رحيل الغفلة وأماني العودة

حلم الالتحاق بالتنظيم غلب على حب الطاجين 1 سقطت الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وظل مئات المغاربة عالقين تحت ركامها، الرجال في السجون، والأطفال والنساء في المخيمات. وقبل أشهر أكدت لجنة المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر، وجود 400 قاصر مغربي بمخيمات سوريا، 80 بالمائة منهم دون 12 سنة. وتجري في الكواليس دراسة كيفية إجلاء هذه الفئة التي تجرعت طعم المعاناة الحقيقية، بعد سقوط "داعش".في هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية، تنقل "الصباح" الواقع المرير الذي يعانيه المغاربة العالقون في جحيم "داعش"، على لسان أسرهم بالمغرب، التي ذاقت من كأس المرارة بدورها، وتنتظر بشرى الإجلاء من الحكومة، مهما كانت العقوبات. عصام الناصيري ما أصعب الرحيل في غفلة، حينما يكون المغترب ابنا شابا، ومعيلا رئيسيا للأسرة، وتكون الوجهة ساحة حرب، عملتها الدماء والرصاص، وعنوانها أن تَقتل أو تُقتل، وكيف ما كان دين ودوافع الفائز، فهناك دماء ستراق، ومأساة ستكتب. تحطمت كل محاولات وخطط حليمة في ثني ابنها عن الالتحاق بـ "داعش"، فوق صخرة عزيمته القوية في أن يمشي على تراب سوريا، وندوب موت صديقه الحميم في "الجهاد"، بعد ستة أشهر من وصوله، والتي شتت ذهنه، ودفعته إلى التفكير في الالتحاق بالتنظيم بدوره. وتقول حليمة، أم "ي"، وهو شاب في نهاية عقده الثاني، والتحق بالتنظيم في 2014، "عندما شعرنا بأنه تأثر بأفكار الجهاد، لم ننسحب وجربنا جميع الطرق"، مضيفة "حاول إخوته ثنيه عن أفكاره، وحاول بعض "العلماء"، واعتقدنا أنه تراجع، لكنه كان يجارينا فقط، ولم يتزحزح عن أفكاره". لم يكن "ي" يسدل لحيته، أو منتميا لجماعة متطرفة، حسب رواية أمه، التي تربطها به علاقة متينة، إذ لا يمر عليه يوم دون أن يقبل رأسها، ويطلب منها أن تدعو له بالرزق والتيسير. غالبا ما يكون حدس الأمهات مصيبا، ففي اليوم الذي سيخرج فيه "ي" من منزل أسرته بتادلة، شعرت أمه أن ساعة الرحيل قد دقت، ما دفعها إلى التلصص عليه، وتفتيش حقيبته، لكنها لم تجد فيها سوى عدة العمل، إذ أخبرها أنه سيتجه إلى ضواحي البيضاء، للعمل مدة ثلاثة أيام وسيعود، لكنها أصرت عليه، وحاصرته بمشاعر العاطفة، إذ قالت "عنداك أولدي تمشي لسوريا، راني مريضة، وغادي تخليني". لم يخطر ببال أم "ي"، أنه سيقدم على تلك الخطوة، خاصة بعدما أخبرها بأنه لم يعد يبالي بفكرة الجهاد، وأنه نسي الأمر مند مدة، لكنه في تلك اللحظات كان ينفذ جزءا من خطة الرحيل، إذ بمجرد أن أنهى مهمته بضواحي البيضاء، قصد المطار، وبعد ساعات حط الرحال بتركيا. تقول الأم إنها كانت تعد لابنها العائد من العمل الطاجين، باعتباره الطبق المفضل لديه، غير أن حلمه في الالتحاق بالتنظيم غلب على حبه للطاجين. غاب "ي" ثلاثة أيام، وفي اليوم الموالي اتصل بوالده وأخبره أنه وصل سوريا. كان وقع الخبر على الأب صادما، انهار من الصراخ والبكاء، وهرعت الأم تطلب نجدة الجيران، إذ قالت "جريت عند الجارة قلت ليها أجي راه هذا غادي يقتل راسو، راه "ي" مشا لسوريا". صدمة الرحيل تحكي حليمة أن حياة الأسرة انقلبت رأسا على عقب، ولم يستوعبوا صدمة الرحيل، لأن "ي" كان شابا طموحا، ولا يثير المشاكل، بل يساعد أباه الذي يعمل صباغا، بعد حصوله على تكوين في الكهرباء، إذ غاب الابن الصالح والمعيل الثاني للأسرة. كان "ي" يتصل بالأسرة من حين لآخر، ويطمئنها على وضعه، إذ تتذكر حليمة أنه يخبرها في كل حين أنه بخير، لكنها كانت تخشى أن تتحدث معه بشأن الأوضاع هناك، تفاديا لمشاكل الملاحقة القضائية. وهكذا قضى "ي" 8 سنوات في سوريا، وتزوج من مغربية التحقت بدورها بالتنظيم، من فاس، وأنجبا طفلا، يوجد رفقة أمه جاليا بمخيم "الروج". تقول حليمة والدموع تغالبها "ابني ندم شديد الندم، ويتمنى أن يعود إلى المغرب بغض النظر عن الإجراءات القضائية، لأنه تعب من حياة "داعش" وسجون سوريا"، مناجية السلطات للإسراع بإنقاذ الأطفال والأمهات والسجناء، لأن الأسر تعيش جحيما لن يشعر به سواها.

رحيل الغفلة وأماني العودة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"يوتوب" ... الربح السريع

حجز 6370 كيلوغراما من "الشيرا"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات