من واجبه أن يحميها من الأخطاء القضائية التي تمس بحقوقها 2/2 بقلم: عبد الكبير طبيح (*) كما هو معلوم لدى فقهاء القانون الدستوري، فإن المهمة الأساسية والمركزية لكل دستور هي الجواب عن سؤالين: الأول: هو تحديد مصدر السلطات. الثاني: هو توزيع تلك السلطات توزيعا يأخذ في الاعتبار مصدر السلطات. ومن الضروري التدقيق بأن توزيع السلط الذي يهمنا في هذا المجال، ليس ذلك التوزيع الذي يمركز كل السلطات بين يدي الأجهزة التنفيذية المختلفة، فهذا النوع من التوزيع لا يعتبره الفكر السياسي والفقه الدستوري الحديث، مترجما لدولة ديموقراطية وإن كان لها دستور. إن توزيع السلطات المعني في هذا المقال هو ذلك التوزيع الذي يضمن للسلطات، تنفيذية وتشريعية وقضائية توازنها وتعاونها واستقلالها لما فيه خدمة مشروع مجتمعي، هدفه ضمان كرامة المواطن بكل حمولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالأساس ضمان مساواته مع غيره من المواطنين. وبعد هذا التدقيق سنحاول تقديم أجوبة عن السؤالين المذكورين أعلاه. سؤال مصدر السلطة: مع كل الأسف لم يكتب لحد الساعة، كل الفاعلين السياسيين المغاربة الذين مارسوا مسؤولية الفعل السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم تجربتهم وآراءهم حول تدبيرهم للشأن العام إلا قليلا منهم، حتى يمكن الاستئناس بها. وهذا النقص في المعلومة التاريخية السياسية عرقل تطور الفكر السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال. فمنذ وضع دستور 1962 إلى الدستور الحالي لم يجب المشرع الدستوري عن ذلك السؤال/الإشكال. وهو أين يكمن مصدر السلطات في المغرب. وهو النقاش السياسي الذي أجج الخلاف والصراع السياسي الذي عرفه المغرب بين سلط ممركزة بين يدي الملك، وبين أحزاب وطنية وديموقراطية تطالب بتوزيع فعلي وحقيقي لتلك السلطات، حتى تساهم في بناء المغرب. فهل استطاع المغرب تجاوز هذا الغموض وهذا الإشكال وهو يدخل مرحلة دستور سنة 2011؟ إن هذا السؤال قد يجيب عنه البعض بالنفي كما قد يجيب البعض الآخر بالإيجاب. لكن هل يعقل أن نقبل بجواب نظري أو انطباع شخصي، أم أن الجواب يجب أن يعتمد على وسائل ملموسة تمكن من ترجيح هذا الموقف أو الموقف الآخر؟ وجوب تطبيق القانون في الأحكام القضائية الإرادة الملكية ونص دستور 2011، كلها تؤكد على وجوب تطبيق القانون في الأحكام القضائية. وإذا كان القانون في مفهوم الدستور هو ما سبق بيانه أعلاه، فكيف يمكن أن تصدر بعض الأحكام في تناقض مع ما تنص عليه أحكام الدستور وما تنص عليه أحكام القانون وتستند فقط لرأي بعض من تصدر عنه. وكمثال على ما ذهبت اليه بعض تلك الاحكام القضائية نورد نموذجين من بين نماذج أخرى لها خصوصيتها المتمثلة في تأثيرها في الأحكام القضائية التي أصبحت تصدرها المحاكم الابتدائية والاستئنافية، رغم عدم اقتناع عدد من القضاة بقانونيتها، وهو ما لوحظ من صدور أحكام ابتدائية أو استئنافية رفضت مسايرة تلك التوجهات المخالفة للقانون، لكن سرعان ما يتم إلغاء تلك الأحكام عندما تعرض على درجات أعلى في التقاضي. التعويض عن المتعة النموذج الأول يتعلق بأحكام أثيرت حولها عدة نقاشات مثل تلك التي تحرم المرأة من الحق القانوني الذي خصتها به مدونة الأسرة المتمثل في التعويض عن المتعة. والتي ذهبت بعض الأحكام الى منع الزوجة من الاستفادة منه بدعوى أنها هي من طلبت التطليق للشقاق، فشكل هذا الرأي القضائي عقابا على الزوجة التي تبادر لممارسة حقها القانوني في طلب التطليق للشقاق، وكأنها تقوم بعمل غير مشروع، من أجل ثنيها عن التقدم بطلب للتطليق، بينما الحق في التطليق للشقاق هو حق أسس أصلا لفائدة الزوجة يمكنها من فسخ العلاقة الزوجية من جانبها كذلك. وهي أهم مكسب أتت به مدونة الأسرة من أجل رفع سلطة التحكم في العلاقة الزوجية من جانب الزوج لوحده، عندما يلحق بزوجته أضرارا لا يمكن معها استمرار العشرة الزوجية. التعويض عن الحمل