مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 تضمن عيوبا شكلية وموضوعية قدم عبد العزيز النويضي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية ومحام بهيأة الرباط ، خلال مشاركته في لقاء دراسي نظم، أخيرا، بمجلس المستشارين حول مشروع قانون تنظيمي رقم 86.15 المتعلق بشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، (قدم) العديد من النقاط الأساسية المرتبط بنواقص وعيوب المشروع، وذلك بهدف تجويد القانون. ذ عبد العزيز النويضي * المادة 1 ...نواقص تعريف القانون تعريف القانون بأنه " كل مقتضى ذي طابع تشريعي يراد تطبيقه في دعوى معروضة على المحكمة، ويدفع طرف من أطرافها بأن تطبيقه سيؤدي إلى خرق وانتهاك أو حرمان من حق من الحقوق أو حرية من الحريات التي يضمنها الدستور». هذا التعريف يحول دون الدفع بعدم دستورية، اجتهاد قضائي لمحكمة النقض يفسر القانون بشكل مخالف للضمانات التي يقررها الدستور (يمكن إيجاد أمثلة عديدة كعدم الاعتراف بالأبوة المثبتة بالفحص الجيني على حساب قاعدة "الولد للفراش " ولو كان الأب عقيما، وهناك مثل آخر بتعلق بالقرار عدد 433 الصادر بتاريخ 21 شتنبر 2010 في الملف عدد 2009/1/2/ 623 تطليق للشقاق الذي قضى بأن المتعة لا يحكم بها إلا في حالة الطلاق أو التطليق الذي يتم بناء على طلب الزوج ، أما في حالة التطليق للشقاق بناء على طلب الزوجة فإنه لا يحكم لها بالمتعة ". الحل في نظري إضافة عبارات أخرى تعالج الأمر، مثلا : « كل مقتضى ذي طابع تشريعي يراد تطبيقه في دعوى معروضة على المحكمة، ويدفع طرف من أطرافها بأن تطبيقه أو تأويله طبقا لاجتهاد محكمة النقض أدى أو سيؤدي إلى خرق أو انتهاك أو حرمان من حق من الحقوق أو حرية من الحريات التي يضمنها الدستور. لقد أجاب المجلس الدستوري الفرنسي بإمكانية الدفع في اجتهاد قضائي يؤول القانون بشكل مخالف للحقوق في عدد من قراراته (مثلا القرار الصادر في 6 أكتوبر 2010 ولم يكن القرار الوحيد) إيجابا على هذه الفرضية بقوله : "عندما يمارس متقاض الدفع بعدم الدستورية - أو بترجمة أخرى - "عندما يطرح متقاض سؤال الدستورية ذا الأولوية" فإن من حقه أن يجادل في دستورية المفعول العملي الذي يعطيه تأويل قضائي مستقر لذلك المقتضى التشريعي. "فالتأويل الذي يمنحه القاضي للقانون ... غير منفصل عن القانون نفسه. فتدخل المحكمة الدستورية يصبح لا زما عندما يطلب منها مثير الدفع تفسير المقتضى التشريعي تفسيرا صحيحا وملزما للجميع، لأن التفسير الذي تم تطبيقه عليه لا يوافق الضمانات الدستورية. إن مثير الدفع هنا لا يثير عدم دستورية التشريع بل يثير عدم دستورية التفسير الخاطئ والمنتهك للحق المعني الذي تبناه القاضي . ويكون نوع تدخل القاضي الدستوري هو التصريح بمطابقة ذلك التشريع بشرط التفسير الذي يعطيه القاضي الدستوري نفسه، والذي يسقط التفسير المنتهك للحقوق أي التفسير الذي لا تتحقق معه غاية المشرع الدستوري إن المحاكم العليا (النقض) أصبحت تقبل إحالة مقتضيات تشريعية كما فسرها قاضي تطبيق القانون .