3 أسئلة إلى * سعيد لكحل < مجال "الدعوة الدينية" بات يعرف تسيبا لا حدود له ولا رادع . وقد شجع على هذا التسيب غياب القوانين المنظمة لهذا المجال كما هو الحال بالنسبة إلى باقي المهن، على اعتبار أن الدعوة صارت مهنة يتطاول عليها كل من ربى ذقنا وأسدل لحية. هذا التسيب هو تطاول على مجال إمارة المؤمنين التي يطوقها الدستور بحماية الملة والدين وضمان الأمن الروحي للمغاربة . فالأمن الروحي لعموم المغاربة. بات مهددا بسبب تناسل الفتاوى وتنافس الدعاة على الإفتاء، علما أن أمر الإفتاء في القضايا الكبرى والعامة من اختصاص لجنة الفتوى التابعة للمجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه أمير المؤمنين. وما يشجع على هذا التسيب وتفريخ الدعاة هو العائد المالي الذي يتلقاه الدعاة من "يوتوب" تبعا لعدد المتابعين/المشاهدين. بهذا تحولت الدعوة إلى نشاط ربحي لا يهمّ مدى توافقه مع ثوابت الشعب المغربي وهويته الثقافية والمذهبية. فهؤلاء الشيوخ بات هدفهم هو المال وليس الدين الذي جعلوا منه تجارة. ومن أجل ضمان العائد المالي ورفع مبالغه، يعمد هؤلاء الشيوخ إلى إصدار فتاوى شاذة أو مهاجمة فنانين أو مفكرين واتهامهم بالكفر والفسوق. وهذا أمر خطير لأنه يجعل من الدين، الذي هو لحمة المجتمع المغربي والمشترك بين كل أبنائه، عامل تفرقة. < يتميز هؤلاء الشيوخ بقلة زادهم المعرفي وبسطحية تفكيرهم الذي لا يختلف في شيء عن تفكير عامة البسطاء من الناس. فلا فرق بين طريقة تفكير هؤلاء الشيوخ وطريقة الفئات البسيطة من المواطنين، ولربما نجد من بين البسطاء من هم أكثر وعيا وإدراكا لكثير من المواضيع والحقائق. وخير مثال هنا مسألة "كروية الأرض" التي ينكرها عدد من هؤلاء الشيوخ وكذا قانون الاصطفاء الطبيعي وتطور الكائنات الحية، ثم الحقائق الطبية حيث يفتي هؤلاء بما يتناقض مع الطب مما يعرض حياة المرضى للخطر، وقد توفي مواطنون بسبب التزامهم بالفتاوى بدل نصائح الأطباء. إن هؤلاء الشيوخ يتغذون على الجهل والتجهيل ويعملون على إشاعتهما. لهذا نجدهم يثيرون المواضيع السخيفة حتى تشغل المواطنين عن الأهداف السامية للدين وقيمه: التسامح، التعايش، الجدال بالتي هي أحسن، الإحسان لكل الناس بدءا من الجيران، المعاملة بالرفق، إماطة الأذى عن الطريق، نظافة الحال والمكان والمجال، الصدق في المعاملة والإخلاص في العمل والالتزام بالمواعيد والحفاظ على الأسرار وأداء الأمانات والوفاء بالعهود، والعدل مع الأولاد والأزواج... ولا يخلو حديث أحدهم من اللمز والغمز والطعن في أعراض من يخالفه أو من لا يرضى به أو عنه ضدا على نهي الرسول الكريم (ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)، ولعل تهجم ياسين العمري على الشيخة خير دليل على ضحالة الفكر وانعدام المروءة. وما دام هؤلاء الشيوخ يسعون إلى المال والاستزادة منه، فهم يصدرون فتاوى شاذة أو يهاجمون الأعمال الفنية أو يستهزئون بفنانات بغرض رفع أعداد متابعيهم. < الملاحظة المباشرة تكشف الاستغلال المفرط لوسائل الاتصال الحديثة من قبل هؤلاء الدعاة بخلاف بقية العلماء والفقهاء أعضاء المجالس العلمية الذين يعملون ويرشدون الناس في تواضع وصمت لأنهم لا يريدون شهرة ولا "بوز" . فوسائل الاتصال الحديثة بالنسبة إلى هؤلاء الشيوخ كالماء بالنسبة للسمك، بدونها ينقطع عنهم الريع وتجف مواردهم. فمن أجل المال يبيح الشيوخ مهاجمة العلم والتنوير والفنون في الوقت الذي ينشرون فيه الخرافة والرقية والجهل ومعاداة العقل من أجل الرفع من مداخيلهم. إن شعارهم "الغاية تبرر الوسيلة". خطورة هذا الأمر تتمثل في إفساد العقيدة (والدليل أن عددا من الدعاة المشارقة تراجعوا عن فتاواهم واعتذروا لضحاياهم)، وتمزيق النسيج المجتمعي بخلق صراعات وعداوات بين الأفراد في الأسر والعائلات والمجتمع وعرقلة تحديث المجتمع. أجرى الحوار: عزيز المجدوب * باحث في الحركات الإسلامية