تقديم هبات للموظفين … المتابعة

التخليق يستهدف دافعي الرشوة أيضا للقطع مع الممارسات المسيئة للمرفق العمومي
للقطع مع الممارسات المسيئة للمرفق العمومي، وفي إطار المهام المخولة للنيابة العامة، وتفعيل أدوار عدد من مؤسسات الحكامة بعد دسترتها، بات عدد من دافعي الهبات المالية أو العينية لموظفي الإدارات العمومية، يجدون أنفسهم ملاحقين بجرائم مختلفة، رغم ادعاءاتهم بالتعرض للنصب أو الابتزاز والتهديد. وشكلت واقعتا سقوط أمنيين بالرباط، بعدما رصدتهم كاميرات يتسلمون هبات من مستعملي الطريق، أبرز حدث في الأيام الماضية، وأفضى التحقيق إلى متابعة الواهبين وإدانتهم بالحبس النافذ وبغرامات مالية لفائدة خزينة الدولة، للقطع مع مختلف الممارسات المسيئة للمرفق العمومي، ودفع المواطن إلى التشكي وإشعار الخط المباشر الخاص بمحاربة الرشوة، بدل تسليم هبات للإفلات من العقاب، وإلحاق أضرار بخزينة الدولة.
إنجاز: عبدالحليم لعريبي
كثيرة هي إجراءات التخليق التي باتت من أولويات المديرية العامة للأمن الوطني، والقيادة العليا للدرك الملكي، ووزارة العدل، ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وأيضا حتى القوات المسلحة الملكية. وتزايدت قضايا الملفات المعروضة على القضاء المرتبطة بالرشوة والفساد، ولم يعد الأمر مقتصرا على متابعة الموظفين والمسؤولين بجريمة الارتشاء أو المشاركة فيها، بل بات تفعيل توجه آخر يقضي بمتابعة دافعي الرشوة الواهبين للمال مقابل الإفلات من العقاب، وهو ما تؤكده البلاغات الرسمية الصادرة عن عدد من هذه المؤسسات التي تعرض المنتسبين لها أمام القضاء.
ويأتي أفراد الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية ضمن المتابعين، سيما أمام غرف جرائم الأموال مع شبكات تهريب المخدرات والبشر والمواد الغذائية.
مخالفو قانون السير في المقدمة
وجد عدد من المخالفين لقانون السير والجولان أنفسهم أمام جرائم تقديم هبات قصد امتناع موظف عمومي عن أداء وظيفته، بعدما أصبحت النيابات العامة توجه الضابطة القضائية لتعقب دافعي الرشوة للأمن أو الدرك من أجل الاستماع لهم في محاضر رسمية وتقديمها أمامها قصد تكييف الاتهام لهم، رغم متابعة رجال الأمن بجرائم الارتشاء، فيجد هؤلاء الراغبون من الإفلات من أداء الذعائر المالية بجريمة أشد تتعلق بتقديم هبة.
ولتحقيق تخليق المرفق الأمني كانت المديرية العامة للأمن الوطني سباقة في هذا الاتجاه، بعدما رصدت كاميرات المفتشية العامة للأمن بمختلف الشوارع، وأيضا كاميرات المواطنين والكاميرات المركونة أمام مختلف المصالح العمومية والخاصة، المشتبه فيهم، فكلما تفجرت فضيحة وتبين أن السائق أو المرتفق دفع هبة من أجل قضاء أغراضه وإفلاته من الذعائر، تضطر المصالح الأمنية إلى إخبار النيابات العامة بهذا الموضوع من أجل تلقي التعليمات المناسبة لفتح التحقيقات اللازمة.
ورغم ادعاء دافعي الرشوة البراءة وتعرضهم للابتزاز أو التهديد أو الخوف من عدم قضائهم لأغراضهم الشخصية، تتابعهم النيابة العامة، معللة قراراتها بعدم تشكي المرتفق أو السائق من هذه التصرفات ولو بربطه الاتصال بالخط المباشر لرئاسة النيابة العامة، من أجل إخبار المشرفين عليه بالأمر.
أصحاب الصفقات العمومية ضمن المتابعين
باتت غرف جرائم الأموال الابتدائية وغرفة التحقيق المكلفة بالبحث في هذه القضايا، تعمق البحث حول التلاعب في الصفقات العمومية في حق كل من وجد نفسه أمام شكايات تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير ومخالفة قانون الصفقات.
وأوصلت الأبحاث في مثل هذه القضايا مشتكين أو مصرحي محاضر إلى اتهامهم بجريمة دفع هبة من أجل امتناع موظف عمومي عن القيام بمهامه، واتخذت في حقهم قرارات اعتقال احتياطي، بعدما اعتبرها قضاة تحقيق أنها جريمة خطيرة وفعل يستوجب التصدي له من أجل النزاهة في تدبير الصفقات العمومية.
وبدأت شكايات مجهولة أو تصريحات بفتح أبحاث فيها أفضت إلى ملاحقة عدد كبير من المقاولين وأصحاب الشركات بتقديم هبات للحصول على صفقة، إذ رغم الادعاءات بإفلاس شركاتهم نتيجة ابتزازهم أو تعرضهم لضائقات مالية أو تأخر مجالس الجماعات وباقي المؤسسات العمومية في تسديد ما بذمتهم، تظهر حقائق أخرى تكشفها نتائج الأبحاث التمهيدية والتحقيقات التفصيلية والخبرات على الحسابات البنكية، فيجد المقاول نفسه متابعا.