خارج إطار الزواج النموذج الثاني يتعلق بمواجهة تهرب رجل من تحمل مسؤولية حمل تسبب فيه بعد علاقة جنسية خارج إطار الزواج. والتي يعتبرها القانون فسادا، لا ينسب به الطفل للرجل الذي تسبب فيه. غير أن قاضيا في محكمة ابتدائية من مدينة بشمال المغرب تصدى بجرأة عادلة ومنصفة وبصرامة في التطبيق السليم للقانون، وحمل الرجل مسؤولية ذلك الحمل، وحكم عليه بالتعويض لتغطية حاجيات الطفل الذي تسبب في ازدياده إعمالا لقواعد المسؤولية المدنية، وليس الشرعية لأنه لم ينسبه لذلك الرجل، وهي المسؤولية المبنية على تحمل مرتكب الفعل العمد أو الخطأ لمسؤولية التعويض عن الضرر الذي ينتج عنه، لكن بدون أن ينسبه له باحترام لقواعد الشريعة الإسلامية. ومع أن هذا الحكم اتسم بالعدل والإنصاف وبالتطبيق السليم للقانون والمحترم لقواعد الشريعة الإسلامية، إلا أن محكمة أعلى ارتأت إلغاء ذلك الحكم وأعفت الرجل الذي تحققت من تسببه في ذلك الحمل غير المشروع من أي مسؤولية ومن أي تعويض مع أن: 1- ذلك الحكم طبق القانون في تحميل ما نتج عن الفعل المخالف للقانون تعويضا للضرر لمن ارتكبه. 2- ذلك الحكم وجه رسالة قضائية قوية لكل رجل يمارس الفساد بأن يتحمل كذلك مسؤولية الطفل الناتج عن العلاقة الجنسية خارج الزواج. 3- ذلك الحكم كان أثره هو إثارة الانتباه إلى أن ارتكاب ذلك الفعل تترتب عليه مسؤولية تحمل تبعاته ماليا تجاه المولود، من جهة، وتنبه الغير، من جهة أخرى، لعدم القيام بذلك الفعل الذي تتضرر منه في نهاية المطاف المرأة وحدها، والتي تجد نفسها لوحدها محملة بمسؤولية طفل يرفضه المجتمع ولا يجد اسم أب له يضاف إلى اسمه. فالحكم المذكور كان مطبقا لنص القانون، وهو الفصل 77 من ظهير الالتزامات والعقود، بينما القرار الذي ألغاه واعتبر أن الطفل ناتج عن فساد وأعفى بالتبع لذلك الرجل الذي تسبب فيه من أي مسؤولية ومن أي تعويض، يكون قد صدر ضدا على الفصل 77 المذكور، أي ارتكب خطأ قضائيا بمفهوم المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، لأن خرق القانون هو خطأ جسيم كما سبق بيانه أعلاه. هذه النماذج من الأحكام معبرة عن الخطأ القضائي بمفهومه المنصوص عليه في المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. تتحمل الدولة تعويضه طبقا للفصل 122 من الدستور. حماية المرأة من الأخطاء القضائية التساؤل الذي يطرح هو ما علاقة القضاء الإداري بكل ذلك؟ الجواب هو أن القضاء الإداري هو المختص في الحكم على الدولة بكل إخلال في ممارستها للسلطة وفقا لأحكام القانون المنظم للمحاكم الإدارية، وبالتالي هو المختص في البت في قضايا الخطأ القضائي. ومن الملاحظ أن قضاء الحكم لم يسبق له، حسب ما في علمي، أن عقد ندوة حول الخطأ القضائي. بينما بادرت رئاسة النيابة العامة الى تنظيم ندوة بمدينة مراكش تناولت فيها بالدراسة الخطأ القضائي الذي قد يصدر عن النيابة العامة عند ممارستها لمهامها واختصاصاتها. وسيكون مفيدا أن يهتم قضاء الحكم كذلك بهذا الموضوع، من أجل توحيد الاجتهاد والتعامل مع التطبيق السليم للقانون. واعتبر أن القضاء الإداري من واجبه اقتحام هذا الموضوع، فمثلما بادر الى حماية حقوق المرأة في مواجهـــــــة الإدارة، عليه أن يحميها من الأخطاء القضائية التي تمس بحقوقها. دستور 2011 وتوزيع السلطات أعتقد أن دستور 2011 أسس لتحول في بناء الدولة في تغيير حقيقي لتوزيع السلطات. وهو ما يرى بكل وضوح بالرجوع أولا إلى الخطاب الملكي لـ 09-03-2011. والذي استقبل بترحيب وأمل في فتح صفحة جديدة في بناء الدولة الديموقراطية. إذ ورد في ذلك الخطاب، ولأول مرة في تاريخ المغرب أن الحكومة المقبلة ستكون منبثقة من الإرادة الشعبية. إن جملة "الإرادة الشعبية" هي تمثل حقيقي للجواب على مصدر السلطات. باعتبارها هي سيادة الأمة المعبر عنها بواسطة الاقتراع العام. فإذا كان الخطاب الملكي لـ 09-03-2011 قد فتح النقاش حول مصدر السلطات، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد بل إن الفصل 2 من دستور 2011 نص على أن السيادة للأمة تمارسها بطريقة غير مباشرة بواسطة ممثليها المختارين عبر الانتخاب. ولكي يفهم أكثر معنى هذا المقتضى لابد من الرجوع إلى النقاش الذي طغى على الحياة السياسية والفكر السياسي في المغرب والكتابات التي تناولت الفصل 19 من الدساتير السابقة. ذلك أن الفصل 19 استعمل منذ 1970، وليس 1962، سندا دستوريا في ممارسة الملك لسلطة التشريع بواسطة آلية الظهير لإصدار قواعد قانونية ذات طابع تشريعي. مما أثار جدلا ونقاشا كبيرين حول مشروعية تلك المقتضيات في مفهومها المؤسس للدولة الديموقراطية. واعتبر الفكر السياسي المعارض أن إعمال الفصل 19 يقلص ويقوض دور البرلمان الذي هو المعبر والممثل لسيادة الأمة. وأن السلطات التي يمارسها الملك بواسطة الظهير تحجب السلطة الحقيقية لممثلي الأمة. لكن من المفيد الإشارة إلى أن تدخل الملك بواسطة آلية الظهير في التشريع لم يكن يتم بدون سند دستوري، وإنما بناء على التعديل الذي أدخل على الفصل 19 بواسطة دستور 1970. ذلك التعديل الممثل في إضافة جملة" الممثل الأسمى للأمة" في الفصل 19. وهي الجملة التي لم تكن موجودة في نص الفصل19 من دستور 1962. ولهذا فإن صفة الملك كممثل أسمى للأمة، تجعل الملك يمتلك سلطة التشريع ممثلا لسيادة الأمة. لأنه إذا كان أعضاء البرلمان الذين تنتخبهم الأمة هم ممثلو الأمة، فإن الدستور اعتبر أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة. وبالتالي من حقه التشريع باسم الامة في مجال القانون. إن التحول الجذري الذي قدمه اليوم الدستور الحالي، هو أنه لا ينص على أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة من جهة. بينما ثبت صفة أعضاء البرلمان كممثلين للأمة حصريين لا تنازعهم أي مؤسسة أخرى في ظل دستور 2011. وهذه الصفة الحصرية لتمثيل الأمة ليست صيغة تسمح بعدة تأويلات. وإنما فسرت وشرحت بالشكل الحصري المشار إليه في الخطاب الملكي ليوم 17-06-2011 الذي ورد فيه ما يلي: "....... وأما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات أو آليات الطابع البرلماني للنظام"السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة". إن هذا الإعلان من جلالة الملك في خطاب 17-06-2011 هو إعلان عن تخليه عن صفة الممثل الأسمى للأمة، أي تخليه عن الاختصاص الخالص للبرلمان في كل نظام ديموقراطي ولكل دولة ديموقراطية حديثة لإصدار القانون. ولهذا عندما نعود إلى الفصلين 41 و42 من دستور 2011 واللذين حلا محل الفصل 19 من دستور 1996 وما قبله من الدساتير السابقة، لن نجد فيهما أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة، وإنما نجد أن الملك هو الممثل الأسمى للدولة . ويستنتج مما سبق أن الوثائق المؤسسة لتحديد مصدر السلطات هي الخطاب الملكي 09-03- 2011 والخطاب الملكي ل 17-06-2011 اللذان أجمعا على أن مصدر السلطات هو الأمة، مما يكون معه الجواب عن التساؤل الأول المشار إليه جوابا مبنيا ومؤسسا على حجج قوية معلنة ومعززة بخطب جلالة الملك، الذي أكد على مبدأ سمو الدستور وهو المبدأ الذي لم يكن حاضرا في جميع الدساتير التي عرفها المغرب. فهذا المطلب سنجده مفصلا في نص الخطاب الملكي 17-06-2011، و نجد تطبيقا له في نص دستور 2011. وبالفعـل بالرجوع إلـى الخطـاب الملكي لـ 17/06/2011 سنلاحظ أنه عند تناوله للدعامة الثانية التي بني عليها الدستور نقرأ في الفقرة الثانية ما يلي: ".... وأما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات وأليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة وسمو الدستور كمصدر لجميع السلطات"، وأن التطبيق الدستوري للخطاب الملكي سنجده متضمنا في الفقرة 3 من الفصل 42 التي ورد فيها: "يمارس الملك هذه المهام بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور". (*) محام بهيأة البيضاء