بانوراما

أساطير وآلهة الأمازيغ: “أنــــزار” … إلــه المطر

باحثون يربطونه بمعبودة إفريقية تدعى “كايلستيس”

آمن الأمازيغ بوجود قوى عليا تحرك العالم وتحكمه، ومثل أي شعب سعوا للبحث عن هذه القوى والتقرب منها. كما تأثروا بمعتقدات جيرانهم المصريين والمعتقدات الفينيقية والإغريقية والرومانية.
وتزخر الميثولوجيا الأمازيغية بأساطير شعبية كثيرة، إذ كانت لسكان المغرب، قبل الإسلام، طقوس وعادات خاصة بهم، وشخصيات أسطورية يقدسونها. وارتبط تعدد آلهة الأمازيغ، بالمغارات والجبال والصخور، التي كانت محط عبادتهم، خاصة الجن الذي يقطن تلك الأماكن، كما لم تخرج المياه عن قاعدة العبادة باعتبار الماء مخصبا ومطهرا ومصدرا للحياة.

خالد العطاوي

كان الأمازيغ قديما، يؤمنون بوجود إله المطر، فأطلقوا عليه اسم “أنزار”، وانتشرت بينهم أسطورة تقول إنه وقع في حب فتاة (تسليت) من منطقة في جبال الأوراس وتزوج بها، واعتبروه مانح المطر والغيث للسكان.
ومارس الأمازيغ طقوسا واحتفالات من أجل طلب الغيث، والتي استمرت لفترات متأخرة، وأهم هذه الاحتفالات “تسليت ونزار”، أو عروسة المطر “تسليت ومان”.
وتحكي الأسطورة أن “تيسليت” (تعني الخطيبة أو الموعودة) امرأة جميلة تسحر بجمالها الفتان، وكانت تلبس من اللباس الفاخر، فتتزين بالحرير والحلي…. وكانت فاتنة عاشقة للماء، فكانت ترتاد النهر الفياض بالمياه ترتوي من مائه وترضي عشقها له، ولم تكن لتخفى عن “أنزار”، الذي أصبح أحد محبيها الذي عاد يهيم عشقا لها.
وحاول “أنزار” أن يصارح “تسليت”بحبه، لكنها كانت عفيفة خجولة، ولطالما عملت على تفادي مصارحته لها حتى لا يصيبها القوم بتهم مسيئة. وأمام تفادي تسليت المستمر ل”أنزار”، لم يجد إلا أن يقدم عليها بجرأة حاسمة. وبعد أن أفصح عما شغل قلبه وحجبه الانتظار، فوجئ باعتراض وتعفف “تسليت” خشية من سوء ظن القوم. بعد الرفض غضب أنزار وانطلق مزمجرا إلى السماء، وحبس الماء في السماء فحل الجفاف. فنضب النهر فغارت مياهه فجف من الماء. فبدأت تسليت في البكاء وتضرعت ولانت ل”أنزار” وقبلت حبه، وبعد هذا أبشر أنزار فعاد من السماء، فأخذ حبيبته بعيدا عن الأرض، فسقط المطر واخضرت المروج.
ويظهر “أنزار” مثل عنصر مخصب يقوى الطبيعة ويعطي الزرع والغلة. وللحصول على المطر، لا بد من استعطاف “أنزار”، والعمل على إثارة قوته الإخصابية.
وفكر الأمازيغ في منح “أنزار” خطيبة لإثارة رغبته الجنسية قصد إحداث ظروف ملائمة لنزول المياه المخصبة، وهي عبارة عن طواف طقسي يتضمن حمل دمية من خشب مغطاة بقطع من قماش في صورة عروس ويداها عبارة عن مغرفة موجهة لاستقبال المطر بشكل رمزي، ويعرف هذا الطقس الأمازيغي باسم “تاغنجة”، وتشارك فيه النساء والأطفال، ويتضمن الغناء وبعض الابتهالات، وينتهي بإقامة مأدبة.
ويرجح الباحثون أن هذا الطقس هو في الأصل تشخيص للأرض الظامئة، وأصبحت له شخصية محددة نظرا للتطور الميثولوجي، فربما يكون له أصول وثنية قديمة ترتبط أساسا بمعبودة إفريقية تدعى “كايلستيس” أو السماوية، ومن خاصياتها “الوعد بالمطر”. ويطلق عليها المؤرخ تيرتوليانوس (القرن الثاني الميلادي) لقب “الواعدة بالمطر”، أو أم الغيث، مشيرين إلى أن هذه الطقوس الأمازيغية، ربما هي استرجاع لذكرى هذه الممارسة القديمة، وتطورت هذه الممارسة من صورة ربة مقدسة إلى لعبة يمارسها الأطفال خلال الجفاف، فعندما يتفاقم الخطب وتضن السماء بدرها، يجتمع الأطفال عند امرأة تدعي “مزوارة”، التي كانت تقوم بتزيين مغرفة بأفخر الثياب، وجعلها في أحلى حلة وكأنها عروس..
كما شهدت شمال إفريقيا عبادة رسمية لآلهة المياه، وتعرض جزء من سكانها لنوع من التثاقف الديني، فالمعتقدات المتعلقة بأرواح العيون والأودية لم تختف تماما، وكثير منها كان اعتقادا محليا، واستمر حتى مع مجيء المسيحية والإسلام.
إن آلهة المياه الرومانية عوضت ببعض الأولياء ذوي القوى الخارقة، كما هو شأن الولية الصالحة “لالة السيالة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.