طقوس تتجدد سنويا في تجاور بين التدين والإيمان بفعاليتها رغم الرحلة الشاقة والطويلة التي قطعها الفكر البشري للانتقال من "الخرافة" إلى "العلم"، فإن المسافة بين هذين الحدين لم تحدد أبعادها إلى يومنا هذا، وما زال التجاور قائما بين المجالين، بل والتداخل أيضا، بشكل يجعل "الخرافة" تنتصب في وجوهنا في كل لحظة وتعاود الدخول من النافذة، هذا إذا جزمنا وقلنا إنها خرجت من الباب. إنها "الخرافة" نفسها التي تأبى إلا أن تتغلغل في مسام حياتنا اليومية، وتأخذ مظاهر متعددة ومختلفة، لكن يظل القاسم المشترك بينها هو اعتقاد بعض الأفراد، في القدرة على اختراق قانون الطبيعة، وإخضاع قوى وهمية خارجة عنه، في سبيل قضاء رغبة شخصية لم يتيسر تحقيقها بشكل واقعي. وتشكل الطقوس المصاحبة ل"ليلة القدر" وجها من وجوه استمرار تجذر الفكر الخرافي في بنية المجتمع المغربي، كما يعكس التسابق المحموم من قبل بعض الفئات على اقتناء لوازم تحضير الخلطات السحرية للإيقاع بالآخرين أو الرغبة في إيذائهم بطريقة أو أخرى، نوعا من التخلف الذهني الذي ما زال يضرب أطنابه في العقول. والمثير في طقوس الشعوذة التي تتجدد مع "ليلة القدر" هو محاولة مزاوجتها بالطقوس والشعائر الدينية، ما يجعل التساؤل مطروحا حول نجاعة دور التدين في الحد من الاعتقاد في الخرافة أم أنه يزيد في التمسك بالإيمان بفعاليتها مع تحريمها في الوقت نفسه. ويمكن القول في هذا السياق إن انتشار الإسلام بالمغرب منذ أربعة عشر قرنا، لم يحل دون الحد من تركيز الفكر الخرافي لدى فئات واسعة من المغاربة خاصة أن المنطقة شهدت انصهار وائتلاف بعض معتقدات العديد من الديانات منها البوذية واليهودية والمسيحية بأخرى إسلامية، إضافة إلى انتشار السحر والشعوذة في تلك المناطق قبل مجيء المسلمين، وهو ما جعل هذه العناصر تستمر متداخلة جنبا إلى جنب دون أن يلغي أحد الآخر. ولهذا فقد لا نستغرب عندما نجد أن الشعوذة والسحر باعتبارهما نشاطين مستهجنين ومحرمين من قبل الدين الإسلامي، لكن في الوقت نفسه يعترف بفعاليتهما، يحافظان على حضورهما لأكثر المناسبات الدينية روحانية، وهي ليلة القدر، التي تشهد استنفارا خاصا من قبل المعتقدين في جدوى السحر والشعوذة الذين يسارعون الوقت من أجل تحقيق غاياتهم الواقعية بوسائل غيبية. ويعكس انتشار الشعوذة بالمجتمع المغربي سيادة الثقافة التقليدية اللاعقلانية، إذ يتم تفسير كل شيء بالغيب، ورغم ارتفاع مؤشرات التدين عند المغاربة، إلا أنها لا تعني تحولاً جوهرياً في بنية المجتمع الثقافية، بل إن بعض الممارسات والعادات القديمة ذات الأبعاد الغيبية ما زالت سائدة بين فئات عريضة من هذا المجتمع، ولعل هذا راجع إلى تفاقم الأزمات وتداخلها، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية بين هذه الفئات مع تنامي حاجاتها، ما يزيد من تعاطيها بعض الممارسات الغيبية لحل مشاكلها. عزيز المجدوب