الطرق والزوايا بعيون سفير فرنسا

الزوايا في الأرشيف الفرنسي 3 بعضها تحالف مع المخزن وأخرى تعاونت مع المستعمر تعتبر الوثائق التاريخية مصدرا مهما في التاريخ، إذ توفر معلومات تاريخية وجب التحقق من صحتها وتوظيفها في مجالات البحث التاريخي لإعطاء وضمان مصداقية للحقائق التاريخية. وكما يقال «لا تاريخ بدون وثائق». سعيد الحسايني، الباحث في التاريخ المعاصر، يقدم لقراء «الصباح» بعض هذه التقارير والوثائق، وأبحاثا أنجزها بمركز الأرشيف الدبلوماسي ب «نانت» الفرنسية، تروي جوانب من الشأن الديني اليهودي، وأولياء الطائفة اليهودية بالمغرب، الذين شكلوا نموذجا للتسامح الديني بالمغرب، ونشاط الزوايا والطرق وعلاقتها بالأحزاب السياسية والمخزن. إعداد: برحو بوزياني من بين الوثائق التي حصل عليها سعيد لحسايني، الباحث في التاريخ المعاصر، تقرير حول مصير الطرق والزوايا الدينية مؤرخ بتاريخ 12 نونبر 1959، أعده السفير الفرنسي بالمغرب، وأرسله إلى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، يرصد من خلاله علاقة الزوايا بالسلطان محمد بن يوسف، وأدوارها الدينية والسياسية، وعلاقتها بالمخزن، وكيفية نسج التحالفات التي عقدتها السلطات الفرنسية، خلال عمليات التهدئة مع الطرق والزوايا الدينية المغربية. ونظرا لأهمية الوثيقة، حرص الباحث في التاريخ، على ترجمة التقرير، وتقديم مضامينه، لقراء "الصباح"، لوضعه في صورة تعاطي المستعمر مع الزوايا والطرق، ومراقبته لعلاقة الأحزاب والسلطان بها. كانت الزوايا الدينية والطرق الدينية قبل نصف قرن، كيانات وقوى سياسية قوية، وجب على السلطان ووزراؤه الاندماج فيها والانتماء إليها، أو التحالف معها إذا لم يكن قد تخرج منها أو قادما منها بعد أن يكون عاش داخلها وتشبع بأفكارها. مازالت المكانة الدينية متميزة للسلطان محمد الخامس لدى سكان البوادي نظرا لنسبه الشريف، وتحدره من آل بيت الرسول(ص)، وبهذا الارتباط المتميز، الذي تعاقد عليه الأمازيغ المغاربة مع سلاطينهم، وارتبطوا والتزموا به، منذ عهد مولاي إدريس سليل البيت النبوي الشريف، ومن خلال دور وساطة الطرق الدينية والمصاهرة والهجرات من وإلى المشرق، تكونت زعامات أمازيغية محلية انتسبت لآل البيت الشريف. وأصبح الشرفاء الأمازيغ ينخرطون في الطرق والزوايا الدينية بالمناطق الأمازيغية لتولي مسؤولية قيادتها وترؤسها، وبعد أن خضع المغرب للحمايتين الفرنسية والإسبانية، عرفت الطرق الدينية بالمغرب، ولأول فترة نشاطا سلميا لكنها لم تكن خالية من التأثيرات والغايات السياسية. وساهمت التحالفات التي عقدتها السلطات الفرنسية خلال عمليات التهدئة مع الطرق والزوايا الدينية المغربية في لعب هذه الأخيرة أدوارا مهمة في السياسات المحلية، وفي خلق توازن سياسي بينها وبين تأثيرات القصر والحركة الوطنية، ونشير إلى أن الزاوية الكتانية بفاس، والزاوية الدرقاوية وفروعها بمكناس وتافيلالت وفاس وطنجة ووجدة، وكذلك الزاوية الوزانية بمنطقة الغرب، قد حكم على زعمائها منذ الاستقلال بتهم خطيرة كالخيانة العظمى وتمت مصادرة ممتلكاتهم. من ناحية أخرى، دعمت السلطات الفرنسية الأسرة الملكية الحاكمة في المغرب، وساندتها لمواجهة زحف أتباع الزاوية الدرقاوية للساقية الحمراء بزعامة الشيخ مربيه، الذين منحوا زعيمهم لقب السلطان الأزرق بتزنيت، وبعد أن تحول الأتباع والمريدون إلى مقاتلين، أنشؤوا معسكرا على مشارف مراكش استعدادا لاقتحامها. بينما لعبت الزاوية التيجانية أدوارا رئيسية في تأطير المقاومة الجزائرية ضد الأتراك ومواجهة أنصار الأمير عبد القادر، والتزمت الحياد في الأحداث التي عرفها المغرب خلال الفترة نفسها، ما دفع بالعديد من مسؤولي المخزن والأعيان للانخراط في صفوفها، وصاروا من أتباع ومريدي الزاوية التيجانية بفاس، في إطار مواجهة ومنافسة الزاوية الكتانية التي قدمت خدمات كبرى للسلطات الفرنسية، وصارت التيجانية في ما بعد حليفة للحركة الوطنية والمخزن المغربي، وانخرط الجميع في مواجهة ظاهرة الصلحاء والطرقية. إن القساوة التي كان يهاجم بها حزب الاستقلال الطرق والزوايا الدينية في المغرب، كافية لإظهار مكانتها ونفوذ هذه الأخيرة القوي داخل المغرب، وهو كذلك اعتراف لها بامتدادها في الأوساط المجتمعية. واتهم حزب الاستقلال الطرق والزوايا الدينية بارتكاب جناية مزدوجة، تمثلت الأولى في ممارساتها الدينية المخالفة للشريعة الإسلامية، أما الثانية من خلال الدعم والمساندة اللذين قدمتهما للسلطات الفرنسية خلال فترة الاحتلال. إقصاء وتهميش وقد تم بطريقة مدروسة إبعاد أتباع ومريدي وزعماء الطرق والزوايا الدينية الذين كانوا ينتمون للحركة الوطنية وللأحزاب والمنظمات السرية، ونجح حزب الاستقلال في إقصائهم من الانخراط في عمليات التحرير التي عاشها المغرب وعمل على تهميش أدوارهم في العمليات الاستقلالية وإظهارهم كخونة لدى الرأي العام المغربي.

الطرق والزوايا بعيون سفير فرنسا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وزراء في قلب فضيحة ريع المناصب

اعتقالات وعزل وتنقيل بسبب العشوائي

مقالات ذات صلة