fbpx
حوادث

موظفو النيابة العامة ما بين التبعية الإدارية والقضائية

المهام المتعلقة بالوضعية النظامية للموظف من صميم مهام المسؤول الإداري 2/1

صاحب المسار التشريعي لقانون التنظيم القضائي المستجد جدلا استثنائيا، منذ وضع الصيغة الأولى لمشروع القانون وإلى غاية المصادقة عليه في شكله النهائي بعد قرار المحكمة الدستورية وترتيب الآثار القانونية عليه، كما قدمت بخصوصه مجموعة من الصيغ والمقترحات تعكس توجهات كل المتدخلين المعنيين من داخل بنية العدالة، حيث تجدر الإشارة إلى أن هذه الأخيرة عرفت تحولات على مستوى بنيتها، الشيء الذي انعكس بشكل جلي على تصورات هذه الأطراف بخصوص نص القانون، بيد أن وزارة العدل وباعتبارها صاحبة مشروع القانون، وفي إطار انفتاحها على كل المتدخلين إعمالا للمقاربة التشاركية مبدأ أساسيا في تدبير أوجه الاختلاف، ومن أجل تقريب وجهات النظر لإيجاد صيغة قانونية متوافق بشأنها تؤلف ما بين كل المكونات ضمن نص القانون ( السلطة القضائية / هيأة كتابة الضبط )، من منطلق الخصوصية التي تسم البنية الوظيفية للمحاكم بالنظر لمكوناتها المركبة، سواء من حيث المهام المزاولة والموسومة بالصبغة شبه القضائية في جزء كبير منها، وتلك المتعلقة بالوضعية النظامية للموظفين العاملين بها باعتبارهم خاضعين للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل.

شكلت هذه البنية النقطة المختلف بشأنها لانعكاساتها على مبدأ استقلال السلطة القضائية من جهة، وخضوع الموظفين إداريا للسلطة التنفيذية من جهة أخرى، هذا الخلاف لم يحسم على مستوى البرلمان، بل أحيل بعد المصادقة عليه على أنظار المحكمة الدستورية، غير أن قرار هذه الأخيرة لم يسلم بدوره من مؤاخذات، وهو ما دفعنا نحن كباحثين إلى إثارة بعض تلك النقط، بعد إعمال الأثر القانوني من خلال مقتضيات قانون التنظيم القضائي، وللإحاطة بتلك الإشكالات حاولنا التطرق في (المحور الأول) لقراءة مضامين المادة 103 من قانون التنظيم القضائي، على أن نتناول في( المحور الثاني )محددات مفهوم الإدارة القضائية وفي (الحور الثالث ) سنتعرض للصيغ الممكنة لتحقيق الانسجام ما بين المقتضيات التشريعية والتنظيمية.

المحور الأول: قراءة في مضامين المادة 103 من قانون التنظيم القضائي المستجد

تطرق النظام الأساسي لهيأة كتابة الضبط بشكل لا لبس فيه إلى تبعية موظفي هذه الأخيرة وخضوعهم للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل هذا الوضوح يشرح طبيعة هذه التبعية المقصودة (الإشراف والمراقبة الإدارية والمالية) وما تنطوي عليه دلالات هذا المفهوم من محددات ترتبط (بالترقية، التأديب، التقييم، التكوين، التعويض، الرخص الإدارية، المراقبة، التعيين، الترسيم، التوظيف، التسمية..)، فمجمل هذه المهام المتعلقة بالوضعية النظامية للموظف تظل من صميم مهام المسؤول الإداري، على اعتبار أن النظام الأساسي للوظيفة العمومية نظم هذه الاختصاصات بشكل واضح ومفصل، بيد أنه في ما يخص المهام الموسومة بالصبغة القضائية المزاولة من قبل موظفي هيأة كتابة الضبط باعتبارهم من مساعدي القضاء، يخضعون في أداء هذه المهام لإشراف ومراقبة المسؤول القضائي ( التبليغ، التنفيذ، حضور الجلسات،….)، هذا التوضيح تمسك به القاضي الدستوري في قراره، حيث اعتبر الشأن القضائي اختصاص تنفرد به السلطة القضائية (….وحيث إن أحد أعضاء كتابة الضبط في أدائه لعمل ذي طبيعة قضائية يكون موضوعا تحت سلطة ومراقبة السلطة التنفيذية وليس السلطة القضائية وهو ما يشكل مساسا باستقلال السلطة القضائية .)، إذن حسب هذا التفسير الذي أوردته المحكمة الدستورية يبقى الأمر واضحا ولا يحتاج إلى أي توضيح مادام أن ضمانات استقلال القضاء مكفولة دستوريا، إذ يعد مبدأ راسخا لا يمكن المساس به، وتأسيسا على ذلك فتبعية موظفي كتابة الضبط بخصوص المهام شبه القضائية إلى المسؤول القضائي مسالة منطقية وتنسجم مع روح الدستور.

