بضرورة إدماج التربية الجنسية في المناهج التعليمية، إذ تكمن الحاجة للتثقيف الجنسي بإدراك الخطأ قبل وقوعه لمواجهة بعض الأمراض الاجتماعية نتيجة لعدم الوعي كالاغتصاب، والأمراض المنقولة جنسيا.
وحصلت عائشة على العديد من الجوائز اعترافا بعملها الجمعوي لأكثر من نصف قرن، وعرفانا بجميل صنيعها الإنساني فتحت أمامها أبواب الاعتراف الوطني والدولي، فحازت في 1995 على وسام الاستحقاق في حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية، وبعد سنوات نالت جائزة الأطلس، ثم وُشِّحت من قبل جلالة الملك محمد السادس بالميدالية الفخرية سنة 2000، ثم جائزة إليزابيث نوركال سنة 2005، أما في 2009، فحازت الشنا على الجائزة الدولية «أوبيس» للأعمال الإنسانية الأكثر تميزا عن جهودها ونضالها المستميت دفاعا عن الأمهات العازبات، وإعادة تأهيلهن ذاتيا ومجتمعيا، إذ قدمت الجهة المانحة للجائزة مليون دولار مساعدة لجمعيتها لاستكمال مشروعها الإنساني، لتكون بذلك أول امرأة عربية تحصل على هذه الجائزة.

عزيز المجدوب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى