ليست ظاهرة عامة

< للإجابة عن هذا السؤال سننطلق من سؤال آخر، هل السحر ينتشر خلال رمضان وخارج شهر رمضان أيضا؟ ذهبت عدد من الدراسات، خاصة الكولونيالية منها، إلى القول إن المغرب كما هو الشأن بالنسبة إلى باقي دول شمال إفريقيا، عرف انتشارا واسعا لثقافة سحرية ممتدة في القدم، وكان هدفها وراء هذا القول، إسقاط فرضية العقلية البدائية كما هي عند المدرسة التطورية، على المجتمع المغربي، لإثبات شيوع مظاهر السلوك البدائي فيه، عبر انتشار مظاهر السحر داخله، مقارنة مع المجتمعات الغربية. لذلك ربطت هذه الدراسات بين السحر والعالم القروي، حيث يبرز دور الأمية عاملا محددا في انتشاره، وبين السحر والمرأة، باعتبار النساء هن الأكثر ممارسة للسحر، وبين السحر وانتشار الأولياء، إذ تعرف الزوايا والمواسم انتشارا واسعا للطقوس السحرية.غير أن افتقار الباحثين اليوم لمعطيات رقمية دقيقة حول الظاهرة، يحول دون الحكم بانتشارها وتوسعها، خاصة أن التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي والمتمثلة في ارتفاع مستوى التمدرس وتعميمه، ودور الإعلام في رفع منسوب الوعي، وما عرفته البوادي خلال العقود الأخيرة من تحولات قيمية وثقافية، كان له تأثير ودور في تراجع مظاهر الطقوس السحرية وتقلصها. وإذا كان المركز الأمريكي بيو للأبحاث قدم تقريرا في 2000 يرصد من خلاله انتشار مظاهر السحر بالمغرب، بنسب تتجاوز 80 في المائة من بين المستجوبين، فإن ذلك يرجع لطبيعة المؤشرات التي اعتمدها، إذ أنه أدخل في الاعتبار الاقتناع بوجود الجن من عدمه، والإيمان بالسحر، والاعتقاد في العين... وهي قضايا يؤمن بها المغاربة من منطلق ديني، لكنه عندما أدخل مؤشرا يرتبط بشكل مباشر بالطقوس السحرية والمتمثلة في تقديم القرابين، لم تتجاوز النسبة 3 في المائة ممن يتفقون مع هذا الفعل. لذلك فإن ما يظهر خلال الأيام الأخيرة من رمضان من ممارسة البعض لمظاهر الشعوذة، قد تكون له علاقة ببقايا السحر القديم وترسباته في المخيال الشعبي، والتي لا ترقى للممارسة السحرية المكتملة، إلا عند فئة قليلة من الناس، إذ تبقى الطقوس السحرية خلال هذه الأيام حالات معزولة لا ترقى إلى أن تتحول إلى ظاهرة عامة. < يمكن إرجاع انتشار الممارسات السحرية عند البعض إلى عوامل متعددة، منها ما يرتبط بضعف الوازع الديني، ومنها ما يرتبط بالوعي الثقافي، ومنها ما يرتبط بالعوامل النفسية، ومنها ما يرتبط بانتشار الفقر والهشاشة والإقصاء وحجم الإحباط الاجتماعي العام. ويظهر ذلك جليا من خلال ارتفاع عدد المشعوذين الذين يوظفون الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لاستهداف جمهور من خارج المغرب، إذ تتحول الممارسات السحرية إلى تجارة مدرة للدخل ووسيلة لمحاربة الفقر، فقد ظهر جيل من المشعوذين الشباب، له قدرة على تسويق ذاته إعلاميا، بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي للدعاية والتسويق الرقمي لمظاهر السحر. < المجتمع المغربي يتعامل مع الظاهرة بنوع من الرفض وعدم القبول، خاصة أنها تتسبب، حسب زعمه، في مخاطر صحية ونفسية واجتماعية جمة، إذ يلجأ البعض للممارسات السحرية من أجل زرع الشقاق أو الإيذاء في العمل، وفي بعض الأحيان من أجل الكراهية والحسد والفشل، أو من أجل جلب المحبة، أو الرغبة في معرفة المستقبل... كل ذلك باستخدام الذبائح وبقايا الطعام وصور الضحايا والطلاسم والتعازيم. لذلك فالرفض لا يكون من منطلق ديني قيمي أو ثقافي فقط، ولكن أيضا من منطلق براغماتي يتمثل في الخوف من الأذى، كما أن فئة من المجتمع باتت ترفض استخدام البعض لشماعة السحر لتبرير عدم قدرتهم على حل مشاكلهم الاجتماعية أو المادية أو النفسية المستعصية. أجرت الحوار: ايمان رضيف * أستاذ علم الاجتماع بجامعة المولى سليمان بني ملال

ليست ظاهرة عامة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تجذر‭ ‬الخرافة

الكرة النسوية تسوي وضعيتها

مقالات ذات صلة