استقبل زعيم «ميليشيا» لا تعترف به الدولة التونسية وباع البلد لـ «كابرانات» الجزائر بقلم: عبد الكبير طبيح (*) دخل التونسيون والتونسيات تاريخ البشرية والتاريخ الإنساني بتفجيرهم لثورة شعبية تلقائية حقيقية وغير مسبوقة على أوضاع الاستبداد التي جثمت عليهم. تلك الثورة التي فتحت آفاقا كبيرة للمواطن التونسي وكانت لها تداعيات على عدد من البلدان العربية. لتجد مكانا لها في أكبر الثورات التي عرفتها الإنسانية والتي يذكر التاريخ الحديث من بينها الثورة الفرنسية وما ترتب عنها من انعتاق لعدد كبير من الشعوب في العالم الغربي على الخصوص. وكذا الثورة الروسية التي كان لها أثرها لدى بعض الشعوب الأخرى، بغض النظر عن كيفية تعامل الفاعلين السياسيين معها في ما بعد. لقد سجل التونسيون والتونسيات حدثا ووضعوا قدما راسخا في تاريخ البشرية بثورتهم في سنة 2011 تحت اسم ثورة الياسمين. لكن في كل زمان هناك من يسرقون تلك الثورة ويستحوذون على سلطة مطلقة باسمها ويمسحون بها اللحظات المشرقة في تاريخ شعوبها ويقفون أمام ضوء الشمس ليحجبوه على الناس موهمين أنفسهم ويعتقدون أنهم يوهمون الناس بأنهم هم الضوء وليس الشمس. الذي ميز قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري والرئيس الحالي للدولة التونسية، هو أن الشعب التونسي سيكتشفه في حملته الانتخابية ليس فقط باستعماله للنطق باللغة العربية، بل بالأساس لاستعماله للغة القانون ولغة الدستور، وتشدده في المطالبة باحترام الدستور وبعدم خرقه أو تجاوزه، مما أوحى لكل من يسمعه بانه هو الرجل المنقذ وهو الرجل الذي سيحترم دستور تونس ويحترم قانون تونس. علما أن دخول الرجل إلى مجال السياسة خلق نقاشا واسعا داخل تونس الشقيقة أو خارجها، حول معرفة مرجعيته الفكرية أو انتمائه الحزبي أو حساسيته السياسية. واستطاع بهذه الوصفة التي قدم بها نفسه للتونسيين والتونسيات أن يلفت نظرهم ويدفعهم إلى تجربة التصويت عليه، وإعطاء الفرصة لشخص أتى من خارج الأحزاب وخارج الفاعلين السياسيين المعروفين في تونس. وكل ذلك أمام اختلاف رجالات السياسة في تونس بدل التوافق على الحلول لمشاكل تونس، مع اعتبار المجهود الذي بذله جيل من الفاعلين السياسيين ومن بينهم جيل الرئيس السابق القايد السبسي في الاستمرار في انفتاح تونس والتشجيع على الديموقراطية، بما تعني احترام الاختلاف في وجهات النظر بدون هدم البيت الذي يقطن فيه الجميع. وهو الاختلاف الذي سهل مهمة قيس سعيد فأخرج الجميع من حلبة الفعل السياسي. انقلاب على الدستور صوت الشعب التونسي على قيس سعيد وهو يعتقد بأنه الرجل الأول المنقذ، والذي سيحافظ على دستورهم وعلى تطبيقه لأنه هو الدستور الذي عبر عن إرادة الشعب التونسي ويضمن حقوقه الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. غير أن قيس سعيد في أول مناسبة أتيحت له انقلب على ذلك الدستور الذي ركبه للوصول الى أعلى سلطة في الدولة التونسية، بإقالة الحكومة ضدا على الدستور، وحل البرلمان ضدا على الدستور، وحل المجلس الأعلى للقضاء ضدا على الدستور، وحل الهيأة العليا للانتخابات ضدا على الدستور. أي أنه أقال وحل كل مكونات الدولة التونسية، كما هي متعارف عليها دوليا، والتي هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، علما أن بعض المواقع تداولت محاولته لوضع سيطرته كذلك على المؤسسات العسكرية والأمنية. وبعدما ألغى كل مكونات الدولة، انتقل الى إلغاء الدستور نفسه بدون أي سند دستوري أو شرعي، وهو الدستور الذي بفضله جلس على كرسي رئاسة الدولة التونسية، وعين لجنته الخاصة لوضع دستوره الجديد وفق توجيهاته الشخصية الرامية إلى تجميع السلطات الثلاث بين يديه. وهو التجميع المتمثل على سبيل المثال، في أن دستوره الجديد أعطى به لنفسه وحده صلاحية تعيين رئيس الحكومة وأعضائها بدون اعتبار نتيجة الانتخابات العامة، كما ينص على ذلك الفصل 101 من دستوره، وهو ما يعني أن حزبا تونسيا قد يحرز على الأغلبية المطلقة للمقاعد بالبرلمان لكن قيس سعيد من حقه أن يعين رئيسا وحكومة خارج ذلك الحزب، مما يفرغ الانتخابات من أي جدوى. وأعطى لنفسه الحق في تقديم مشاريع القوانين، مباشرة للبرلمان للتصويت عليها طبقا للفصل 68. وأعطى لنفسه الحق في استصدار تفويض من البرلمان، ليصدر هو القوانين بواسطة مراسيم بدون حاجة الى إحالتها على البرلمان كما ينص على ذلك الفصل 70. وأعطى لنفسه الحق في تعيين كل القضاة طبقا للفصل 120. ومع ذلك عندما توصل من تلك اللجنة بمشروع ذلك الدستور أدخل عليه تغييرات لا علم لها بها ومخالفا لما قررته تلك اللجنة التي عينها، وهو ما دفع برئيسها الى الخروج إلى الرأي العام التونسي والدولي وإعلانه التبرئة من الصيغة التي نشرها قيس سعيد. بل إن قيس سعيد هو نفسه سيتبرأ من دستوره الأول، لأنه سيعيد نشر صيغة ثانية مخالفة للصيغة الأولى التي تبرأ منها رئيس اللجنة المعين من قبله. ضرب العلاقة بين المغرب وتونس ما يهمنا في هذا المقال ليس هو التدخل في الشؤون الداخلية للشقيقة تونس، مع أن وحدة المصير ووحدة اللغة ووحدة الدين ووحدة الجغرافية عنيدة في مواجهة مبدأ الحياد بخصوص ما يقع في أي بلد عربي والأحرى مغاربي. ولأن تونس الشقيقة لن يؤثر فيها لا قيس سعيد و لا غيره، لن يغير المغرب رأيه فيها نظرا للعلاقات الراسخة تاريخيا وأخويا، ومع استحضار أن الخلاف الذي قد يقع بين فينة وأخرى هو طبيعي لأن الخلاف يقع حتى بين الإخوة من رحم واحد. لكن كل المسؤولين الذين تعاقبوا على الحكم في تونس من أي موقع، كانوا يحافظون على متانة العلاقة بين البلدين. ولتذكير قيس سعيد إن كان لا يعلم، فإن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله أعلن في ندوة صحفية مفتوحة على وسائل الإعلام الدولية، بأن المغرب مستعد للتدخل عسكريا إلى جانب الشقيقة تونس إذا تعرضت لأي اعتداء، مع أنه لا توجد بين المغرب و تونس أي معاهدة عسكرية بخصوص ذلك. لكن المغرب له مع تونس أكبر من الاتفاقية، وهو الصدق في الصداقة والصدق في الأخوة والصدق في التضامن، الذي أخل به قيس سعيد. كما أن جلالة الملك محمد السادس انتقل إلى تونس في اوج تعرضها للضربات الإرهابية المتتالية التي استهدفت القلب الاقتصادي لتونس أي قطاعه السياحي. وكان يتجول في شوارعها ويأخذ صورا مع التونسيين والتونسيات ويلج المحلات التجارية بدون أي حراسة، من أجل أن يثبت للرأي العام الدولي صدق العلاقة الأخوية وأن تونس بلد آمن مستقر. وفي الوقت نفسه من حق المواطن المغربي والمواطن التونسي أن يتساءلا، أين كان قيس سعيد عندما كان ملك المغرب يتجول في شوارع تونس في زمن الإرهاب؟ هل شاهد التونسيون والتونسيات قيس سعيد يتجول في أي مكان من تونس في تلك الفترة؟ وهل حارب هو كذلك الإرهاب الذي ضرب تونس؟ فمن له غيرة على تونس وعلى التونسيين والتونسيات؟ وبالتبع لذلك من يهتم ببلد وشعب تونس؟ أسير "كابرانات" الجزائر وبالعودة الى عنوان هذا المقال فإنه بالرجوع إلى الفصل 7 من دستور قيس سعيد والذي لم يقبل به أكثر من ثلثي الشعب التونسي، نجده ينص على ما يلي: "الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة". إذا كان قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري والذي تقمص جبة المدافع عن احترام الدستور والقانون، وهي الجبة التي استجلب بها أصواتا صادقة للشعب التونسي حملته إلى رئاسة دولة تونس، فكيف يفسر احترامه لدستوره الجديد وهو يستقبل شخصا يدعي تمثيل دولة لا وجود لها في المغرب العربي الكبير؟ وشخصا يدعي تمثيل دولة لم يسبق له أن اعتمد أي ممثل لها، كما يلزمه بذلك دستوره في الفصل 95؟ وشخصا مسخرا من أجل تقسيم المغرب العربي وتفتيته. شخصا مسخرا لتنفيذ أهداف "كابرانات" عسكر الجزائر الذين سبق لهم أن طلبوا من المغرب تقسيم الصحراء ليتمكنوا من الوصول إلى المحيط الأطلسي مقابل أن يتوقفوا على مساندة ما يسمى بـ " بوليساريو". هل تشجيع تفتيت المغرب يتطابق مع الفصل 7 من دستور قيس سعيد؟ وأين هي اليمين التي أقسم بها قيس سعيد المنصوص عليها في الفصل 92 من دستوره والذي ورد فيه ما يلي: "أقسـم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال الوطن وسلامته وأن أحترم دستور الـــبلاد وتشريعها وأن أرعى مصالح الوطن رعاية كاملة". أين هو احترام الدستور وأنت تشجع على تفتيت المغرب العربي الكبير، بينما الدستور يلزمك بالدفاع عن وحدته؟ فهل قيس سعيد هو ضد وحدة المغرب العربي؟ وهل يعمل من أجل تفتيته وتجزيئه وتقسيمه؟ إن موقف قيس سعيد يدفع إلى القول بأنه يخرق الدستور الذي وضعه. بلاغ بدون حس دبلوماسي عندما نعود لبيان وزارة خارجية قيس سعيد يلاحظ أنه يفتقد إلى الحس الدبلوماسي والمهنية في العمل الدبلوماسي، كما يفتقد إلى الأسلوب المعمول به في العلاقات الدبلوماسية الذي يستحضر ابعاد الكلمات المستعملة فيه، وذلك عندما تضمن معطيات كاذبة لا تليق بمن يدبرون دبلوماسية دولة كتونس. وهو الكذب الذي شهدت عليه دولة اليابان التي أصدرت بيانا أكدت فيه بانها لم يسبق لها أن وجهت أي استدعاء للدولة الشبح التي حضر فيها الشخص الذي استقبله قيس سعيد، بل إن ممثل اليابان في ذلك الملتقى أعلنها صراحة في وجه الشخص الذي استقبله قيس سعيد وسط قاعة الاجتماع. إن المغرب عندما استدعى سفيره للتشاور فلأن قيس سعيد استقبل شخصا لا تعترف به دولة تونس، من جهة، وهو شخص يريد تفتيت المغرب العربي، من جهة أخرى، بينما سحب سفير تونس ليس له أي تبرير. فهل المغرب قام باي اعتداء على تونس؟ أم أنها الأوامر التي تأتي من غرب تونس؟ العبث بالسيادة التونسية وهكذا يتبين أن أستاذ القانون الدستوري لم يتردد في خرق دستور دولة تونس على الخصوص في الفصول 7 و92 و95، وهو الدستور الذي فرضه هو ضدا على الثلثين من الشعب التونسي. فمتى شاهد الناس عبر العالم أن رئيس دولة معينة يستقبل شخصا يدعي رئاسته لدولة لا تعترف بها دولة الرئيس الذي استقبله؟ أليس هذا هو العبث بالسيادة التونسية؟ وإنه يظهر أن قيس سعيد لا يعلم بأن وضع المغرب الدولي هو وضع مريح جدا. وتتزايد قوته لأنه موقف مشروع تاريخيا ومشروع قانونيا. لهذا وجد الدعم الكبير والواضح من عقلاء العالم، الذين نذكر من بعضهم دولا أوربية مثل إسبانيا المعنية الأولى بقضية الصحراء المغربية، وهي التي تملك كل الوثائق وكل الحقائق التاريخية لمنطقة الصحراء. وتعرف أن المغرب هو أرض واحدة. شعب المغرب هو شعب واحد. ولا وجود فيها لا للجزائر ولا لأتباعها. الولايات المتحدة الامريكية التي تملك كذلك كل الوثائق والحقائق التاريخية وكل القوة الاقتصادية والدبلوماسية. بريطانيا، المانيا، البرتغال، وغيرها من الدول الغربية، التي لا تأخذ مثل هذا القرار إلا بعد التحقق من صحة ومشروعية موقف المغرب. ناهيك عن كل الدول العربية التي تؤمن بالمصير العربي المشترك والمستقلة في قراراتها والتي لم تتخل عن مبادئها في الدفاع وحماية وحدة المصير المشترك تحت أي ذريعة، بالإضافة الى أغلبية الدول الإفريقية التي سحبت اعترافها بذلك الشبح المسمى بـ "بوليساريو"، وكذا عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية. إن المغرب هنا. ولن يؤثر فيه استقبال شخص من قبل قيس سعيد، بينما الدولة التونسية لا تعترف به. (*) محام بهيأة البيضاء