وأصبح القاضي في هذه المحاكم يقوم بشكل وقائي بتسوية اجتهاده مع المقتضيات الدستورية بحيث يتلافى تطبيقا غير مطابق للدستور للمقتضيات التشريعية، وهذا يسهم في انسجام التفسير ويشجع الأمن القانوني". المادة 2... منح النيابة العامة حق إثارة الدفع حول منح النيابة العامة حق إثارة الدفع فهذا غير مناسب لعدة اعتبارات وفيه توريط لها : فالنيابة العامة غالبا ما تطالب بتطبيق القانون وليس إثارة عدم دستوريته . والنيابة العامة صارت ممركزة تحت سلطة رئيس النيابة العامة ، فهل يجب أن يلتمس أي وكيل للملك أو وكيل عام رأي رئيس النيابة العامة في أي مقتضيات يرغب في الدفع بعدم دستوريتها ؟ وهل يحقق ذلك مبدأ استقلالية النيابة العامة؟ ألا يشكل ذلك حافزا لقضاة النيابة العامة للامتناع عن ممارسة هذه الإمكانية تلافيا لأي مشاكل ؟ إن النيابة العامة ليست متقاضيا مثل باقي المتقاضين فلماذا لانترك الأمر كما في فرنسا للنيابة العامة لإبداء الرأي في أي مذكرة للدفع تقدم أمام المحاكم، حيث يحيل قاضي الموضوع المذكرة للنيابة العامة لإبداء رأيها وللقاضي أن يقرر ما يراه بشأنها. المبررات التي قدمتها المحكمة الدستورية تصلح أيضا لتخويل قضاة الحكم الإمكانية نفسها لأنهم في هذه الحالة يعدون طرفا في الدعوى الدستورية التي تخاصم فيها قاعدة دستورية قاعدة تشريعية عادية وليسوا من أطراف الخصومة . أي قانون أولى بالتطبيق؟ نجد الجواب في الفصل السادس من الدستور نفسه الذي ينص في الفقرة الثالثة منه " تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها قواعد ملزمة، فإذا كان القاضي مطوقا بتطبيق القانون فإنه ملزم في ذلك بتفضيل القواعد الدستورية على ما عداها ، ويلزمه مبدأ التراتبية أن يفضل القاعدة الأسمى والأعلى درجة وهي الدستور على القاعدة الأدنى وهي القانون العادي. في نظري لا يجب أن يتاح الدفع للنيابة العامة ولا لمحكمة الموضوع. المادة 5...تعليل صاحب الدفع حسب المادة 5 من المشروع يجب أن تتضمن (المذكرة ) المقتضى التشريعي موضوع الدفع ولكنها لا تشترط ضرورة تعليل صاحب الدفع لدفعه بالإشارة إلى كيفية مسه بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور أو تضمنها التزامات المغرب الدولية المصادق عليها طبقا للدستور فصاحب المذكرة ملزم في نظري بأن يبين فيه كيف يمس المقتضى التشريعي، الذي طبق أو سيطبق، في النزاع بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور لقد وقع خلط في أذهان المشرع وتأثر أكثر من اللازم بقرار المجلس الدستوري الذي أراد أن يقلص دور قضاة الموضوع في فحص المذكرة في علاقتها بالحقوق الدستورية إلى أقصى حد، فاقتصر في المادة 5 المتعلقة بشروط قبول مذكرة الدفع التي يقدمها مثير الدفع على الإشارة إلى أحد الشروط السياسية للمذكرة وهو "أن تتضمن المذكرة المقتضى التشريعي موضوع الدفع" وبذلك أغفل شرطا جوهريا يجب أن تتضمنه المذكرة حتى يكون الدفع جديا، وهذا الشرط هو أن تتضمن المذكرة بيان كيف يمس المقتضى التشريعي بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. المادة 8... مشاكل في التطبيق من حالات عدم إيقاف البت، هناك حالتان قد تثيران مشاكل في التطبيق : عندما ينص القانون على أجل محدد للبت في الدعوى أو البت على سبيل الاستعجال، مثلا في قانون الصحافة تنص المادة 97 على أنه "... تبت المحكمة في جميع الأحوال داخل أجل أقصاه 90 يوما من تاريخ التبليغ القانوني للاستدعاء"... وتبت محكمة الاستئناف في جميع الأحوال داخل أجل أقصاه 60 يوما من تاريخ تقديم الاستئناف ". ونحن نعلم أن المحاكم في قضايا الصحافة لا تبت غالبا ضمن هذه الآجال، فلو فرضنا أن المدعى عليه أثار قضية الدفع قبل أن تصبح القضية جاهزة بعد مرور ما يقرب من شهرين، فهل تستمر المحكمة في البت احتراما للآجال كما يقررها الفصل 8 من القانون التنظيمي؟ وفي هذه الحالة يمكن تطبيق قانون غير دستوري عليه، رغم أنه احترم كل شروط تقديم مذكرة الدفع ؟ 2 – من حالات عدم إيقاف البت حالة "إذا كان الإجراء يؤدي إلى إلحاق ضرر بحقوق أحد الأطراف يتعذر إصلاحه"، معنى ذلك أن على المحكمة ألا توقف البت حتى لا يلحق ضرر بحقوق أحد الأطراف يتعذر إصلاحه، ومعناه أن عليها أن تستمر في القضية وتبت فيها رغم تقديم مذكرة دفع أمامها خشية إلحاق ضرر بأحد الأطراف يتعذر إصلاحه ؟ يجب المزيد من توضيح هذه المقتضيات حتى يتضح المقصود منها للقاضي، وحتى لا تستعمل بشكل لا يقيد حرية القاضي وقد يضر بأحد الأطراف عند البت رغم تقديم الدفع المادة 13 ...عيوب في الشكل والمضمون هذه المادة معيبة وبيان ذلك ما يلي : 1) ) غرفة التصفية ستصبح من هياكل المحكمة الدستورية، ولذلك يجب أن تندرج في القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية وضمن الباب الثاني المتعلق بسير المحكمة الدستورية بإضافة مادة 17 مكررمثلا . 2) بدلا من الصياغة الحالية التي تقول " تحدث المحكمة الدستورية، ومن بين أعضائها، هيأة أو هيآت ... إلخ " يجب النص على صيغة أفضل تقول " تحدث داخل المحكمة الدستورية، ومن بين أعضائها، هيأة أو هيآت ...إلخ وأن تغنى المادة 1" بما يلي : يعين أعضاء ورئيس كل هيأة من المذكورة أعلاه من قبل رئيس المحكمة الدستورية بتشاور مع الأعضاء ويضمن ذلك في محضر... إلخ . 3) يجب أن تسبق المادة 13 المادة 12 ( التي تنص على أن المحكمة الدستورية تنذر مثير الدفع لتصحيح مسطرة الدفع داخل أجل 4 أيام من تقديم مذكرة الدفع) وأن تحذف المادة 12 ا لتدمج مع المادة 14، فالذي سينذر مثير الدفع بتصحيح المسطرة هو غرفة التصفية داخل 15 يوما من تاريخ توصل المحكمة بمذكرة الدفع، أما المحكمة الدستورية فلا تدخل في مهامها دراسة أولية لمذكرة الدفع، ثم إن التاريخ الممنوح لها قصير جدا. المادة 24 ...مشاكل قانونية وعملية تنص المادة 24 " إذا صرحت المحكمة الدستورية بعدم دستورية مقتضى تشريعي، وكان قد صدر، في نفس الدعوى، في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 8 من هذا القانون التنظيمي، مقرر قضائي غير قابل إلي طعن استند إلى المقتضى التشريعي المذكور، يتعين ترتيب الآثار القانونية على قرار المحكمة الدستورية، بما في ذلك إمكانية تقديم دعوى جديدة من قبل الأطراف، طبقا للتشريع الجاري به العمل". هذه المادة بدورها يمكن أن تثير مشاكل قانونية وعملية في التطبيق مثلا: أولا : إنها تعيد النظر في حجية الأمر المقضي وفي مبدإ سبقية البت، ثانيا : إذا نفذ المحكوم لصالحه المقرر القضائي النهائي فهل سنعيد النظر فيما نفذ ؟ هذا يمس بالمراكز والحقوق المكتسبة والمراكز القانونية التي نتجت عن القرار النهائي الذي لا يقبل أي طعن، وهو يتنافى مع الأمن القانوني والقضائي. قد تفيد هذه المادة شخصا محروما من حريته بحكم نهائي فيستفيد من قرا لجديد للمحكمة الدستورية، تلغي ذلك القانون الذي كان أساس المتابعة فيتعين إطلاق سراحه، ولكنها لا تصلح في جميع الأحوال . * أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية محام بهيأة الرباط