رئيس مهرجان الذاكرة المشتركة يتحدث عن آفاق تأسيس حزب يجعل من توصيات الهيأة برنامجا له قال عبد السلام بوطيب، رئيس المهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور، إنه رغم الأزمة العالمية التي تمر منها كل مسلسلات المصالحة القائمة على نهج العدالة الانتقالية في العالم، إلا أن التجربة المغربية أعطت أملا في إمكانية العودة عالميا إلى روح هذه التجارب خدمة للبناء الديمقراطي ونشر الثقافة الديمقراطية و ثقافة حقوق الإنسان. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: خالد العطاوي ما هي آفاق مسلسل هيأة الإنصاف والمصالحة؟ من الضروري التمييز بين الشق الحقوقي للمسلسل وشقه السياسي، ذلك أن هذا المشروع وجد لأمرين اثنين، الأول معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما يتطلبه من كشف للحقيقة وجبر الضرر المادي والمعنوي، الفردي والجماعي وغيرها من التدابير التي تحث عليها منهجية العدالة الانتقالية، والثاني بناء الدولة الديمقراطية التي تغيب فيها مطلقا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتحترم فيها حقوق الناس وكرامتهم، وتضع التدابير القانونية للحد من الإفلات من العقاب، وعدم عودة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مع ما تستلزمه مرة أخرى منهجية العدالة الانتقالية من ضرورة دسترة التوصيات خاصة السياسية منها، سيما تلك التي تؤسس لدولة الحق والقانون، وما توصي به اجتهادات منظري و فقهاء العدالة الانتقالية ومجتهديها، والتي تذهب إلى أن مسلسل الإنصاف والمصالحة القائم على هدى العدالة الانتقالية يستوجب، في نهايته، قيام حزب يجعل من توصيات الهيأة العمود الفقري لبرنامجه السياسي. إن عودة ملف مسلسل هيأة الإنصاف والمصالحة إلى الواجهة مع كل مناسبة وطنية كبيرة له عدة دلالات، أولاها أن النخب المواطنة علقت عليه آمالا عريضة للانتقال إلى الدولة الديمقراطية الحداثية، وأن عموم المواطنين رؤوا فيه صمام أمان للحماية من الاثار المدمرة لمخططات الفوضى المنظمة من قبيل الربيع العربي، والآثار السلبية لبعض "الحراكات" الاجتماعية، إضافة إلى أن المسلسل في حد ذاته مهم جدا سياسيا وتربويا، لأنه استطاع أن يساهم في الرفع من الوعي الديمقراطي والحقوقي لدى الدولة والمجتمع معا. ومتى يمكن جني ثمار هذا المسلسل؟ في اعتقادي، لا يمكن الاستفادة من الثمار السياسية للمسلسل، رغم ما سجل من إيجابيات في هذا الصدد، دون التأسيس لحزب سياسي يجعل من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة العمود الفقري لبرنامجه كما قلت. ومن الضروري التسجيل كذلك أن غياب قيام هذا الحزب الضروري اليوم ليس مرتبطا بأزمة النخب الحقوقية السياسية داخليا، بل بالأزمة الدولية التي تعيشها تجارب الإنصاف والمصالحة المعتمدة على منهحية العدالة الانتقالية، لذا تراني أطالب منذ سنوات بضرورة عودة البلاد إلى روح هذا المسلسل عبر إطلاق مبادرات تروم إلى ميلاد دينامية جديدة تساهم في عودة الروح إلى هذه التجربة، وتساهم في التأسيس لهذا الحزب الضروري، دون أن يفهم من هذا الكلام أنه دعوة للدولة من أجل تفريخ حزب جديد، فالزمن الراهن زمن لا يقبل بهذا ولا يستسيغه، وميلاد حزب الإنصاف والمصالحة سيكون ميلادا طبيعيا، لأن الطبيعة في حاجة إليه، ولأن العالم كذلك في حاجة إلى ميلاد مجموعة حزبية عالمية جديدة، تقف بين اليسار التقليدي واليمين التقليدي. ومن المؤكد أن المغرب سيلعب دورا هاما في هذه المجموعة العالمية الجديدة، ومن المؤكد كذلك أن مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية و السلم سيساهم في قيام هذه المجموعة التي ستكون مجالا إضافيا للترافع فيه عن قضايانا الإستراتيجية. هناك تحديات كثيرة لتنزيل توصيات الهيأة، فما هي الأولويات؟ شاركت، أخيرا، في لقاء دعت إليه كل من المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، والمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لتقييم المسلسل، وانصبت كل التقييمات على الجانب الحقوقي، بما يعنيه تقييم مستويات جبر الأضرار الفردية والجماعية، ومستويات حفظ الذاكرة، والكشف عن الحقيقة ومجهولي المصير، ودسترة التوصيات، واتفقنا على أن تنجز المندوبية تقريرا مفصلا بكل ما نوقش وتعممه على الذين شاركوا قصد التفاعل، وجعل هذا التقرير أرضية لنقاش قادم حول الموضوع. ولا أعتقد أن أحدا يمكن له أن يلامس هذه التحديات الحقوقية للتجربة أكثر من المشاركين في هذا اللقاء، باعتبارهم من الفاعلين الكبار في التجربة المغربية للإنصاف والمصالحة. ما يهمني أكثر، باعتباري مواطنا ديمقراطيا، هو الجانب السياسي من التجربة، أي المغرب الذي سيولد غدا وعليه بصمة هذه التجربة، فكما قلت لك إن هذا المغرب لم يولد بعد، وميلاده مرتبط بقيام الأداة السياسية الضرورية لذلك، أي حزب الإنصاف والمصالحة. قد يقول قائل إن هذا الحزب ولد ولم ينجح! نعم لقد ولد عندنا مثل هذا الحزب الذي أدعو إليه، وعاش قليلا، لكنه للأسف انحرف عن المسار، لأن ولادته كانت قبل الأوان، مما حكم عليه ليتحول اليوم الى حزب عاد ينافس من يشبهه من الأحزاب بالطرق التقليدية. كيف ترى التجاوب السياسي مع مشروعكم؟ من المؤكد أنكم تابعتم مشاركتنا في المنتدى الاجتماعي بالمكسيك، أخيرا، وباعتبارنا جمعية حقوقية مغربية (مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم)، ارتأينا أن نشتغل على موضوعين هامين في المنتدى، الأول موضوع الوحدة الترابية لبلدنا، عبر إعلاء المقترح المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية، وبمشاركة أعضاء من اللجنة العلمية للمركز من غير المغاربة، وهو الأمر الذي لقي اهتماما إعلاميا منقطع النظير، ومن المؤكد أن ذلك نفع قضية وحدتنا الترابية كثيرا. والموضوع الثاني الذي اشتغلنا عليه هو استحضار تجربة المغرب في العدالة الانتقالية بحضور تجارب عالمية عدة، خاصة تجارب من بلدان أمريكا اللاتينية، فرغم الأزمة العالمية التي تمر منها كل مسلسلات المصالحة القائمة على نهج العدالة الانتقالية، إلا أن التجربة المغربية أعطت للحضور أملا في إمكانية العودة عالميا إلى روح هذه التجارب خدمة للبناء الديمقراطي ونشر الثقافة الديمقراطية و ثقافة حقوق الإنسان. وللمساهمة في إرجاع الروح إلى هذه التجارب، وحث بلدان أخرى على الانخراط فيها، سنعقد الدورة الحادية عشرة، والتي ستنعقد نهاية شهر أكتوبر المقبل بالناظور في موضوع العدالة الانتقالية، تحت شعار "لنعد إشعال النجوم"، ووجهنا في هذا الصدد دعوة إلى المدير العام للمركز الدولي للعدالة الانتقالية ليقدم لنا تقييما عاما للتجارب العالمية، وإلى قادة عدة تجارب في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وأوربا، ليقدموا لنا الوضعيات الراهنة، كما وجهنا الدعوة الى كل المؤسسات المغربية المعنية بالموضوع، رسمية كانت أم حقوقية مدنية، وهي مناسبة لحث الدولة والجهات الرسمية المهتمة بالموضوع على دعمنا لإنجاح هذه الندوة، حتى نتمكن من إطلاق ما نفكر في تسميته "إعلان الناظور للعدالة الانتقالية: لنعد للنجوم توهجها". في سطور < رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم. < ولد في 20 نونبر 1961 بالحسيمة < تابع دراسته بجامعة محمد الأول بوجدة وحصل على الإجازة في التاريخ وثانية بجامعة نانت الفرنسية < نال شهادة عليا في أخلاقيات حقوق الإنسان والحقوق الأساسية وترأس مجموعة من التنظيمات الجمعوية والحقوقية