شهادات

الإفراط في الاستهلاك الاستهلاك من أسس المجتمعات الحديثة ويرتكز عليه الاقتصاد الليبرالي لأهميته في حركية ورواج اقتصاد السوق. وثقافة حسن تدبير الموارد موروث تناقلته الأجيال ومارسه الأجداد بحكامة وتبصر. لكن انتشار نمط الإفراط في الاستهلاك، جعل هذه الثقافة من الماضي، ويتسبب في نتائج كارثية وهدر لموارد الكرة الأرضية والإفراط في استغلالها في كل دول العالم وليس في المغرب لوحده. المجتمع المغربي لم يشذ عن هذه القاعدة، فثقافة الإفراط في الاستهلاك تستمر في الانتشار، وكان من المنطقي أن تتقلص بسبب الأزمات المتتالية، بدءا بالجفاف غير المسبوق إلى أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها من ارتفاع مهول للمحروقات والمواد الغذائية خاصة وباقي المنتجات الصناعية والخدماتية عموما. لكن ذلك للأسف لم يحدث وما حدث هو عكسه، إذ ازدادت شراهة الاستهلاك بشكل كبير. واذا كان الاستهلاك ولو بإفراط لمنتوجات محلية يشكل أداة لحركية اقتصادية ذات قيمة مضافة وهو ما لا يحدث في أرض الواقع، فإن الاستهلاك المفرط لمنتوجات يتم استيرادها بتكلفة عالية من العملة الصعبة سواء كانت منتوجات رئيسية أو كمالية، غير مقبول ولا هو معقول. لا يعقل مثلا أن نستورد ملايين الأطنان من القمح ويكون مصير جزء كبير منه القمامة. كما أنه لا يعقل أن يكون جزء كبير من السكان مصابا بمرض السكري وجزء آخر في طريق الإصابة، بينما تظل فاتورة استيراد السكر واستهلاكه بكميات كبيرة ومفرطة علامة على وجود اختلال غير منطقي في منظومة المجتمع. وهنا تبرز مسؤولية الدولة والمجتمع المدني في إعادة استلهام ثقافة الأجداد المستندة على أسس الاقتصاد وحسن تدبير الموارد، مع ضرورة الاستعانة بالمجالس العلمية في التوعية الدينية المستندة على قاعدة لا إفراط ولا تفريط، مع ضرورة إدماج ثقافة الاستهلاك في المنظومة التعليمية ودعم الجمعيات المتخصصة في حماية المستهلك للقيام بواجبها التوعوي والترافعي. إن انتشار ثقافة الاستهلاك تجاوزت الطبقات الميسورة والوسطى لتصل إلى ذوي الدخل المحدود، ما أدى إلى ظهور آفات اجتماعية من قبيل اللجوء إلى الاستدانة سواء من المؤسسات البنكية أو من الأشخاص الذاتيين ، ما أدى إلى رفع قيمة المديونية لدى هذه الفئة مع ارتفاع عدد المتخلفين عن الوفاء بالدين وكان من نتائجه إفلاس الأسر وارتفاع الطلاق وتشرد الأبناء وانتشار الهدر المدرسي. زكرياء مجراوة (رئيس جمعية حماية المستهلك بصفرو ونائب رئيس هيأة جمعيات حماية المستهلك بالمغرب) إقبال كبير وغير مفهوم ما نراه ونعايشه ونتعايش معه يوميا في مجتمعنا المغربي سيما الإقبال العشوائي والمفرط على استهلاك مختلف المواد، مثيرا للاستغراب والحيرة والتساؤل. ويكشف حقيقة ما نعانيه في ذواتنا كأشخاص ومجتمع، ندعي الفقر والحاجة ونقبل على الاستهلاك الباذخ، كما لو كنا نعيش انفصاما في الشخصية. الإقبال على الشراء والاستهلاك بشراهة غير مفهوم لمختلف المواد الغذائية، يمكن أن نقف عليه بشكل أمر في الأحياء الشعبية. الإقبال كبير وغير مفهوم أحيانا، سيما بالأسواق الشعبية، إذ يشكل التهافت على مختلف المواد رغم عدم الحاجة الملحة لها، صورة مختصرة لواقع الحال في كل المواقع وبالنسبة لكل الطبقات. أينما وليت بوجهك تجد الزحام سيما على مشارف المناسبات الدينية في رمضان والأعياد. الجميع يتبضع وكأن هذه المناسبات وجدت للاستهلاك فقط. والأغرب أن تشاهد إقبالا منقطع النظير على مواد غير صالحة للاستهلاك أو ناقصة الجودة، ورغم ثمنها