زجرية البيضاء… هدوء بعد العاصفة

سماسرة هجروا ومسؤولون وموظفون التزموا مكاتبهم بسبب تداعيات اعتقال قاض فقدت المحكمة الزجرية بالبيضاء، صباح أمس (الخميس) زخمها، بعد اعتقال نائب لوكيل الملك بتهم تكوين عصابة إجرامية والارتشاء وجلب أشخاص للبغاء، ومتابعة نائبين في حالة سراح بتهمة الارتشاء. مسؤولو المحكمة وموظفوها كأن على رؤوسهم الطير، الجميع ابتلع لسانه والتزم مكتبه وانشغل بعمله يترقب بصبر حلول وقت المغادرة، تشعر كأنه يقرأ اللطيف في قرارة نفسه، سيما مع تناسل إشاعات تتحدث عن موجة ثانية وثالثة من التطهير ستعصف برؤوس كبيرة. امتدت هذه الصدمة إلى مرتفقين لم يتجاوز عددهم العشرين، نصفهم ولج القاعة 6 التي كانت تنظر في قضايا جنحية بسيطة، صوتهم خافت إلى درجة كبيرة، على نقيض فترات سابقة، كانوا بالعشرات، وضجيجهم يربك سير الجلسات وعندما يعجز الأمنيون عن إقناعهم بالتزام الصمت، يضطرون لطردهم خارج المحكمة. صار الاقتراب من المحكمة ممنوعا، فحتى الاستناد على أسوارها لاستعادة الأنفاس، خصوصا من قبل المسنين، يلقى رفضا مطلقا من قبل الأمنيين المكلفين بحراستها، يلحون عليهم وبصرامة الانتقال إلى الجهة المقابلة للمحكمة، تشعر كأنهم يبعدون تهمة ما عنهم في هذا الظرف الحساس. لم تعد المحكمة يأتيها المواطنون من كل فج عميق، وغاب ذاك الحشد الكبير الذي جمع عائلات المحالين على النيابة العامة وسماسرة وفضوليين، فحتى الحديقة المجاورة فقدت زوارها، باستثناء مستقلي "ترامواي"، وكنست الأشجار عروشها، كأنها تخشى أن توجه لها أيضا أصابع الاتهام. صار الولوج إلى المحكمة أكثر تشددا من السابق، إذ بمجرد أن تطأ قدماك بابها، يستفسرك أمني عن سبب الزيارة، وله كامل الصلاحية للسماح لك أو إجبارك على المغادرة. داخل المحكمة صمت مطبق، لا أحد يشارك الحديث مع آخر، تشعر بآثار الصدمة بادية على موظفيها، والجميع. قلت تحركاتهم وتنقلاتهم من مكاتب إلى أخرى، بل منهم من التزم مكتبه وانشغل بعمله، كأنه يخشى مشاركة حديث قد يوقعه في زلة لسان تكلفه الكثير. أمام الدرج المؤدي إلى مكاتب النيابة العامة في الطابق الأول، وضعت علامة التشوير الخاصة بالمنع، مع عبارة كبيرة وواضحة حتى لمن يعاني قصورا في النظر "ممنوع الولوج"، لكن رغم المنع وبحكم أن المغاربة اعتادوا خرق شارات المرور، تجرأ البعض على الصعود، فكان لهم أمنيون بالمرصاد، إذ تم السماح لأحدهم فقط بمواصلة طريقه صوب مكتب، في حين أجبر الباقون على المغادرة في الحال. في هذا الطابق، اختفى الجميع، محامون ومرتفقون، وغابت عنه حتى تحركات الموظفين بين المكاتب، باستثناء الأمنيين اللذين جلسا جنبا إلى جنب بمكتب بسيط يتوسط ممرا يؤدي إلى مكتب وكيل الملك، ومكتب نائبه الأول الذي كان مفتوحا. في الجناح المقابل الخاص بقضاة التحقيق، وضعت شارة المنع نفسها أمام الباب الرئيسي، لكنه يبدو خاليا من الزوار، ربما الأمر يعود إلى العطلة القضائية بعيدا عن المحكمة، وصل صدى حملة التطهير مقاه في الجوار، اعتادت استقبال زبائن من نوع خاص، يوهمون المواطنين أن رقاب أقاربهم تحت أيديهم، الآن صارت شبه فارغة، وتراجعت مداخيلها، سيما أنها كانت مسرح اعتقال سماسرة محاكم كانوا موضوع مذكرات بحث، دفعت آخرين إلى الفرار صوب وجهة مجهولة. مصطفى لطفي

زجرية البيضاء… هدوء بعد العاصفة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تحت الدف

الغرق يخطف عشرات الأرواح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات