البرنوصـي… “كولشـي خـاص”

منطقة جذب صناعي واجتماعي تحتاج إلى جيل جديد من المشاريع والإصلاحات لتعزيز التجربة السابقة تحتاج مقاطعة سيدي البرنوصي إلى أجيال جديدة من المشاريع والبرامج والأوراش ومخططات العمل، لتجاوز الخصاص البنيوي الكبير في التجهيزات والطرق والمرافق العمومية وتأهيل الأحياء الهامشية والاهتمام بقضايا الشباب والنساء والأطفال في الشغل والثقافة والرياضة والترفيه والتنمية والتنشيط المحلي. ورغم المجهودات المبذولة في السنوات القليلة الماضية، مازال السكان يرافعون عن مطالب جديدة، تحقق الانسجام بين مكونات منطقة، تعتبر واحدة من رافعات الاقتصاد المحلي وإنتاج القيمة المضافة، ناهيك عن موقعها المتميز بمدخل البيضاء من جهة الشمال. إعداد: يوسف الساكت يعود اسم سيدي البرنوصي إلى الولي الصالح سيدي البرنوصي الذي حط الرحال بمنطقة زناتة قادما إليها من العراق، وظل يعيش بها إلى أن وافته المنية ودفن في ترابها، ولا يزال ضريحه قائما إلى الآن في شمال المقاطعة قرب طريق مؤدية إلى الحي الصناعي، ويشكل مزارا لبعض الأسر والمؤرخين. وإلى حدود 1983 كانت منطقة سيدي البرنوصي جزءا من الجماعة الحضرية لعين السبع وتابع للنفوذ الإداري والترابي لعمالة عين السبع الحي المحمدي، قبل صدور المرسوم رقم 02/83/372 المؤرخ في4 ماي 1983 التي أحدثت بموجبه جماعة بهذا الاسم. وبموجب المرسوم رقم 02/1/90 المؤرخ في 1 يناير 1991 المتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة، تم إحداث عمالة سيدي البرنوصي زناتة، إذ أصبحت بلدية سيدي البرنوصي واحدة من أهم البلديات المشكلة لهذه العمالة. وإثر التعديل الكبير الذي عرفه الميثاق الجماعي في 2002 من خلال القانون رقم 00/78 الذي تم التنصيص فيه على نظام وحدة المدينة بالنسبة إلى المدن التي يفوق سكانها 500 ألف نسمة، تم إحداث الجماعة الحضرية للبيضاء التي تضم 16 مقاطعة من بينها مقاطعة سيدي البرنوصي. تطور في التاريخ حسب وثيقة حصلت عليها «الصباح» من إدارة المقاطعة، يمكن التمييز بين مرحلتين أساسيتين في تعمير منطقة سيدي البرنوصي: تميزت المنطقة في المرحلة الأولى بمجموعة من المساكن الفردية، المتفرقة تتخللها مروج وأحراش وأراض زراعية، قبل أن تظهر بوادر نزوح مجموعة من السكان القرويين وقاطني الدواوير المجاورة إليها مباشرة بعد إحراز المغرب لاستقلاله. أما المرحلة الثانية، فانطلقت موجة النزوح الكبرى في أواخر الخمسينات، إذ عرفت المنطقة توافدا كبيرا للسكان، خصوصا من «كاريان سانطرال» الذي حمل في ما بعد اسم الحي المحمدي. في وقت لاحق، ومع تسارع وتيرة الهجرات القروية، شهدت المنطقة بروز ظاهرة المساكن المتجمعة، إذ بدأت تظهر معالم التحضر من خلال إقامة مجموعة من الوحدات السكنية المنظمة التي كان يطلق عليها بنايات «كريكوان». ونظرا لانخفاض ثمن العقار من جهة وقرب المنطقة من الشريط الساحلي من جهة أخرى، ازدادت حركة الهجرة إلى المنطقة، إذ عرف عدد السكان ارتفاعا من 20 ألف نسمة بين 1956 و1957 إلى 100 ألف نسمة حسب إحصاء 1982 و164845 ألف نسمة حسب إحصاء 2004 ليصل إلى 172873 نسمة حسب إحصاء 2014 . وبموازاة هذا النمو، عكفت الدولة على وضع تخطيط للمنطقة منذ السبعينات، إذ تم إنشاء مجموعة من الأحياء التي ساهمت في تطوير المنطقة عمرانيا منها: أحياء منصور وبلوك السلاوي والعمارات وبلوك فريد وأحياء طارق ومنصور وكثافة ومشروع حي القدس الضخم الذي يضم عدة تجزئات سكنية. الكل مر من هنا جربت جل الأحزاب حظها في تسيير المقاطعة، إذ مر من هنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، ثم العدالة والتنمية في تجربتين واحدة ضمن أغلبية بين 2009 و2005 وأخرى في تسيير شبه مطلق بين 2016 إلى 2021، علما أن انتخابات شتنبر الأخيرة بكل نتائجها أوصلت تحالفا من ثلاثة أحزاب إلى سدة التدبير، يقوده الأصالة والمعاصرة. نمو سكاني مضطرد تبلغ مساحة مقاطعة سيدي البرنوصي 6.13 كيلومتر مربعا وتقع في الجهة الشمالية الغربية من البيضاء، حيث يحدها شمالا المحيط الأطلسي وغربا مقاطعة عين السبع وشرقا جماعة عين حرودة وجنوبا مقاطعة سيدي مومن. وﺗﺒﻠﻎ اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ اﻟﺴﻜﺎﻧﯿﺔ 13633 ﻧﺴﻤﺔ ﻟﻜﻞ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ (البيضاء 15263 ﻧﺴﻤﺔ ﻟﻜﻞ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ)، بينما يقدر عدد اﻟﺴﻜﺎن ب172873 نسمة ما يمثل 5 في المائة من سكان المدينة. ويهيمن عدد الإناث بشكل طفيف على عدد الذكور، إذ يبلغ عددهن 87666 ما يمثل 50.71 في المائة مقابل 49.29 في المائة للرجال (85227 ﻧﺴﻤﺔ)، كما تتميز المقاطعة بغلبة فئة الشباب، إذ يقارب عدد الأشخاص أقل من 15 سنة 23.39 في المائة، أما الفئة النشيطة (بين 15 سنة و59) فتمثل 66.24 في المائة، وهي تقارب المعدل المسجل على مستوى المدينة. تعثر سنوات تعثرت مقاطعة سيدي البرنوصي عدة سنوات في الالتحاق بركب التنمية المحلية، رغم المؤهلات الجغرافية والإمكانيات المالية والبشرية التي حظيت بها منذ أن كانت مجرد بلدية في عمالة عين السبع الحي المحمدي. وأنهكت التجارب الجماعية غير الموفقة (حتى لا نقول شيئا آخر) المنطقة، وأدخلتها لسنوات في دائرة من الفوضى واللاتنظيم والتسيير العشوائي والعجز عن مواكبة النمو العمراني والصناعي والسكاني الذي تعرفه سيدي البرنوصي ببرامج تنموية وتأهيل حضري ينقلها إلى مركز حضري، وليس تجمعا للسكان المهاجرين من القرى، والباحثين عن فرص شغل في الأحياء الصناعية. وإلى حدود 2013، ظلت مقاطعة سيدي البرنوصي عبارة عن مركب عمراني ضخم دون تجانس، يفتقر إلى البنيات التحتية الأساسية، ويشكو سكانه من غياب المرافق العمومية وجودتها، وتآكل المرافق القديمة، وتدهور المساحات الخضراء، وتراجع الأدوار التي كانت تقوم بها بعض الفضاءات الثقافية، مثل سينما السلام، ودار الشباب وملعب نادي الرشاد البرنوصي الذي اقتلع من مكانه، وحلت محله محطة لتوقف عربات الطرامواي، مثله مثل حديقة ثانوية المختار السوسي التي تحولت إلى فضاء تجاري للقرب. مؤهلات غير مستغلة وبخصوص