المرتفع، وأعني فواكه حديثة الوجود بالسوق. الناس يتهافتون على شراء المواد الاستهلاكية، والنساء يقتنين الأواني المنزلية في كل مناسبة وكأن منازلهن خالية منها. شيء غريب بحق، لا أجد له جوابا مقنعا، ولو أني حاولت مرارا البحث عن أسباب مقنعة لهذه «اللهطة» والتناقض بين واقع حال الأسر المزري ونوعية وطبيعة ما تستهلكه من مواد بمناسبة وبدونها وسواء كانت الأثمنة منخفضة أو مرتفعة ومهما كانت التبعات والظروف. بنظري هناك أسباب مختلفة لهذا الواقع، وبينها التظاهر بواقع غير الذي نعيشه، والتباهي بالمستوى الاجتماعي المميز ولو أن الجميع في سلة المعاناة نفسها. النساء تتهافتن لتجهيز منازلهن بأفخم الأفرشة والتجهيزات، فقط أحيانا للتباهي على قريباتهن وصديقاتهن خاصة مع ظهور موجة «روتيني اليومي». المظاهر خداعة ليس فقط في تجهيز المنازل والتماهي مع موجة الاستهلاك الغريب للمواد، بل حتى في كل خطوة يقوم بها البعض. تجده لا يملك إلا قليلا من المال، لكنه يتباهى بارتياد المطعم الراقي وتناول وجبات في لحظات يحرص على توثيقها بالصورة والصوت ونشر ذلك، كي يظهر بغير حقيقة ما يعيشه. إننا بحق نعيش انفصاما في الشخصية. سعيد الذهبي (رسام جداريات) استقاهما: حميد الأبيض (فاس) "نعيشو ويحن الله" أعتقد أن ارتفاع الأسعار له تأثير على الوضع المالي لعدد كبير من المغاربة، غير أنه لم يؤثر على عاداتهم الشرائية والاستهلاكية، للعديد من الاعتبارات التي تختلف من طبقة لأخرى. لم يظهر التأثير على عادات الطبقة المتوسطة، نظرا لكثرة عروض القروض الاستهلاكية، التي تتنوع حسب المناسبات، كما أن المؤسسات الكبرى والمحلات التجارية التي مرت من فترة كساد خلال فترة الوباء، تشجع الزبناء من فترة لأخرى، على الشراء، من خلال التخفيضات والتسهيلات في الأداء. كما أن هناك فئة من الطبقة المتوسطة، سيما أصحاب الدخل القار الذي لم يتأثر بفترة "الكوفيد" والحجر الصحي، شكلت السنتان الأخيرتان بالنسبة لهم، فرصة للادخار، إذ ظل الدخل قارا وقلت المشتريات ومصاريف السفر والكماليات. كما أن فترة "الكوفيد" والضغط النفسي الذي عاشه المغاربة، على غرار باقي سكان العالم، تركت نظرة مختلفة لدى العديدين، الذين باتوا يعتمدون نظرية "نعيشو أو يحن الله"، ما جعل الناس يقبلون على الشراء و"إرضاء النفس والأسرة"، دون اعتبار لما قد يأتي وما قد يخلفه ذلك من عدم توازن في ميزانياتهم. ولعل الانفتاح وتزايد ارتباط المغاربة بشبكة الأنترنيت، شجع على التجارة الإلكترونية التي باتت تشكل "بلية"، لدى المغاربة سيما في ظل تقديمها عروضا متنوعة وأسعارا منخفضة وإمكانية التوصيل المجاني، والحصول على بضائع وسلع من خارج المغرب، وغيرها من الامتيازات. وهناك فئة أخرى أمام قصر ذات اليد وارتفاع الأسعار، تضطر إلى بيع بعض ممتلكاتها من أجل الحفاظ على نمط العيش الذي تعودت عليه، سيما من لديه أسرة وأطفال، ولا يحب أن يشعرهم بالنقص. في اعتقادي أن أغلب المغاربة يتكيفون مع الوضع، وبات لديهم وعي بأن ارتفاع الأسعار أزمة عالمية، وليست وليدة تدبير الشأن الداخلي، كما أن تدخلات عاهل البلاد من أجل التخفيف من أعباء الفئات الفقيرة، من خلال الإعانات في مختلف المناسبات، والبرامج الموجهة لهذه الفئات، تجعل كافة الطبقات تدبر أمورها "أو حتى حد ما كيبقى بلاش». محمد مجد الطالبي (إطار بنكي) آلة استهلاكية للمنتوجات المتتبع للوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، يرى أن تغيرات كثيرة عرفها نمط عيش المغاربة بالمقارنة مع السنوات