محاولات للتملص
أظهرت العديد من الملفات التي أحيلت على القضاء أن الواهبين ينسجون تصريحات من خيالهم قصد الإفلات من المتابعة وإبعاد مختلف الشبهات عن المستفيدين من مبلغ الرشوة، وتتضمن هذه الحكايات بأن رجال الأمن والدرك والقوات المسلحة الملكية أصدقاء لهم، ويساعدونهم في قضاء مآرب معينة، لكن المحاكم لا تأخذ بعين الاعتبار هذه المعاملات المشبوهة، سيما التي توثقها كاميرات المراقبة أو التحويلات المالية عبر الحسابات البنكية أو وكالات تحويل الأموال، بل يبرر القضاة أحكامهم بالتشدد، اعتمادا على هذه التصريحات باعتبارها اعترافا ضمنيا بدفع الرشوة.
10 ملايين ترسل لجرائم الأموال
حينما تفجر فضائح وتسرب فيديوهات تظهر موظفين عموميين يتلقون مبالغ مالية أو توثق المصالح العمومية الممارسات المشينة لمنتسبيها، كما هو الأمر بالنسبة إلى المفتشية العامة للدرك الملكي والأمن الوطني، وكلما أظهرت التحقيقات أن مبالغ الهبات المالية يفوق عشرة ملايين سنتيم يحول البحث إلى نواب الوكيل العام للملك المكلفين بالبحث والاستنطاق في قضايا جرائم الأموال، ويصبح الأمر له علاقة باستغلال النفوذ والقبول بدفع رشوة للامتناع عن القيام بعمل من أعمال الوظيفة العمومية، كما يجد الموظف نفسه أمام جريمة تسلم هبة للامتناع عن القيام بعمل من أعمال الوظيفة.
أما القضايا التي تسجل فيها مبالغ مالية تقل عن عشرة ملايين سنتيم، فيكون مصيرها الغرف الجنحية بالمحاكم الابتدائية، وينال المتورطون فيها عقوبات مخففة بالمقارنة مع العقوبات التي تصدرها غرف جرائم الأموال الابتدائية بمحاكم الاستئناف.
التخليق للراشي والمرتشي
يعتبر المحامي حاتم عريب من هيأة الرباط، أن مواجهة منظومة الفساد في مختلف المؤسسات العمومية، تهدف إلى متابعة الراشي والمرتشي للقطع مع مختلف الظواهر الإجرامية، والتي تسيء إلى مختلف المرافق العمومية سواء كانت إدارات الصحة والتعليم أو القضاء والأجهزة المساعدة للعدالة.
ويؤكد عريب أن المشرع استهدف الطرفين أي الواهب والمستفيد من الهبة قصد دفع الأول إلى التشكي أمام مختلف المصالح المفتوحة والمطالبة بفتح أبحاث في الموضوع للتأكد من مزاعم التعرض للابتزاز والتهديد والتخويف والإقصاء، مضيفا أنه حان الوقت للقطع مع هذه الظاهرة.
ويلح المحامي نفسه على تحسيس المواطن في حال دفعه هبة مالية لقضاء غرضه أو التدخل لصالحه أنه سيتعرض للمتابعة القضائية، مشددا في الآن ذاته أن عددا من المرتفقين والمتقاضين بوجه الخصوص يلجؤون إلى مختلف الحيل من أجل تخفيف الضرائب عنهم أو الذعائر المالية أو حتى البحث في تخفيض العقوبات الحبسية ولم البراءة، ولهذا يساهم المرتفق بدوره في فساد المنظومة بصفة عامة رغم تعرضه للنصب والاحتيال.
“اعطيني نعطيك”
أظهر معلقون بعد إيقاف عدد من رجال الأمن وتقديم حتى الواهبين لهم أمام القضاء، أن هذه الإجراءات ستساهم في التخليق والنزاهة والحياد وستحد من منطق «اعطيني نعطيك».
وأكد أحمد أحمد على تعليقه بمناسبة إيقاف عدد من رجال الشرطة وتقديمهم للمحاكمة « مزيان يكون عندنا تطور في محاربة الفساد والقضاء عليه عبر تقديم الراشي والمرتشي، وباراكا من منطق اعطيني نعطيك». أما المعلق موح فلا يخفي أن الظاهرة أصبحت مستشرية في بلادنا رغم حملات التطهير «الحبس ثم الحبس لكل من سولت له نفسه الحصول على الرشوة».
وبالنسبة لياسين اقترح في تعليقه أن التخليق لا يجب أن يبقى محدودا لدى الأمن الوطني بل عليه أن يتعداه إلى مؤسسات أخرى ضمنها التعليم «أجي تشوفو أشنو واقع في التلاعب بالدكتوراه والماستر…ماكين غير عطيني نعطيك ويجب تحرك عاجل في الموضوع».
وأظهرت تفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي أن متابعة دافعي الرشوة سيكون لها الأثر الإيجابي، وسيدفع التخوف من ذلك إلى تطبيق القانون.