المؤهلات، توجد مقاطعة سيدي البرنوصي شمال البيضاء، ضمن موقع إستراتيجي مفتوح على فرص الاستثمار بالمنطقة، حيث يتمركز أكبر الأحياء الصناعية على المستوى الوطني، ويضم وحدات صناعية ذات تخصصات مختلفة مثل النسيج والصناعات الغذائية والجلد، توفر بعض مناصب الشغل لأبناء المنطقة، الذين استفاد بعضهم من تخصصات وتكوينات في مهن مختلفة توفرها المراكز والمعاهد التقنية الموجودة في تراب المقاطعة. ويستفيد الحي الصناعي البرنوصي من شبكة طرقية تسهل جلب الاستثمار، منها الطريق الساحلي الذي يربط الحي الصناعي بميناء البيضاء، والطريق الوطنية رقم 1 التي تعبر وسط حي سيدي البرنوصي شمال الحي الصناعي في اتجاه وسط المدينة، علاوة على الطريق السيار الذي يربط تراب المقاطعة بالمدينة وفي اتجاه الرباط. ولم يعد صعبا الوصول إلى سيدي البرنوصي، أو مغادرته، بفضل تنوع وسائل النقل العمومي، إذ كان الأمر مقتصرا في السابق على بعض سيارات الأجرة من الحجم الكبير التي تربط بين المنطقة وباقي الاتجاهات الأخرى، خصوصا الحي الصناعي ووسط المدينة، ثم خطوط قليلة من حافلات النقل الحضري، سواء في مرحلة الوكالة المستقلة، أو شركة «مدينة بيس»، قبل أن تحظى المقاطعة بجزء من المخطط الجديد للنقل والتنقلات، بربطها بالخط الثاني من الطرامواي، واستفادتها من دفعات جديدة من الحافلات المدبرة من شركة «ألزا». الخصاص الكبير شرع الفريق الجديد المسير لمقاطعة سيدي البرنوصي في تنفيذ أجزاء من برنامجه العام، بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات ذات البعد التشاوري مع فاعلين في المجتمع المدني وفي قطاع الرياضة والثقافة، ثم اجتماعات للتنسيق مع المصالح الخارجية وممثلي الجماعة والعمالة وشركات التنمية المحلية وموظفين، انصبت كلها على ضرورة إطلاق دينامية جديدة من المشاريع والأوراش. وإلى جانب الأنشطة ذات الطبيعة الفنية والثقافية والرياضية المندرجة في محور التنشيط المحلي، زاد الفريق الجديد في وتيرة العمل للانتهاء من عدد من المشاريع ذات البعد الحيوي، خصوصا في مجال الطرق والنقل والبنيات التحتية والمساحات الخضراء ووضع الولوجيات في المؤسسات العمومية التي تفتقر إليها. ملاعب القرب تعاني المقاطعة خصاصا كبيرا في المرافق الرياضية وملاعب القرب، رغم المجهودات المبذولة في الفترات السابقة، بسبب ندرة العقارات والأراضي التي يمكن أن تحتضن هذه الفضاءات. وبتنسيق مع الجماعة الحضرية وباقي الشركاء، تمكنت المقاطعة من بناء خمسة ملاعب للقرب بالعشب الصناعي، ثلاثة منها في الفضاء الترفيهي القدس، وواحد بحي المعاكيز (الملعب الكبير) والخامس بالبرنوصي02. وتحتاج المقاطعة إلى عدد آخر إضافي من هذه الفئة من الملاعب التي تشكل متنفسا لعدد من الشباب والأطفال، ومشتلا لاكتشاف المواهب، شرط احترام عدد من المعايير والشروط، أهمها المجانية، بالقدر نفسه الذي يطالب السكان بفضاءات أخرى تحتضن الأنواع الرياضية الأخرى، علما أن القاعة المغطاة للرياضات لم تعد تفي بالغرض، بسبب العدد الكبير من الممارسين. خصاص