بقلم: هشام العقراوي (*) دعت اللجنة في تقرير النموذج التنموي إلى مراجعة عميقة لمنظومة إعداد التراب الوطني والسياسة التعميرية، بشكل يتلاءم وتطلعات التنمية المستدامة وأهداف تحقيق رفاه المواطنين، ما يجب معه اعتماد تصور جديد لسياسة التعمير يتمحور حول مقاربات للتخطيط الحضري، تتمركز حول جودة إطار العيش والتمازج الاجتماعي والوظيفي ومن أجل القطع مع المقاربة الحالية التي تفتح المجال لتدبير وفق الاستثناءات التي تفتقد إلى التخطيط والاندماجية، تدعو اللجنة إلى اعتماد، إطار مرجعي وطني للتنمية الحضرية، ويمكن أن يرتكز هذا الإطار على المبادئ التالية: - توزيع للمجال الترابي يعزز جودة إطار عيش المواطن عبر امتزاج وظيفي أفضل للمجالات وخصوصا بواسطة تأطير إلزام الجهات ببرمجة مناطق خضراء وتهيئة القرى، وتهيئة البنيات السوسيو ثقافية تستجيب لحاجيات المواطنين وضمان تدبير فعال للمرافق العمومية الحضرية، النقل، النفايات... - تدبير مستدام للوعاء العقاري خصوصا عبر مراقبة صارمة لسياسة الرخص الاستثنائية والتركيز على استغلال الوعاء العقاري المفتوح للتعمير من أجل تقليص امتداده الأفقي وضمان تمركزه، موازاة مع فتح مناطق جديدة، عند الاقتضاء، وفق تخطيط مسبق. - دعم الإدماج والتمازج الاجتماعيين في المدن، خاصة من خلال إعادة توجيه سياسة دعم الولوج إلى السكن، ويجب أن تتمحور هذه السياسة حول مناطق المساعدة المباشرة للمواطنين على اقتناء السكن، واختيار نوع ملائم لهم، أكثر منه على سياسة العرض المرتكز على مشاريع السكن الاجتماعي في ضواحي المدن، التي تفضي إلى ظهور أحياء منعزلة. ويجب أن تستجيب سياسة الولوج إلى السكن أيضا لمتطلبات إطار العيش الذي يدعو إليه التصور الجديد للتخطيط الحضري، حتى لا يقتصر المجهود على السكن، بل يدمج أيضا مسألة ولوج الأسر ذات الدخل المحدود إلى فضاءات لائقة للعيش ومتصلة بالشبكات، مع توفير خدمات عمومية للقرب، ويتطلب هذا التصور توضيح معنى حكامة التخطيط الحضري على مستوى المؤسسات والفاعلين المحليين والمركزيين، ثم على مستوى معايير التعمير وأدوات التخطيط، كما يستلزم، أيضا، تزويد الفاعلين المحليين بالإمكانيات التقنية والبشرية اللازمة بما يؤهلهم لتحمل المسؤولية والحرص على النتائج. لمواكبة تنمية الحواضر الكبرى بالجهات التي يتزايد عددها بفعل النمو الديمغرافي والعمراني، توصي اللجنة بإرساء أدوات التخطيط والتدبير تتلاءم وخصوصيات الأقطاب الحضرية الكبرى، ويتطلب ذلك حكامة ترابية وطرقا للتنسيق تدعم تضافر الجهود بين الفاعلين المؤسساتيين المعنيين بتنمية وتدبير المدينة ومرافقها في مختلف المجالات الاقتصادية، التنقل، البنية التحتية، تهيئة المجالات، الاستدامة والابتكار. كما يستلزم تحقيق تنمية منيعة للحواضر الكبرى، اعتماد مقاربة تدمج كذلك المناطق الموجودة في ضواحيها، ومن بين الحلول المطروحة إمكانية التفكير في إحداث وحدة، بمشاركة الجماعات الترابية المعنية، تتكلف في حدود الاختصاصات الموكولة لها بمهمة تنسيق تنمية تلك المناطق وتوزيع الوسائل المخصصة لها بشكل أفضل، كما تتطلب تنمية الحواضر الكبرى، وأيضا تعبئة مصادر جديدة للتمويل من خلال تدبير أكثر لنجاعة النفقات والتعاون في استعمال الوسائل وكذا تدبير أمثل للموارد العقارية، وعلاوة على ذلك، يجب تشجيع شراكات مبتكرة لرفع تحديات تدبير وصيانة التجهيزات العمومية والبنيات التحتية على مستوى الحواضر الكبرى. (*) دكتور في القانون العام والعلوم السياسية