fbpx
حوادث

عنف الملاعب … إرهاب رياضي

الظاهرة اتخذت أشكالا جديدة من العنف تكتسي طابعا جنائيا ومطالب بوضع حد للمعضلة قبل فوات الأوان

“هذا مابقاش شغب الملاعب أو عنف رياضي بسبب غضب يتعلق بخسارة الفريق أو استفزاز الجمهور الخصم، هذا راه تنظيم إجرامي وفعل يمكن وصفه بالإرهاب”…
من بين التعليقات الغاضبة التي تم تداولها لدى الرأي العام، تفاعلا مع أحداث العنف غير المسبوقة عقب انتهاء المباراة
التي جمعت فريقي الرجاء الرياضي وسريع وادي زم الأحد الماضي.

إنجاز: محمد بها

أعادت أحداث الشغب والعنف التي شهدتها أحياء خريبكة وضواحيها بعد انتهاء المباراة التي جمعت وادي زم الذي اضطر بسبب تأخر الأشغال التي عرفها ملعب المدينة إلى استقبال ضيفه الرجاء الرياضي بملعب الفوسفاط، (أعادت) ظاهرة شغب الملاعب إلى الواجهة، وأثارت النقاش حول أسباب تكرار هذه الممارسات التي لا علاقة لها بالرياضة، وتجاوزت الشغب الرياضي إلى ممارسات إجرامية تكتسي طابعا جنائيا، قبل أن تتطور إلى أفعال يمكن وصفها ب”الإرهاب الرياضي” لما تثيره من رعب وخوف في نفوس الضحايا ومس بالأمن والنظام العامين.

تنظيمات إجرامية
ظاهرة الشغب لا تنحصر في أنصار فريق معين بل تتوزع على عدة مدن، إذ لم يعد الحاملون لصفة “مشجع” أو “جمهور” يتراشقون فيما بينهم بالحجارة أو يهتفون بالشعارات الحاطة من كرامة بعضهم البعض، بل لجأ عدد من أنصار الفرق الممارسة ببطولاتنا الوطنية، إلى إثارة الشغب والتكسير والسرقة، في خرق سافر لأعراف “المشجع الرياضي” المعروف عنه الروح الرياضية والسلم واحترام الآخرين والتنافس الشريف على رقعة الميدان والإبداع في المدرجات فقط.
وتكفي متابعة تحركات عدد من المشاغبين المنتمين إلى أنصار الفرق الوطنية، سواء أثناء توجههم إلى الملعب لمتابعة مباراة فريقهم أو عند العود إلى ديارهم، لمعاينة مشاهد الشغب التي يثيرونها في الشارع العام والأزقة التي يسلكونها، فإضافة إلى حوادث التحرش بالنساء والخصوم، يتم ارتكاب أعمال السرقة والعنف والشغب وإلحاق خسائر في سيارات تابعة للمصالح الأمنية والمؤسسات العمومية وكذا الممتلكات الخاصة وواجهات المحلات التجارية، ورشق سيارات المواطنين بالحجارة.
في الوقت الذي كان المشجع يحتاج إلى تذكرة الدخول إلى الملعب وقنينة ماء وبعض المأكولات لقضاء وقت رائع في متابعة مباراة فريقه المفضل، أصبح اليوم عدد كبير من المحسوبين على فئة الأنصار والجمهور يحرصون قبل كل شيء على حمل سكاكين وسيوف وسواطير، وكذا عصي وعكاكيز وحجارة، وهي الوسائل التي يستعين بها كل شخص في تهديد خصومه أو للدفاع بها في المعركة التي تندلع بمجرد مهاجمته.

تعنيف القوات الأمنية
لم يعد الشغب منحصرا في تبادل العنف مع الجمهور المنافس، بل تجرأ عدد من المشاغبين إلى المس بهيبة المصالح الأمنية، إذ أسفرت أحداث الشغب التي شهدتها ملاعبنا الوطنية في عدد من المدن، عن إصابة عدد من رجال الأمن الوطني والقوات المساعدة، إصابات خطيرة باستعمال الشهب الاصطناعية أو الرشق بالحجارة.
ولم يكتف المخربون بتكسير سيارات القوات العمومية بالحجارة، بل عمدوا في كثير من الأحداث إلى تعمد إصابة رجال الأمن لتصريف حقد دفين ضد موظفين ذنبهم الوحيد أنهم يعملون جاهدين لتطبيق القانون وحماية أمن الوطن والمواطن.

حرق المحاصيل
من بين السلوكات غير المسبوقة، التي استهجنها الرأي العام وتبرأ منها الجمهور “الرجاوي الحقيقي” قيام بعض المشجعين الرجاويين الذين لا يعترفون بالروح الرياضية، بإضرام النار في بعض المحاصيل الزارعية بضواحي خريبكة وهي الأفعال الإجرامية التي تكتسي طابعا جنائيا تصل عقوبته إلى 20 سنة.
وتم تداول أشرطة فيديو تظهر مجموعة من الشباب المشكلين للجمهور الرجاوي، وهي تضرم النار في محاصيل زراعية، إذ انتشرت النيران، وهي المشاهد التي بثت الرعب في نفوش مشاهديها وجعلتهم يتساءلون ما ذنب المزروعات وممتلكات الناس؟ قبل أن يصفوا هذا النوع من السلوكات بالإرهاب الذي يتسوجب عقوبات مشددة، لأنه لا يقل فظاعة وخطورة عن باقي أفعال الجماعات الإرهابية. وينص الفصل 581 من القانون الجنائي على أنه يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة من أوقد النار عمدا في شيء غير مملوك له من الأشياء التالية: مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى غير ثابت أو متنقل أو باخرة أو سفينة أو ورش أو متجر إذا كان غير مسكون ولا معد للسكنى.
ويعاقب بالعقوبة نفسها إذا تعلق الأمر بإضرام النار في ناقلة أو غابات أو أخشاب مقطوعة أو موضوعة في حزم أو أكوام مزروعات أو تبن أو محصول موضوع في حزم أو أكوام عربات فارغة أو عامرة ببضائع النار عمدا في أشياء مملوكة للغير.

عشوائية التنظيم
رغم ثبوت الأفعال الإجرامية التي ارتكبها مشجعو عدد من الفرق في أحداث الشغب التي شهدتها منافسات البطولة الوطنية سواء تعلق الأمر بالموسم الماضي أو الجاري بالصوت والصورة، إلا أنه لا بد من البحث عن العوامل التي ساهمت في وقوع هذه الأحداث الخطيرة التي تخدش صورة الرياضة ببلادنا. وبالرجوع إلى مشاهد الفيديوهات والصور المتداولة، يظهر تورط قاصرين ضمن فئة باقي مرتكبي أحداث الشغب، وهو ما يكشف أن لجنة التنظيم مازالت ترتكب أخطاء كارثية بالسماح بدخول القاصرين، وهو ما يعاكس قرارات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي أصدرت في 2015، قرارا مهما منعت بموجبه القاصرين من ولوج ملاعب كرة القدم إلا إذا كانوا مصحوبين بأولياء أمورهم، ضمن الإجراءات التي اتخذتها لاحتواء شغب جماهير كرة القدم، غير أن القاصرين مازالوا يلجون الملاعب دون حسيب ولا رقيب، ما جعلهم يتحولون إلى وقود للشغب والفتنة.
وليس هذا فحسب، فالعشوائية في التنظيم والتقصير في تطبيق القانون من قبل المنظمين، يتمثلان في السماح المشبوه بدخول المشجعين بشكل يجعل الجماهير تتجاوز عدد التذاكر المخصصة، كما أن ضبط دخول وخروج الجمهور لا يتم بالشكل الدقيق الذي يمنع التسلل إلى الداخل بالقفز من السياج الحديدي أو الازدحام في بوابات الملعب، أثناء محاولة الخروج بعد انتهاء المباراة.

