سؤال موجه إلى قادة التحالف الحكومي الثلاثي في ظل تصاعد موجة الغلاء السؤال الاستنكاري الوارد في العنوان أعلاه ليس موجها إلى عموم المواطنات والمواطنين المغاربة، لأنني على يقين تام بأن السواد الأعظم منهم لم تعد لديه من القدرة ما يستطيع به تحضير مستلزمات استقبال الشهر الفضيل من فطائر وحلويات و"مقويات"، ولا في غيره من المناسبات خاصة منها الدينية والأعياد، في ظل تصاعد موجة غلاء الأسعار التي عرفتها المحروقات وكافة المواد واسعة الاستهلاك، أمام ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتجميد الأجور. وإنما هو موجه بالأساس إلى قادة التحالف الحكومي الثلاثي، الذي رفع كبيره ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش سقف الالتزامات والوعود المعسولة، التي لم تسبقه إلى مثلها أي حكومة من قبل. زيادات إضافية في الوقت الذي تتهيأ فيه بلدان العالم، ومن بينها المغرب، للخروج الآمن من الأزمة الصحية والتخلص من جل القيود التي فرضها انتشار فيروس "كورونا" المستجد ومتحوراته، والسعي الحثيث نحو تجاوز تداعياته الاقتصادية والاجتماعية القاسية، إذا بالعالم يفاجأ بأن ما كان بالأمس مجرد تهديدات، تحول اليوم إلى حرب حقيقية، حيث انطلق مع فجر يوم الخميس 24 فبراير 2022 اجتياح روسيا لأوكرانيا. مما تسبب سريعا في ارتفاع أسعار النفط والنقل والشحن على المستوى الدولي، وسيؤدي لا محالة إلى زيادات مطردة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، لينضاف إلى ما تعرفه بلادنا من جفاف إثر ضعف التساقطات المطرية وتراجع حقينة السدود خلال الشهور الأخيرة... لكن الأفظع من ذلك هو إصرار الحكومة على التملص من مسؤولياتها وعدم الزيادة في الأجور، رافضة الحد من وطأة الغلاء إزاء تواصل الهجوم العنيف على جيوب عموم الأجراء. إذ أنه إلى جانب الظروف الاستثنائية العسيرة التي تمر منها البلاد ومعها العباد، بسبب تداعيات وباء "كورونا" وموجة الجفاف والتوتر الدولي القائم، هناك مخاوف أخرى كثيرة في أوساط الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مما يمكن أن يحدث من تطورات ويلحق الأسعار من زيادات إضافية حيال تردي أوضاع المواطنين، وغياب الإجراءات الكفيلة بتخفيف العبء عليهم عبر حماية قدرتهم الشرائية من كافة أشكال الاحتكار والمضاربة، وضمان تزويد السوق الوطنية بمختلف المنتجات والمواد الاستهلاكية، التي يحتاجونها خلال رمضان. سماسرة ووسطاء ففي غضون الأيام القليلة المقبلة، سيحل الشهر الكريم ضيفا علينا وعلى الأمة الإسلامية جمعاء، بيد أن الكثير من المغاربة فقدوا حماس الاستقبال لما بات يقض مضاجعهم من مشاكل متتالية، سيما أن قدومه سيأتي متزامنا مع موجة من الغلاء الفاحش، بعد أن أصبحت عديد المواد الأساسية التي يتم الإقبال عليها بكثرة تعرف زيادات صاروخية. ولا ندري إن كانت الحكومة ستلتزم فعلا بما أعلنت عنه من إجراءات لمراقبة أسعار المواد الغذائية والواسعة الاستهلاك في الأسواق الوطنية، خاصة أن الطلب عليها يرتفع بشكل ملحوظ، مما يقتضي تعبئة الإمكانات الضرورية في اتجاه التصدي للسماسرة والوسطاء والحيلولة دون المضاربة في الأسعار... ذلك أنه لم يعد بمقدور المواطنين تحمل المزيد من تلك الحملات الشكلية التي غالبا ما تنتهي بدون جدوى وبلا نتائج ملموسة على أرض الواقع، كما هو جار اليوم من محاولات إخماد نيران الغضب الشعبي بمختلف أسواق المدن المغربية، حيث أنه مع تنامي الاحتجاجات الصاخبة المنددة بالغلاء وارتفاع الأسعار، سارعت السلطات العمومية إلى إطلاق حملات واسعة للجن مراقبة الأسعار والمنافسة ومكافحة الغش، التابعة لأقسام الشؤون الاقتصادية بعمالات المملكة، التي أكد بعضها على ما تمت ملاحظته خلال جولاتها التفقدية من انسيابية في دخول البضائع بوفرة إلى أسواق البيع بالجملة الخاصة بالخضر والفواكه، والحبوب والقطاني والدواجن واللحوم، ورواج داخل محلات البيع بالتقسيط، حيث تتراوح الأثمنة المسجلة بين الانخفاض والاستقرار، باستثناء بعض الحبوب والمواد التي ارتفعت أسعارها بشكل طفيف من قبيل الطماطم والبصل، بسبب انخفاض درجات الحرارة وقلة التساقطات المطرية. مضاربات في الأسعار ولأشد ما يخشاه المواطنون، هو أن تزداد حمى الأسعار حرارة مع الشهر الأبرك، لما عودتنا عليه السنوات الماضية من مضاربات في أثمان السلع. إذ تعرف بعض العناصر الأساسية المؤثثة لموائد الإفطار زيادات حارقة خلال الأيام الأولى منه، خاصة منها الأسماك والفواكه بمختلف أشكالها وأنواعها، ولا تعود أسعار بعضها للانخفاض إلا بانتصافه أو قرب انقضائه. فلم لا تعمل الحكومة بالإضافة إلى حرصها الشديد على التنزيل الأسلم لأهداف البرنامج الملكي الاستعجالي لمكافحة آثار الجفاف فيضبط حكامته المالية لوصول الدعم إلى الفئات المستهدفة، على القيام بمراجعة القانون المالي برسم 2022، حيث إن مواجهة الوضع المقلق تتطلب مبادرات جادة للحد من معضلة الغلاء ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، عبر إصلاح صندوق المقاصة وتفعيل قانون حرية الأسعار والمنافسة قصد تسقيف أسعار المحروقات، باعتبارها أكثر المواد الحيوية تأثيرا على وسائل الإنتاج والمعيش اليومي للمواطنين. إن الحكومة تدرك جيدا أن موجة الغلاء التي هزت معظم المواد الأساسية، صارت من أكثر المشاكل إثارة لقلق المواطنين، إذ أن ارتفاع الأسعار وتصاعد الاحتجاجات الشعبية باتا من بين أبرز عناوين مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. وأنه لم يعد مسموحا لها ترك المواطن عرضة لمزيد من القهر والاستنزاف والاكتفاء بربط الغلاء بما تعرفه أسعار الحبوب والبترول في السوق الدولية. ففضلا عما هو متوفر لديها من مقترحات لمعالجة الأمور، لها من الكفاءات ما يؤهلها لاختيار أفضل الأساليب الكفيلة بضمان شفافية السوق، وتعزيز قدرات أجهزة الرقابة وقمع الغش والمضاربات والاحتكار... اسماعيل الحلوتي