مدونة أخلاقيات “تعتقل” الحياة الخاصة للقضاة

الجباري: قيدتها ببعض الالتزامات دون سند قانوني وخرجت عما هو مسطر لها أثارت مدونة الأخلاقيات القضائية نقاشات واسعة، خصوصا في الجانب المتعلق بالحياة الخاصة للقضاة. وانقسمت النقاشات بين من اعتبر أن المدونة خرجت عما هو مسطر لها في المادة 106 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبين من يرى أنه كان من الأجدر ربط تأثير الحياة الخاصة للقاضي على حياته العملية. وتنص المادة 106 على أنه "يضع المجلس، بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة، مدونة للأخلاقيات القضائية تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها، أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية". في هذا السياق، قال عبد الرزاق الجباري، الكاتب العام لنادي قضاة المغرب، إن ما يستشف من خروج المدونة على منهج المشرع المومأ إليه، هو تعديها، في صياغة "النماذج التأديبية الاسترشادية" لسلوكات القضاة، المرتبطة بممارسة مهامهم ومسؤولياتهم القضائية، إلى السلوكات المرتبطة بحياتهم الشخصية والخاصة، خلافا لصريح ما نصت عليه المادة 106، إذ قامت بجرد الالتزامات الملقاة على سلوك القضاة خارج حدود اختصاصها القانوني المحدد، حصرا، في "السلوكات المرتبطة بممارسة مهامهم ومسؤولياتهم القضائية". وأضاف الكاتب العام أن هناك من يقول إن المدونة نحت، في هذه المسألة، أي التدخل في الحياة الخاصة للقاضي، منحى مبادئ "بنغالور" للسلوك القضائي، التي تعتبر وثيقة أممية معتمدة في هذا الشأن، وهو ما لا يستقيم مع فلسفة هذه الأخيرة، ذلك أن تقييد الحياة الخاصة للقضاة، وفقها، مرهون بمدى انعكاس سلوكهم الشخصي على ممارسة المهام المنوطة بهم، إذ جاء تقرير ذلك في التعليق على الوثيقة المذكورة، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، "يجب أن ينعكس تصرف القاضي على المكونات الأساسية لقدرته على أداء العمل المخول إليه، وهي: العدل، والاستقلالية، واحترام عامة الناس، بالإضافة إلى انعكاسه على وجهة نظر الناس في مدى أهليته للقيام بعمله». وأشار الجباري إلى أنه، من هذا المنطلق، يتبين عدم صواب ما ذهبت إليه مدونة الأخلاقيات القضائية بخصوص معالجتها للحياة الخاصة للقضاة، إذ قيدتها ببعض الالتزامات دون أي موجب من القانون، خصوصا أن منهج هذا الأخير كان واضحا في حصر تدخلها في السلوكات المرتبطة بممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية لا غير، ومعلوم أن "السكوت في معرض البيان يفيد الحصر"، كما هو مقرر في محله من علم الأصول. وبالتالي، تكون معه المقتضيات المتعلقة بالحياة الخاصة للقضاة متجاوِزة لإرادة المشرع، وتظل في حاجة ماسة للتعديل بما ينسجم مع صريح القانون وروحه وفلسفته. ويعتبر قضاة أن المدونة تحترم المنهج التشريعي المأمور به قانونا، خاصة في ما تضمنه البند 4 في المادة 14، على أنه "يحصن القاضي حياته الخاصة لتكون فوق الظنون والشبهات، من خلال إعطاء المثال والقدوة الحسنة في التعامل مع المحيط العائلي ومع العموم، والشيء نفسه في البند 4 من المادة 23، الذي ينص على أنه "يتقبل القاضي القيود المفروضة على الحياة الخاصة للقضاة، والتي قد تبدو عبئا بالنسبة إلى المواطن العادي، ويتصرف ويتماشى مع كرامة وشرف رسالة القضاء». كما أن المدونة حددت طريقة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ونصت على أنه يلتزم القاضي بدرجة عالية من الحذر عند التعبير عن آرائه ومواقفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء أفصح عن صفته القضائية أم لا، وسواء تعلق الأمر بالشأن القضائي أو بحياته الخاصة أو بأي شيء آخر، وهي تقييدات خارجة عن الإطار القانوني لمدونة الأخلاقيات وتفتح حسبهم الباب على مصراعيه للتأويلات التي قد لا تكون في صالح القاضي. كريمة مصلي

مدونة أخلاقيات “تعتقل” الحياة الخاصة للقضاة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

غموض في صرف ملايير مكتب المؤلفين

كل فاتح...

مقالات ذات صلة