تقديس الإلترات
إذا كانت الفصائل المشجعة للفرق المغربية بالبطولة الوطنية، تعتبر ملح الطعام الذي يجعل المباراة ممتعة، ويشجع عددا من العائلات والأفراد إلى الإسراع للذهاب إلى الملعب لمتابعة المباراة ومشاهدة ما يحدث في المدرجات والانخراط في التشجيع الجماهيري الذي يتميز بجو احتفالي رائع ويثير “لومبيونص» الذي لا يمكن عيشه في المقهى أو البيت، وإذا كان حضور روابط الالترا من خلال ما تصنعه عناصرها من فرجة واحتفالية في المدرجات، يكون له أثر إيجابي على صورة المغرب، ويساهم في إنجاح التظاهرات التي ينظمها، إلا أن بعض السلوكات غير القويمة زادت من حدة ظاهرة الشغب في المباريات، في ظل العقلية التي تقوم عليها، والتي تقدس الالترا على الفريق وتتعصب لها.
ومن أشكال العنصرية ما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعي من تدوينات استفزازية ومحرضة على العنف، الأمر الذي تنتج عنه اصطدامات واحتكاكات بين الجماهير في الواقع، بل حتى مع سكان المدينة الذين لا علاقة لهم بكواليس الصراع، كما حدث في ما أصبح يعرف بالخميس الأسود في البيضاء، من قبل بعض المحسوبين على مناصري فريق الجيش الملكي الذين عاثوا فسادا في شوارع العاصمة الاقتصادية، أو كما وقع في خريبكة التي تعرضت ممتلكات الناس فيها للتخريب إلى درجة حرق المحاصيل الزراعية وتخريب واجهات المنازل والمحلات التجارية وسرقة عدد منها، أصحابها أشخاص عزل لا علاقة لهم بالكرة من قريب أو من بعيد.

فيسبوكيون يعتبرونه “سيبة” ويطالبون بمنع التنقلات
تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مع أحداث الشغب التي شهدها عدد من المدن خلال المدة الأخيرة، المتعلقة بممارسات بعض الأنصار المحسوبين على فريق الوداد الرياضي بجنبات مركب محمد الخامس قبل الدخول إلى الملعب لمتابعة مباراتهم الأخيرة ضد فريق بترو أتلتيكو الأنغولي ضمن منافسات أبطال إفريقيا، وووقائع في مباراة الجيش الملكي ضد المغرب التطواني بملعب أدرار في أكادير، بعد اندلاع معركة التراشق بالحجارة وتبادل العنف بين المشجعين المحسوبين على الفريق العسكري والفريق السوسي، قبل أن تكون واقعة مبارتي الرجاء الرياضي ووادي زم النقطة التي أفاضت الكأس وأعادت النقاش حول ظاهرة تقتضي التحرك قبل فوات الأوان. من بين التدوينات الفيسبوكية التي تم تداولها تعليقا على أحداث شغب الملاعب قول إحدى الناشطات وهي أم “باعتباري أم ولدي أبناء صرت أخاف على أبنائي وأمنعهم من متابعة المباريات في الملعب خوفا على أن يعودوا إلى في صندوق كما وقع لعدد من الأمهات. الصراحة هذي سميتها السيبة ولا علاقة لها بشغب الملاعب». وهي التدوينة التي تفاعل معها أحد الشباب بالقول “الله يسمح لينا من الوالدين، عندك الحق أخالتي هؤلاء ليسوا جماهير كرة القدم بل عصابات لا علاقة لها بالكرة و لذلك يلزم الدولة القيام بتحرك قوي ضد من يهدد استقرار وأمن الوطن والمواطنين، حيت هادشي فات حدو». وتساءل أحد الموظفين باستنكار ” شنو كتسنى من مشجع كله عقد نفسية ومن قاصر يعيش المراهقة؟ وشنو كنتسناو من جانح لا يشتغل وينتظر من أمه أن تعطيه ثمن التذكرة وفلوس الطرانسبور ؟ أكيد غايكون باغي يخرب ويسرق ويتحرش ويعنف الآخرين حيث فعوض مايقلب على خدمة تابع الخوا الخاوي».
ومن الحلول التي أجمع عليها عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف انتماءاتهم، منع تنقلات الجمهور إلى المدن الأخرى لمتابعة فريقهم، وتفعيل القانون في حق من تبث تورطه بعقوبات زجرية، مشيرين إلى أن أهم قرار وجب اتخاذه اقتصار الحضور على جمهور الفريق المستقبل، ومنع القاصرين من الدخول إلى الملعب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى