موقف فرنسي يزاوج بين التلويح بالشرعية الدولية وخدمة مصالحها الإستراتيجية ليست التطورات الأخيرة في العلاقة بين باريس والرباط إلا امتداد لموقف ثابت يزاوج بين التلويح بالدفاع عن الشرعية الدولية وبين العمل على تطويع هذه الشرعية لخدمة مصالح فرنسا الإستراتيجية في العالم، ذلك أنها تتبنى خطا سياسيا قائما على الدعم الممزوج بالابتزاز، على اعتبار أن المحطة الوحيدة التي كانت فيها فرنسا داعمة للمغرب كانت خلال مرحلة الرئيس الراحل جاك شيراك، الذي سمى الصحراء بالأقاليم الجنوبية للمغرب. وتضع فرنسا بين ثوابتها السياسة الدعم المشروط بالحصول على عوائد سياسية واقتصادية وإستراتيجية، تشمل صفقات السلاح، والتعاون الأمني فهي تمارس الابتزاز من خلال هذه الطريقة من الدعم، والدليل على ذلك أن ملف الصحراء تحول إلى ورقة ضغط فرنسية على المغرب، زاد من أهميتها دخول الجزائر في العلاقة، بالنظر إلى أنها تتعامل مع الصحراء سلاحا لإضعاف المغرب باحتضانها "بوليساريو" على أراضيها، وتقديم الدعم غير المحدود لمشروع دولة وهمية . ولايهم فرنسا في علاقاتها مع المغرب سوى مراكمة الغنائم الاقتصادية، إذ كشف الموقع الفرنسي "أفريك أنتليجنس"، أن الشركة الفرنسية للهندسة المدنية "إيفاج" كانت تراهن على توقيع اتفاقية مع المغرب لبناء ميناء الداخلة الأطلسي. وتحدثت "أفريكا أنتليجنس"، عن انتقال المسؤولين في الشركة إلى مدينة الداخلة الصيف الماضي وأن منتدى الأعمال المغربي الفرنسي سيتم تحت إشراف مشترك بين الغرفة الفرنسية للصناعة والتجــارة من جهـــة، والاتحــاد العام للمقاولات بالمغرب من جهة ثانية. ورغم مراكمة المنافع تتردد فرنسا في تبني موقف شبيه بالموقف الأمريكي في قضية الصحراء، وظلت باريس جامدة عند حدود تأييد مقترح الحكم الذاتي دون الانتقال إلى تعزيز الحضور الفرنسي في الصحراء، بما يعزز حركة الاعترافات الدولية بسيادة المغرب على الصحراء. وفشلت قبل ذلك خطة إقامة قمة مغربية فرنسية في الداخلة بحضور شخصيات كبيرة في البرلمان الفرنسي، على رأسهم البرلماني من أصول مغربية عبد المجيد غراب. وتجلت الأزمة الحالية بين البلدين في عدم تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، إذ لم يتوجه أي وزير فرنسي إلى الرباط لشرح أجندة فرنسا خلال رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبي، أي تقديم المشاريع الخاصة بالمغرب. ومنذ إعادة انتخابه لم يجر بين الرئيس ماكرون والعاهل المغربي الملك محمد السادس أي لقاء رسمي أو خاص معلن، حتى أثناء زيارة خاصة قام بها الملك إلى فرنسا في يونيو الماضي ودامت أسابيع. ووصلت إشارات التوتر حد اتخاذ فرنسا قرارا بخفض التأشيرات للمواطنين المغاربة، إذ تفيد تقارير بأن 70 في المائة من طلبات التأشيرات التي يتقدم بها مغاربة يتم رفضها، في وضع يثير قلق شرائح واسعة من المغاربة، تشكل فرنسا مقصدا أساسيا في الخارج بالنسبة إليهم. بالمقابل تكتفي الجهات الرسمية الفرنسية في تعليقها على هذا الموضوع بالإشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في شتنبر الماضي، بتشديد حصول مواطني المغرب والجزائر وتونس على تأشيرات الدخول إلى فرنسا، لكن الموضوع بات يأخذ طابعا أكثر حساسية، بعدما كشف برلمانيون وإعلاميون عن موضوع قيمة الرسوم التي تتسلمها القنصليات من مقدمي طلبات تأشيرة مرفوضـــة، مع اتساع كبير في دائرة رفض طلبات التأشيـــــرات، ليشمل فئات من أصحاب الأعمال والوفود التي تشارك في مؤتمرات مهنية. ي. ق