العنف بدل الرحمة والسكينة

تسائل مظاهر التدين في رمضان الباحثين والمهتمين بالشأن الديني وعلم الاجتماع، بالنظر إلى ما يمكن أن تحمله من تكثيف للعمق الديني المترسخ لدى المغاربة، والتي تطفو بشكل واضح خلال رمضان، باعتباره شهر الروحانيات، والتعبد، بكل طقوسه الاجتماعية، من الإقبال على صلاة التراويح، إلى ممارسة أفعال الخير والإحسان. وتطرح هذه الظواهر اختلافا في الرؤى، لدى المتتبعين، بين من يعتبرها أمرا طبيعيا، بالنظر إلى عمق الهوية الإسلامية وتجذر الإسلام في المخيال الجماعي للمغاربة، وبين من ينتقد الظاهرة، معتبرا إياها مجرد نفاق ديني، بعيد عن مظاهر الروحانيات. ويرى سعيد ناشيد، الباحث في الشأن الديني، أن تلك المعادلة تستعصي عن الحل في الواقع، مؤكدا أنها معادلة شائكة بالفعل، في سياق وضعية تتميز بقدر عال من التعقيد، شأنها في ذلك شأن كل الظواهر الإنسانية. ورغم تعقيدات الموضوع، يرى الباحث ناشيد أن الصوم "أياما معدودات" بالتعبير القرآني، وهو طقس ديني عرفته معظم الديانات قبل ظهور الإسلام، غايته الأساسية في كل التجارب الدينية، أن يكون تمرينا روحيا يكتسب فيه المرء القدرة على التحكم في غرائز الجشع والنهم، ومن ثم التحكم في النفس، وحسن تدبير الاستهلاك اليومي، أو هكذا يفترض. إن هذا الهدف المنتظر في مستوى المقاصد الروحية للصيام "أياما معدودات"، يضيف ناشيد، في تحليل للظاهرة، يظل بعيدا عن واقع حال المسلمين اليوم، والذي يشهد أن النتائج المتحققة غالبا ما تأتي على النقيض من الأهداف المرجوة، فالأهداف في واد والنتائج في واد آخر. وأكد ناشيد، صاحب العديد من المؤلفات في الشأن الديني والحركات الإسلامية، أنه بدل الزهد والقناعة، يلاحظ إفراط في التبذير والنهم والاستهلاك وفق الإحصائيات الرسمية، وبدل العفة والعفاف، يزداد عدد المشاهدين للمواقع الإباحية، وفق إحصائيات "غوغل"، وبدل الرحمة والسكينة، تكثر مظاهر العنف في النهار وفق ملاحظات الجميع، وهذا ما يجعل الصيام بالنسبة إلى الكثيرين يتحول إلى مجرد طقس قهري بلا معنى. ومن الطبيعي أن يكون الإفراط في مظاهر التدين أحيانا مجرد تغطية على الفشل في تحقيق الغاية والجوهر، يقول ناشيد، مؤكدا أن هناك جانبا مشرقا لا يمكن التغاضي عنه، ولا إنكاره بأي حال من الأحوال، ذلك أن رمضان الذي يحظى في الخبرة الدينية للمغاربة بمكانة خاصة، تجعله يعلو على سائر الشعائر الأخرى التي تحظى بقدر من التساهل في التعامل، يمثل بالنسبة إلى كثير من الأوساط الثقافية والفنية، فرصة سانحة لما يمكننا أن نصطلح عليه باسم الجماليات الروحانية، سيما على الطريقة المغربية، سواء من حيث المظهر والملبس، أو من حيث طبيعة الأنشطة الفنية المفعمة بالسماع الصوفي والطرب الروحي، سواء طيلة رمضان، أم خلال العشرية الأخيرة، والتي تنتهي في العادة عند ليلة عيد الفطر. ويخلص ناشيد في حديثه مع "الصباح" إلى القول إن مظاهر التدين تقاليد عريقة في مختلف المدن القديمة، مثل فاس وتطوان وسلا والرباط، مؤكدا أن هذا الجانب المشرق، الذي يندرج ضمن ما يمكن أن نصطلح عليه باسم الروحانيات الجمالية، قد يمثل بؤرة لتحسين العلاقة مع الشهر الفضيل، بعيدا كل البعد عن كل مشاعر القهر التي تفرغ الصوم من معناه، وتحرمه من مغزاه. برحو بوزياني

العنف بدل الرحمة والسكينة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رمضان بنكهة "المسك" و"التفاح"

زراعة‭ ‬وإنتاج‭ ‬الزيتون‭... ‬سنة‭ "‬كارثية‭"‬

مقالات ذات صلة