الماضية، ومن تجليات هذا التغيير ارتفاع الاستهلاك اليومي للفرد، مقارنة بالدخل، رغم ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية. لقد تجذرت ثقافة الاستهلاك في المجتمع المغربي، خاصة منذ الانفتاح على القنوات الفضائية والثورة المعلوماتية والرقمية التي جعلت المواطن أمام سوق مفتوحة ساهمت في الاطلاع على ثقافات خارجية، ما قابله تحسن في الدخل الفردي ونشاط المؤسسات المالية في القروض المرتبطة أساسا بالعقار والسيارات، أكثر من ذلك، ظهور قروض الاستهلاك وقروض أخرى مرتبطة بالمناسبات الوطنية والدينية، ما ساهم في ظهور مؤسسات ائتمانية للقروض الصغرى مخصصة لذوي الدخل المحدود والحرفيين . أمام هذه الوضعية ارتفعت تجارة القرب التي جعلت المواد الاستهلاكية قريبة جدا من المستهلك بالموازاة مع تطور آليات التسويق التى تجعل المواطن أسير رغباته الجامحة في العيش في ظروف حسنة. واستطاعت آليات التسويق استهداف الأسرة المغربية بحيث حولت المواطن إلى آلة استهلاكية للمنتوجات، مستهدفة كل الأعمار والأجناس، فساهم تكاثر المتاجر الكبرى بدوره، في ارتفاع نسبة الاستهلاك، بحيث أصبح زبونها يقبل على بعض المواد التي ليس بحاجة إليها، فأمام قوة الإغراء والإحراج، يصبح الزبون مستهلكا للكماليات التي يمكن الاستغناء عنها. وقد ساهم تطور الأداء البنكي الأوتوماتيكي في ارتفاع نسبة الاستهلاك عامل آخر يساهم في ارتفاع الاستهلاك، يرتبط بالمظاهر الاجتماعية وحب الظهور بمظهر الطبقة المتوسطة أو الغنية، والتموقع الاجتماعي والرغبة في تسلق زائف، من تمظهراته سيارة من جودة عالية وألبسة من ماركات معروفة والسكن في أحياء راقية، باي طريقة ومهما كانت التكلفة. كل هذه المعطيات أدت إلى تراجع الادخار، وأصبح رب الأسرة، رهين القروض والمؤسسات المالية، في حين أن تقافة الاستهلاك الدخيلة على المجتمع المغربي لها انعكاسات سلبية اجتماعية ونفسية على المواطن، منها ارتفاع نسبة الطلاق والقضايا المرتبطة بعدم تأدية الديون، ما يساهم في تفكك الأسر و قطع العلاقات الاجتماعية. هشام نزيه فاعل جمعوي ببنكرير استقاهما: عادل بلقاضي (مراكش) الطبع يغلب التطبع في الوقت الراهن وفي ظل الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنات والمواطنين، لا يختلف اثنان حول لهيب ارتفاع الأسعار، خصوصا المحروقات والنقل والخضر ومواد غذائية أخرى شتى، مما تسبب في محنة المواطن المتوسط والضعيف الدخل وإثقال كاهله بمصاريف زائدة لم يألفها أو يعرفها من قبل. ولا يخفى علينا متتبعين للشأن العام، أن هذا الارتفاع في الأسعار، خصوصا في الأسمدة والأعلاف والبذور والأدوية الفلاحية، سيؤثر لا محالة على الأوضاع الاجتماعية في مناسبة كبيرة قادمة هي عيد الأضحى، فإذا مر شهر رمضان في ظروف طبيعية دون تأثير واضح على القدرة الشرائية، فلا ريب سيؤثر اقتناء أضحية العيد لهذه السنة على المواطن بشكل صارخ، لأن الكساب أو الفلاح كلفته تربية الأكباش وتسمينها ضعف المصاريف مقارنة مع السنة الماضية، ناهيك عن الموسم الفلاحي الجاف الذي نمر به، لذلك أتوقع ارتفاعا صاروخيا في ثمن أكباش العيد المقبل، وسينعكس الأمر سلبا على جيوب المواطنين، وستؤثر الأزمة في صفوف الطبقة الهشة أو الشريحة الشعبية الفقيرة . وإذا كان هذا الوضع يفرض على المواطنين تغيير نمط حياتهم اليومية، بالتخلي عن بعض العادات المعيشية، المرتبطة بالتبضع الزائد عن اللزوم، وتعويضه بالاقتصاد في المصاريف والتقشف باقتناء المواد الرئيسية والأساسية، وإذا كانت حالة