غير أن قرار المحكمة الدستورية في إحدى حيثياته أكد على أن موظفي كتابة النيابة العامة يخضعون للمسؤول القضائي بها (الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف _ وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ) في أدائهم للمهام المرتبطة بالنيابة العامة (تدبير الشكايات، تحرير المحاضر، وتنفيذ الأوامر )، هذا التوجه ترجمته مقتضيات المادة 103 من قانون التنظيم القضائي المستجد “يمارس الوكلاء العامون لدى محاكم الاستئناف في حدود اختصاصهم سلطتهم ومراقبتهم على كافة قضاة النيابة العامة وموظفي كتابة الضبط وضباط وأعوان الشرطة القضائية) لكن بالوقوف على عبارات هذه المادة فهي تنسجم كليا مع المقتضيات القانونية في ما يتعلق بقضاة النيابة العامة، وضباط وأعوان الشرطة القضائية باستثناء وضعية موظفي كتابة الضبط على اعتبار أن المهام المموء إليها في قرار المحكمة الدستورية لا تدخل في صميم مهامهم بالمطلق، بل تعد مهام حصريا يمارسها قضاة النيابة العامة بالاستناد إلى مقتضيات قانونية تؤطر تلك المهام، أما في ما يخص المهام المزاولة من قبل هذه الفئة من الموظفين، فهي مهام مكتبية إدارية صرفة لا تتخذ طابعا ضبطيا أو ولائيا، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات عن الدواعي نحو تبرير القاضي الدستوري في قراره بتبعية موظفي النيابة العامة للمسؤول القضائي بذريعة ممارستهم مهام ذات صبغة قضائية، في حين أن الواقع يبرز غير ذلك بالمطلق .
كما أن مقتضيات قانون التنظيم القضائي في الباب الثاني من القسم الثالث تحدث بشكل جلي عن الإشراف القضائي على المحاكم سواء ذلك المتعلق برئاسة المحكمة أو المتعلق بالنيابة العامة، وهو تأكيد واضح على استبعاد المهام ذات الطبيعة الإدارية والمحاسبية عن مجال تدخل السلطة القضائية خصوصا تلك المرتبطة بمهام كتابة الضبط، غير أن هذا المقتضى يحتاج إلى تفسير دقيق، وهو ما سنحاول الإحاطة به من خلال المحور الموالي.

المحور الثاني : تحديد مدلول الإدارة القضائية
حسب التعريف الذي أعطاه القاضي الدستوري للإدارة القضائية بمناسبة نظره في مدى دستورية بعض مواد قانون التنظيم القضائي، حيث اعتبر هذه الأخيرة مجموعة من المهام ذات الصبغة الإدارية والمالية تمارسها كل من السلطة القضائية ممثلة في (الرؤساء الأولين للمحاكم _ رؤساء المحاكم _ الوكلاء العامين للملك _ وكيل الملك _رئيس محكمة النقض_ الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض) بالموازاة مع السلطة التنفيذية (وزارة العدل) من خلال المسؤولين الإداريين (رؤساء مصالح كتابة الضبط _ رؤساء مصالح كتابة النيابة العامة) هذا التعريف جاء مقتصرا على إبراز الجهة أو السلطة الفعلية التي تسهر على مزاولة هذه المهام من ناحية الإشراف والمراقبة فقط دون تحديده لطبيعة هذه المهام وتوصيفها، هذا الإجمال في التعريف يحتاج إلى تبسيط، وهو ما دفعنا إلى بحث مختلف مستويات التداخل ما بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية على مستوى تدبير النشاط المهني للموظفين داخل المحاكم، اعتبارا أن مساحة التلاقي تتقاطع كثيرا، بالنظر لأن مرفق العدالة له خصوصية فريدة في تنظيمه وتدبيره، وعلى هذا النحو فالمهام المزاولة من قبل موظفي هيأة كتابة الضبط والموسومة بالطابع الشبه قضائي كما هو الحال بالنسبة ( التبليغ_ التنفيذ _ تحرير محاضر الجلسات و المعاينات _) فهي تخضع لمراقبة وإشراف السلطة القضائية رغم مزاولتها من قبل موظفي هيأة كتابة الضبط الخاضعين إداريا إلى إشراف ومراقبة السلطة التنفيذية ،بيد أن الإشراف القضائي لا يمكن فهمه بشكل مطلق، حيث يقتصر على الإجراءات ذات الصبغة القضائية فقط دون باقي الإجراءات الأخرى، وفي السياق نفسه فإشراف هذا الأخير على المحاكم وممارسته مهام الإدارة القضائية يتجسد في المهام المتعلقة بالتدبير والتسيير والتي تظل من صميم اختصاصاته الأصيلة بالنظر لموقعه الوظيفي( توزيع القضاة على الجلسات _ تحديد ساعات انعقاد الجلسات _ مراقبة نشاط القضاة _ تقييم النشاط المهني _إعداد تقارير _ إحصائيات ) هذا النشاط ذو الصبغة الإدارية يتقاطع بشكل وثيق مع مهام المسؤول الإداري من خلال قيامه بمهام من الطبيعة نفسها، لكن في علاقته بموظفي مصلحة كتابة الضبط.

*منتدب قضائي بمحكمة الاستئناف بطنجة


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى