مسؤولون اتخذوا من ندرة الأوعية العقارية شماعة لتعليق برنامج البناءات الجديدة عرفت معظم المدن المغربية بين 2005 و2015، توسعا عمرانيا غير مسبوق، حولها إلى مدن ممتدة بحاجة إلى مضاعفة الجهود من قبل الفاعلين السياسيين، لمواكبة هذا التحول بتوفير الخدمات الاجتماعية الضرورية وضمنها التربية والتعليم. ولوحظ أن وزرارة التربية الوطنية لم تكن أبدا في الموعد، إذ تخلفت عن ركب مجاراة الامتدادات العمرانية، وتحججت في أكثر من مناسبة بندرة الأوعية العقارية، وهي الندرة التي تعد نتاج قصور في استشراف المستقبل، بمسؤولية مشتركة بين واضعي الخرائط المدرسية والمشرفين على تصاميم تهيئة المدن. والحال أن الخرائط المدرسية، التي يتأسس عليها برنامج الإحداثات الجديدة للمؤسسات التعليمية بمختلف أصنافها، تتم في وضع غير متكافئ، ذلك أن التوسع العمراني سار وفق متتالية هندسية، بينما إحداث المؤسسات التعليمية يتم بمتتالية عددية، ومن شأن ذلك مراكمة الخصاص سنة بعد أخرى. والواقع أن هذا الخلل هو واحد من أسباب الاكتظاظ بالفصول الدراسية، إذ تلجأ بعض الإدارات إلى حلول ترقيعية، مثل "استخراج" ثانويات إعدادية من رحم مدارس ابتدائية، كما وقع بالجديدة عندما أخرجت الوزارة إعدادية 3 مارس من رحم مدرسة المنار بالمويلحة، والثانوية الإعدادية الحنصالي من صلب الثانوية التأهيلية بئر أنزران، وهناك نماذج كثيرة جرى فيها تدبير الخصاص، بتقزيم مساحات مؤسسات أخرى. والملاحظ في جل المدن أن توزيع المؤسسات التعليمية، لا يتسم بعدالة مجالية على مداراتها الحضرية، إذ هناك خلل في التوزيع جعل معظم تلك المؤسسات متركزة في المجال التقليدي لتلك المدن، بينما تظهر الندرة بكل سلبياتها واضحة للعيان في المجال الجغرافي الذي امتد إليه التوسع العمراني، ما أظهر خرائطنا المدرسية مشوهة وغير متحكمة في الروافد المغذية لها، لدرجة لم تعد المؤسسات العمومية لمناسبة كل دخول مدرسي، قادرة على استيعاب الوافدين عليها لأن العرض التربوي لا يساير ذلك. والنموذج من الجديدة التي تعطي صورة واضحة على هذه الاختلالات، ذلك أنه في الفترة بين 1965 و1975، وضعت الخريطة المدرسية على قاعدة ما هو موجود من الأوعية العقارية، وجرى تكديس العديد من المؤسسات في مثلث واحد بين القلعة والبلاطو وحي الصفاء، الذي يضم مدارس ابتدائية المقاومة وأم البنين والثانويات التأهيلية ابن خلدون وأبي شعيب الدكالي وبئر انزران والرازي التقنية، والثانوية الإعدادية عبد الكريم الخطابي والثانوية التأهيلية القاضي عياض ببوشريط، وغير بعيد منها الثانوية التأهيلية القدس. وفي العشرية الأخيرة، تم إحداث حي المطار على مساحة 90 هكتارا، ويؤوي حاليا مجموعة سكانية تجاوز عددها 50 ألف نسمة، بنسبة كبيرة ممن وصلوا سن التمدرس، في حين اكتفت الوزارة ببناء مدرسة ابتدائية واحدة، في غياب مخطط لبناء ثانويتين إعدادية وتأهيلية، تقيان التلاميذ عناء التنقل إلى أماكن بعيدة، سيما في ظل الصمت المضروب عن بناء إعدادية فلسطين بملك الشيخ. وإلى أن يتم التفكير في استراتيجية جديدة لإعادة "هيكلة الخرائط المدرسية" وضخ نفس جديد في برنامج البناءات، فإن شرائح واسعة من ذوي الدخل المحدود، تؤدي ضريبة ثقيلة جراء عدم تقريب التعليم من المتمدرسين، في تقاطع مع تغذية عوامل الهدر المدرسي. عبدالله غيتومي (الجديدة)