أزمات صحية واقتصادية وإيكولوجية من أهم التحديات الرئيسية التي تواجه البشرية بقلم: عبد السلام الصديقي(*) يستعيد المقال الخطوط العريضة لعرض قدمناه ضمن فعاليات الملتقى الدولي للشباب، الذي نظمته الشبيبة الاشتراكية في طنجة، وحضره شباب قادم من مختلف القارات. هذا النوع من الفضاءات ملائم لطرح أسئلة حول التحديات الرئيسية التي تواجه البشرية والمخاطر الحقيقية والمحتملة التي تهدد وجودها. وهذه إشكاليات تُطرح بحدة على شعوب العالم وعلى الفاعلين في الحياة السياسية والجمعوية. مظاهر أزمة عالمية الملاحظة الأولية يمكن تلخيصها في صيغة بسيطة: العالم يسير بشكل سيء. إنه يمر بسلسلة من الأزمات، إلى درجة أنه لا يمكن لأحد أن يتوقع ما ستؤول إليه الأوضاع. إنها أزمة متعددة الأوجه تتجلى مظاهرها في ما يلي: - أزمة صحية ناتجة عن "كوفيد19" لم يتم القضاء والسيطرة عليها بعد. وبما أن الأسباب نفسها تؤدي إلى النتائج ذاتها، فلا يُستبعد أن نشهد في المستقبل ظهور أوبئة أخرى أكثر خطورة وفتكا بالإنسان. - أزمة اقتصادية عميقة أثرت على أسس الاقتصاد العالمي الذي شهد موجة من العولمة، خصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. - أزمة المؤسسات الناتجة عن اتفاقية بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية)، حيث أصبحت غير فعالة ولا تساير تطور العالم. - أزمة الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن، الذي لم يعد يمثل ميزان القوى الحالي بعد ظهور قوى إقليمية جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. - أزمة الديمقراطية التمثيلية تتسبب في اتساع الهوة بين الشعوب وخاصة الشباب والنخبة السياسية. نتحدث عن "العياء الديمقراطي"، إلى درجة أن بعض الدول تشعر بالتعب حتى قبل محاولة الانخراط في المسار الديمقراطي! - عالم في حالة حرب دائمة، إذ بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اندلعت الصراعات هنا وهناك، وغالبا بإيعاز من القوى العظمى والمركب الصناعي العسكري الذي يعد الرابح الأكبر من هذه الصراعات. لقد أسفرت هذه الحروب عن كوارث لم تسبب خسائر بشرية لا حصر لها فحسب، بل أدت إلى تفكيك دول بأكملها. من المؤكد أن الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا، والتي من المرجح أن تستمر طويلا، لن تكون الأخيرة. - المشاكل البيئية والإيكولوجية التي تهدد البشرية والكائن الحي بوجه عام. وإذا استمر الوضع الحالي أو ازداد سوءا، كما هو متوقع في مختلف تقارير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، فإن العالم يتجه نحو كارثة. وبالفعل، فإن التغيرات المناخية الحادة التي نعرفها هي إشارة تحذير ينبغي أخذها على محمل الجد. - أوجه التفاوت الصارخة والفاضحة بين ما يسمى البلدان "المتقدمة" وما يسمى البلدان "النامية"، إلى جانب أوجه التفاوت الاجتماعي داخل كل بلد، إلى درجة أن نسبة %1 من السكان تستحوذ في بعض الحالات على أكثر من نصف الثروة الوطنية. هذه بعض السمات البارزة للوضع العالمي. والقائمة ليست بالضرورة شاملة ويمكن تمديدها. ضحايا الاستعمار الجديد وراء هذه الكارثة، تقع المسؤولية في المقام الأول على عاتق رأس المال المالي الدولي والمجمع الصناعي العسكري. الشعوب والبلدان النامية هي ضحايا الهيمنة الاستعمارية والاستعمار الجديد. وهكذا، أقبلت الإمبريالية العالمية على "نهب العالم الثالث" وإفقاره. إضافة إلى ذلك، فإن رأس المال المالي الدولي، من خلال إيديولوجيته النيوليبرالية، لم يستحوذ على ثروة العالم فحسب، بل استولى أيضا على عقول الناس، من خلال التحكم في وسائل الإعلام، وتوجيه البحث العلمي والمعرفة. إنه لا يتردد في صنع وفك الحكومات، حتى لو تطلب ذلك التحالف مع الشيطان! وهكذا، وبينما تفاقم الفقر والهشاشة في كل مكان وتضاعف إفلاس المقاولات خلال الجائحة، زادت الشركات الرقمية "كافام" (جوجل، وأمازون و فيسبوك و آبل ومايكروسوفت) إيراداتها وأرباحها بمعدل غير مسبوق. تماما مثل المختبرات التي تنتج لقاحات "كوفيد19"، "ففايزر" وحدها حققت 70 مليار دولار من الأرباح في عام واحد! المجمع الصناعي العسكري لم يخرج عن القاعدة. وهو بدوره يحقق أرباحًا فلكية تتجاوز كل الإدراك، وتصل إلى 1000%!! لهذا السبب تظل الحروب ضرورية لبقاء الرأسمالية. إنها وسيلة للتغلب على الانخفاض في معدل الربح، كما درسه ماركس وطوره منظرو التبادل غير المتكافئ. من الصعب أن نتخيل أن المجمع الصناعي العسكري سيتخلى بسهولة عن هذه المكاسب. كلما زاد إنتاجه، كلما حاول إشعال فتيل الحروب لتوسيع السوق. تماما على منوال قانون بابتيست ساي Baptiste Say، الذي ينص على أن "كل عرض يخلق طلبه الخاص". خيارات تحقيق التنمية في مثل هذه الحالة، فإن الشعوب فقط هي التي لها مصلحة في النضال من أجل السلام والوئام. هذا يعني أن الخيارات المتاحة لنا في ما يتعلق بالتنمية محدودة للأسف. ليس لدينا خيار سوى العمل معا على الصعيدين الوطني والعالمي. على الصعيد الوطني، نحن مدعوون، كل على مستوى بلده، للعمل لصالح إقامة دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية من خلال تحقيق التوازنات الأساسية الثلاثة: الماكرو اقتصادية، والماكرو اجتماعية والإيكولوجية. على المستوى العالمي، يجب أن نظهر تضامنا لا ينضب للوقوف ضد رأس المال المالي الدولي وإشاعة قيم السلام. تقع هذه المهمة في المقام الأول على عاتق شباب العالم. ولهذا السبب فإن الشباب مدعو إلى الانخراط على نطاق واسع في النضال الديمقراطي الذي يمر أولا عبر النضال على مستوى الفكر والإيديولوجيا، من أجل مواجهة الفكر النيوليبرالي الذي "يلوث" العقول عن طريق اختزال الإنسان في مجرد إنسان آلي بسيط وجعله شخصا منفصلا عن الواقع على شاكلة "روبنسون كروزو". في الختام، نرى من المفيد التذكير بمقولة جان جوريس"القليل من الأممية يبعدك عن الوطن، والكثير من الأممية يعيدك إليه. القليل من الوطنية يأخذك بعيدا عن الأممية، والكثير من الوطنية يعيدك إليها". (*) أستاذ باحث في الاقتصاد ووزير أسبق