في الصحة يتكبد سكان البرنوصي عناء التنقل إلى خارج المقاطعة من أجل الحصول على خدمات صحية، إذ لم تعد المؤسسات العمومية الموجودة وبعض الوحدات الخاصة تغطي الحاجيات المتزايدة في هذا القطاع. وتتوفر المقاطعة على مستشفى إقليمي واحد (منصور) بطاقة استيعابية لا تتجاوز 90 سريرا، إضافة إلى أربعة مراكز صحية، بينما تحتضن مقاطعة سيدي مومن المجاورة 10 مراكز صحية، ومستشفيين بطاقة تصل إلى 60 سريرا. وتشتغل المستشفى والمراكز الصحية الأربعة بأقل عدد ممكن من الموارد البشرية، في سياق خصاص تعانيه أغلب المؤسسات الصحية بالبيضاء، ما دفع الوزارة، هذه الأيام، إلى التحرك لإعطاء الانطلاقة لعدد آخر من المستشفيات خصصت لها موارد مالية وبشرية مهمة. قنطرة كابلام تشكل هذه القنطرة واحدة من العقد النفسية التي رافقت مسيري المقاطعة منذ سنوات، إذ عجز الجميع على إنهاء هذا المشروع الحيوي الذي يربط بين شارع مبارك حمادي بن بوبكر ومنطقة الأزهر بأهل غلام، وهو واحد من الشرايين الطرقية المهمة بهذه المنطقة، المحاذية للطرق المؤدية إلى الأحياء الصناعية والمجمعات السكنية. وتعثر هذا المشروع لعدة سنوات، بسبب مشكل تقني متعلق بمسطرة تحرير عقارات قريبة من القنطرة من أجل أشغال توسعة، والقرار الذي لم يصادق عليه إلا في الدورة الأخيرة لمجلس المدينة، إذ انطلقت الأشغال بوتيرة سريعة، وانتهى العمل تقريبا في منتصف مارس الماضي. وحدد سعيد صابري، رئيس المقاطعة، في بلاغ رسمي، موعد 19 مارس 2022 لافتتاح هذه القنطرة، مؤكدا على أن مجهودات استثنائية بذلت من قبل المقاطعة والجماعة الحضرية وباقي الشركاء من أجل إخراج هذا المشروع إلى الوجود، وفك العزلة على آلاف السكان بهذه الجزء من العاصمة الاقتصادية. جيل جديد من الحدائق تميزت الفترة السابقة بإبرام عدد من الصفقات العمومية للعناية بالفضاءات الخضراء والغطاء النباتي والبيئي المتنوع بمقاطعة سيدي البرنوصي، إذ استفادت أكثر من 130 حديقة داخل الأحياء من أشغال الصيانة من تشذيب وتجديد للتربة، وغرس الفسائل وسقيها، ووضع الأسمدة، ثم صيانة السياج وصباغته. وتغطي الفضاءات الخضراء (بمساحات ووضعيات مختلفة) أغلب الأحياء تقريبا، إذ تتطلب عمليات الصيانة عملا يوميا دؤوبا، حتى لا تتعرض هذه الممتلكات إلى التخريب والسرقة. وانتقل المساحة الإجمالية للفضاءات الخضراء والحدائق من 15 ألف متر مربع و652 في 2016 إلى أكثر من 28 ألف متر مربع و500، وهي نسبة مازالت ضعيفة مقارنة بعدد السكان الذين يقتربون من 200 ألف نسمة (حسب إسقاطات 2021)، ما يتطلب من الفريق الحالي مضاعفة الجهود لتهيئة مزيد من المساحات الأخرى، سواء تعلق الأمر بحدائق كبرى، أو الحدائق الموجودة وسط الأحياء، إذ انطلق العمل، قبل أيام في ورش حي الوفاق الذي زاره الرئيس رفقة موظفين ومستشارين.

البرنوصـي… “كولشـي خـاص”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البورسعيدي يستعد لبركان بالبيضاء

النصب بأعمال خيرية افتراضية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات