قصة مستثمر مغربي شيد صرحا سياحيا بملايين الدراهم اصطدم بالبيروقراطية الإدارية تعتبر طنجة من الوجهات المتوسطية المفضلة لدى عدد من المستثمرين العالميين، بفضل إطلاق العديد من المشاريع المهيكلة الكبرى، من قبيل المركب المينائي طنجة المتوسط والميناء الترفيهي والقطار فائق السرعة "البراق"، ما جعلها تصنف حاليا، وفقا لتقرير البنك الإفريقي للتنمية، في المركز الثالث إفريقيا بعد القاهرة وجوهانسبورغ، بعد أن بلغ مجموع الاستثمارات التي ضخت بالمدينة والمناطق المجاورة لها ما يزيد عن 10 ملايير دولار أمريكي. ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين بالجهة الشمالية، أن هذه الطفرة الاقتصادية والاجتماعية هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة، لأن تدفق الاستثمارات ليس له ارتباط بالإرادة السياسية أو التسهيلات الضريبية وتبسيط الإجراءات الإدارية فقط، بل له علاقة وطيدة مع الإدارة والقضاء، إذ نجد أن عددا من المستثمرين اعترضتهم صعوبات كبيرة في نيل حقوقهم لأسباب مختلفة، أغلبها يتعلق بنظام القضاء المغربي، الذي لم يستوعب بعد علاقة الاستثمار بالاقتصاد الوطني. ومن بين القضايا المتعددة والمثيرة، التي تستحق أن تكون نموذجا صارخا للدور السلبي والخطير الذي تلعبه الإدارة والقضاء في اعتراض طريق رؤوس الأموال المغربية والأجنبية الراغبة في حط رحالها الاستثمارية بالمغرب، نجد قضية المستثمر المغربي (ع.ت)، الذي وقع، رفقة صديقيه الإنجليزين، في عشق عاصمة البوغاز، بعد أن أعجب الثلاثة بالشروط الملائمة التي توفرها الدولة المغربية للاستثمار السياحي، ما دفعهم إلى التفكير جديا في إقامة مشروع سياحي ضخم على شاطئ المحيط الأطلسي بجماعة أكزناية (حوالي 20 كيلومترا غرب بطنجة)، يحتوي على شقق فاخرة ومجموعة من الفيلات وفندق وملعب للغولف، وبادروا إلى تأسيس شركة "اتلانتيك بيش باراديس ريسور" برأس مال يبلغ 4 ملايين درهم، يتوفر المغربي على نسبة 60 في المائة منه، وشرعوا في إتمام الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ المشروع. وبعد توقيع الشركة على اتفاقية مع الحكومة المغربية، تلتزم فيها الأخيرة بإنشاء البنيات الأساسية في المنطقة التي سيقام عليها المشروع، قامت الشركة بإبرام عقود الوعد بالبيع واستخلاص التسبيقات عبر مكتب للمحاماة باسبانيا، وشرعت في انجاز المشروع وفقا للتصاريح ورخص البناء المسلمة لها، إلا أن الأشغال توقفت بعد أن تجاوزت نسبة 60 في المائة بسبب تخلي الشركة الفرنسية "أمانديس"، المفوض لها تدبير قطاعي الماء والكهرباء بالمنطقة، عن التزاماتها وطالبت بمبالغ إضافية تصل إلى 72 مليون درهم بدلا من 10 ملايين درهم المتفق عليها في بداية المشروع، وهو ما رفضه المستثمر المغربي وشركائه. وبعد توقف دام أزيد من سنة، التجأ حوالي 800 زبون، أغلبهم من بريطانيا وايرلندا، إلى تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية أمام سفارة المملكة المغربية بلندن، طالبوا خلالها بشققهم وفيلاتهم أو استرداد أموالهم المدفوعة للشركة، محملين المسؤولية للسلطات المغربية باعتبارها الجهة الراعية للمشروع. وبناء على الضغط الذي مارسه المحتجون بواسطة حملات إعلامية واسعة أساءت إلى سمعة المغرب، لم تجد الحكومة وسيلة لتهدئة الوضع سوى بتنصيب نفسها طرفا في الموضوع، وعرضت القضية على النيابة العامة، التي ارتأت إيقاف المستثمر المغربي، باعتباره المسير القانوني لشركة، وتقديمه أمام العدالة ككبش للفداء، رغم غياب أي مشتك، وأن النزاع مدني يتعلق بعدم تنفيذ عقود. وبعد جلسات مارثونية، حاولت خلالها هيئة دفاع المستثمر المغربي المعتقل، التي كانت تتكون من محامين مغاربة وفرنسيين، من بينهم المحامية الشهيرة "إيفا جولي"، التي تشغل منصب نائبة بالبرلمان الأوربي، (حاولت) استصدار حكم بعدم الاختصاص وإحالة الملف على غرفة النزاعات المدنية، إلا أن الغرفة الجنحية التلبسية لدى ابتدائية طنجة رفضت كل الملتمسات وقررت متابعة المعني بتهمة "النصب وعدم تنفيذ عقود"، وحكمت عليه بـ 20 شهرا حبسا نافذا وأدائه تعويضا لكل المتضررين وغرامة مالية كبيرة لفائدة الدولة المغربية. وأثار منطوق الحكم ردود فعل غاضبة من قبل هيأة الدفاع، التي اعتبرت أن القرار شابته جملة من الخروقات والعيوب باعتبار أن المعطيات الواردة في محاضر المتابعة تفتقد إلى السند القانوني بسبب غياب الركنين المادي والمعنوي، مبرزة أن موكلها جز به في السجن رغم أن جهات أخرى هي المسؤولة عن تأخير إنجاز المشروع وتسليم شققه وفيلاته للزبناء، الذين تضامن العديد منهم مع المستثمر واعتبروا سجنه لا يحل مشاكلهم. المختار الرمشي (طنجة)