ثلاثية الفرس والولي والسوق الأسبوعي شعار الحياة في البادية لا تخلو منطقة من ربوع المغرب من ضريح ولي صالح يجمع السكان حوله مرة كل سبعة أيام في السوق الأسبوعي، وفي مناسبة سنوية يكون الموعد "سوق عام" كما يسميه أهل الشاوية، يقصدونه على الفرسان من أجل الذبيحة والزيارة و"التبوريدة" في مشهده وصفه شيوخ العيطة ب"العادة المرفودة"، في إشارة إلى تلبية الجميع لنداء الموسم. وتشكل هذه الثلاثية جزءا لا يتجزأ من تراث المغرب، الذي يعود بالذاكرة الشعبية إلى مناسبات عديدة ارتبطت بأذهانهم وبتقاليدهم، وهي رقصة تؤدى مصحوبة بمجموعة من الأغاني والمواويل والصيحات المرافقة لعروضها والتي تحيل على مواقف بطولية رسخت في الذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي. ولم تتمكن الجائحة من القضاء على المواسم، فقد كانت الأولى على لائحة العفو من الحجر عندما سارعت الشركة الملكية لتشجيع الفرس والجامعة الملكية المغربية للفروسية، منذ بداية السنة الجارية، إلى الإعلان عن عودة المواسم بعد توقف دام لأزيد من سنتين بسبب "كورونا"، في وقت أدرجت فيه منظمة "يونسكو" فن "التبوريدة"، على قائمة تراثها غير المادي، ما فرض اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على هذا التقليد العريق الذي يحظى بشعبية كبيرة بين المغاربة. ويجمع الموسم باقة طقوس احتفالية وفلكلورية تعود إلى آلاف السنين، وتنتشر هذه الرقصة في جميع مناطق المغرب، العربية والأمازيغية والسهلية والجبلية، لذلك وضمن استعراضاتها لا تستطيع فرق "الخيالة"، التي تسمّى محليا "البواردية"، الرقص دون أن تصاحبها أهازيج شعبية مثل "الطقطوقة" الجبلية ووصلات "النفار" وفرق "الطبالة" و"الغياطة" و"الكوامانجية"، وهي عناصر متلازمة في كل الحفلات العمومية والمواسم والمهرجانات الشعبية. ويجمع علماء الاجتماع الأجانب قبل المغاربة، على أن مواسم "التبوريدة" تقدم صفحات من تاريخ الكفاح الوطني والمقاومة والجهاد ضد الغزاة، لذلك جرت العادة في كل مناسبة وعيد وطني الاحتفال بالخيل التي تجسد المواقف البطولية التي تثيرها أغانيهم ومواويلهم وصيحاتهم الممجدة للبندقية والبارود. ويتخوف كثيرون من انقراض هذا الفن التراثي، خاصة أن الفئة التي مازالت متمسكة به ومحافظة عليه تتكون من الفلاحين البسطاء القاطنين في الوسط الريفي والبوادي، في ظل غياب تام لدعم المؤسسات الرسمية وعدم تقديمها المساعدة لهؤلاء بغية الحفاظ على التراث الرمزي للبلاد، خاصة في مواسم الصيف التي تتطلب من "الباردي" مصاريف زائدة مثل التنقل إلى حلبات السباق في المواسم والمهرجانات. ويراهن عشاق المواسم ومحترفوها على إقبال الأجيال الفتيّة عليه للحفاظ على رمزية "التبوريدة" التي توارثوها عن أجدادهم، من خلال السهر على جمع الفرسان وتدريبهم وتكوينهم وتحفيزهم على المشاركة في اللقاءات السنوية المخصصة للفروسية، كما أن مباريات الفروسية التقليدية لم تعد حكرا على الرجال في الوقت الحالي، بل ظهرت فرق نسائية خاصة من الخيالة يزداد عددها في المهرجانات سنة بعد أخرى. ياسين قُطيب