الأسواق لا زالت عادية، إذ يظهر لأي ملاحظ وهو يتتبع أحوال ومظاهر حركية الحياة العامة واليومية للناس بالمدن والبوادي، أن العرض متوفر بكثرة ولا يظهر أي خصاص في مادة ما، وأن المواطنين بدورهم يتكيفون مع هذا الارتفاع في الأسعار بدون تقشف أو تراجع عن اقتناء حاجياتهم التي تعودوا عليها قبل الأزمة، فلا زال الناس يستهلكون ويتنقلون ويسافرون ويرتادون الأسواق الكبيرة بالمدن والأسواق الأسبوعية بالأرياف ويشترون السيارات الجديدة، وكأن لا أثر لاشتعال أثمان الأسعار على جيوبهم وقدرتهم الشرائية، أم أن الطبع السائد لدى المغاربة يغلب الظرفية الحالية؟. وقد لاحظنا من خلال زيارتنا لبعض الأسواق، أن الطبع يغلب التطبع، بمعنى أن المواطن المغربي يتكيف مع جميع الظروف وأنه لا يفكر في سلك مبدأ التقشف ومقاطعة بعض المواد غير الضرورية. عبد الواحد سعادي (مستشار جماعي) الحاجة والتباهي بلغت ظاهرة غلاء الأسعار مستويات عالية نظراً للزيادات الكبيرة والمتتالية، التي طرأت على كلفة المعيشة (أسباب محلية وأخرى عالمية)، باعتبار أن معظم المغاربة أصبحوا يعانون هذه المشكلة، ورغم ذلك لا زال الناس يستهلكون بشكل شره، إذ أصبح النمط الاستهلاكي العشوائي والشراء نوعا من التقليد الأعمى ومصدراً للتباهي والتفاخر بين الآخرين، فهناك من يشتري أكثر بكثير مما يحتاج إليه ويستهلكه، إضافة إلى الانجرار وراء الحملات الترويجية، التي تسعى لإفراغ جيوب المواطنين، بشراء كل ما تقع عليه أعينهم، ويرجع أيضا الاستهلاك المفرط وموجة الشراء المستمرة إلى ربط الناس لحجم الاستهلاك لدى أي أسرة بجودة الحياة ومستواها، وهو الأمر الذي يجعل معظم الأفراد في منطقة الظهور بهذه الجودة والإمكانية (التباهي)، إذ يصبح الغرض من شراء أي منتج فعليا ليس هو الحاجة أو اتصافه بالجودة والاستدامة، بل من أجل التباهي وفق صيحات الموضة أو الانتماء لطبقة معينة، إذ نجد مثلا السيارة حاجة وضرورة، ولكن تغييرها كل سنة لا داعي له، والهاتف ضرورة ولكن تغييره كل ستة أشهر أو سنة يعتبر سلوكا استهلاكيا، وأحيانا تتحول المجاملات الاجتماعية (المناسبات) من ضرورة إلى استهلاك، وبالتالي يتحول الإنسان إلى كائن مستهلك، وبالتأكيد يؤثر ذلك على موازنته أو مصروفه بشكل يستحيل معه الادخار مما يدفعه للاقتراض وهكذا دواليك. ويلجأ أغلب المستهلكين عندما يتوجهون إلى المتاجر والأسواق ومحلات البيع بالتقسيط وشبكات التواصل الاجتماعي، إلى اتباع أسلوب الشراء العشوائي، الذي ساهم في تعزيز الثقافة الاستهلاكية لدى المغاربة، لاعتماد مشاهير التواصل الاجتماعي على الإعلانات وعرض المنتجات مما يشجع الشباب على الرغبة في الشراء والتقليد في اقتناء البضائع، مما ساهم في إثقال كاهل الأسر ودفعها إلى الاقتراض وتكبد عناء الديون من التبضع، بل يعتقد البعض أنه من الضروري، أن يجاري الموضة في ذلك حتى لا يكون أقل من أقرانه أو لمجرد عرض المقتنيات في التواصل الاجتماعي. وأعتقد أنه قبل أن نطالب بتغيير سلوك التجار والشركات، (سلوك التاجر هو رد فعل لسلوك المستهلك وليس العكس)، لابد من تغيير عاداتنا الاستهلاكية، لذا من المفروض أن تكون من أولويات اهتماماتنا في الوقت الراهن خلق وعي ثقافي استهلاكي للمستهلك المغربي. المامون احساين (مؤطر تربوي) استقاهما: أحمد ذو الرشاد (الجديدة)

شهادات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

طاقم المنتخب يتنفس الصعداء

مركب فاس يجر بنموسى للمساءلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات