برامج على الورق استنزفت الملايير وحلم 500 شقة تبخر والملك البحري والاستثمار والسياحة تحت «الاحتلال» رغم مرور 17 سنة على زلزال الحسيمة المدمر، والخسائر المادية المترتبة عنه، والتهميش الذي عانته المنطقة في مختلف المجالات، والمجهودات المبذولة، لإعادة الاعتبار إلى المنطقة ككل، إلا أن هناك مشاريع ملكية مازالت تراوح مكانها، وبعضها باتت في مهب الريح، أو تحولت إلى أوراش وهمية، لإخماد فتيل الغضب والاحتجاجات ليس إلا. إنجاز: عيسى الكامحي - تصوير: أحمد جرفي (موفدا "الصباح" إلى الحسيمة) لم يكن مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، ليرى النور، ويضمن له موطئ قدم في هذه المنطقة، لو لا الغضبة الملكية، التي أطاحت بوزراء ومسؤولين حكوميين، نتيجة التأخر، غير المبرر، في إتمام الأشغال في الآجال المحددة. وإذا كانت برامج التنمية في عدد من المجالات، والمراكز القروية أنجزت، بعد طول انتظار، بغلاف مالي يناهز 300 مليون درهم، فإن هناك مشاريع مازالت متعثرة، أو بالأحرى في رفوف مكاتب السلطات المحلية والمنتخبة، دون أن يشملها التمحيص والمراقبة والمحاسبة، عملا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. من يؤطر التعمير؟ كان وقع فاجعة الزلزال في 24 فبراير 2004 كارثيا، ومؤلما على الحسيمة والمناطق المجاورة لها، بعدما خلف خسائر بشرية ناهزت ألف قتيل و920 جريحا، واعتبر حينها الأعنف على الإطلاق، لقوته (6.5 درجات على سلم ريشتر). كان طبيعيا أن يتحرك المسؤولون، لإعادة إعمار المنطقة، وتنميتها والنهوض بمختلف القطاعات الحيوية، مع مراعاة طبيعتها العمرانية، خاصة الحسيمة، قريبة من الحد الفاصل بين الصفيحتين الإفريقية والأوراسية، وتطل على البحر الأبيض المتوسط، الذي توجد به بؤر نشيطة، الأمر الذي يجعلها معرضة لحظر زلزالي بين حين وآخر. ويبدو أن التعمير بالمنطقة مازال يراوح مكانه، أو على الأرجح ما إذا كان يستوفي الشروط المطلوبة، لتجنب الحسيمة هزات أرضية مماثلة. لا يمكن الحديث عن وضعية المنطقة وراهنها، دون أن يستوقفك موضوع السكن، باعتباره ضمن الأوراش الكبرى المفتوحة، التي أطلقها جلالة الملك قبل 2015، لإعطاء إقلاع اقتصادي وتنموي حقيقي للمنطقة. هكذا يتحدث شباب المنطقة عن التعمير "ينبغي وضع التعمير ضمن الملفات الكبرى، لأنه يمتد زمنيا قبل منارة المتوسط، كما أن ملك البلاد أعطى تعليماته للقيام بدراسات في الموضوع، وقدم أمامه خريطة قابلية الأقاليم للتعمير سنة 2012، ودراسة المخاطر الطبيعية (الجيو تقنية والجيولوجية)، لتحديد الانهيارات الأرضية لمنطقة بوجيار. يتساءل (غ.ت)، فاعل جمعوي عن الجهة، التي تؤطر عملية التعمير بالحسيمة؟، وعما إذا كانت حركية التعمير تحترم حاليا هذه الدراسات بالمدار الحضري والمنطقة ككل؟، أم استعملت أساليب مختلفة في القفز على ما تم إنجازه من دراسات، لأغراض سياسوية ضيقة. والنتيجة أن هناك بنايات معرضة للانهيار، كلما ضرب الزلزال المنطقة. ورغم إنجاز الدراستين "خارطة قابلية إقليم الحسيمة للتعمير" و"المخطط المديري للتهيئة العمرانية للحسيمة الكبرى" بغلاف مالي يصل إلى 20 مليون درهم، واعتبرت، حسب شهادات، الأولى من نوعها في المغرب وإفريقيا، وحددت أربع مجموعات متجانسة موزعة عبر الإقليم، وتشمل مناطق عن المخاطر، إلا أن المكاسب محدودة، إن لم تكن غائبة تماما. 500 شقة... المصير المجهول تحول مشروع سيدي بوعابد بالحسيمة إلى ما يشبه كابوسا يؤرق المواطنين، الراغبين في الاستفادة من السكن الاجتماعي، المخصص لذوي الدخل المحدود، بعد إنجاز مشاريع سكنية ضمنها 5 آلاف وحدة بالقطب الحضري، وألف وحدة للسكن الاجتماعي، دون تسليم جزء منها، على الأقل، للمستفيدين. فضائح تكاد تحوم حول هذا المشروع، وأسئلة مشروعة آنية تطرح حول تأخره، أو تعطيله، أو بالأحرى تعليقه إلى آجل غير مسمى، كما أن هناك أصابع الاتهام موجهة إلى لوبي العقار، الذي استفاد من السكن الاجتماعي والاقتصادي، والتلاعب بشقق والسمسرة فيها، دون رقيب أو حسيب، حسب العديد من الآراء. ظلت كل الوعود عرقوبية، حسب مستفيدين على الورق، وتحول الحصول على الشقة، إلى حلم بعيد المنال، أو مؤجلا إلى حين، رغم كثرة الاجتماعات بين عامل الإقليم ومدير العمران بالحسيمة. وعقدت اجتماعات مع سائقي سيارات الأجرة وبحارة، أملا في تمكينهم من الحصة المخصصة لهم (80 شقة). ويرى محمد الغرضيني، رئيس جمعية أرباب وسائقي سيارة الأجرة بالحسيمة، أن أغلب الاجتماعات المنعقدة مع الكاتب العام للعمالة لم تفض إلى نتائج مرضية، مضيفا أن كل الوعود ذهبت سدى، قبل أن يتابع في حديثه مع "الصباح" "لم نستفد من أي شيء، رغم اجتماعاتنا المتتالية مع مدير مؤسسة العمران. في البدء تلقينا وعودا بتمكين السائقين ذوي الدخل المحدود ب80 شقة، مقابل 14 مليون لكل مستفيد، قبل أن نفاجأ بتسويف وتماطل، إلى حد مطالبتنا بالاحتكام إلى القرعة، بمبرر أن عدد الشقق المتوفرة حاليا (500 شقة) لا تستجيب لكل المطالب، إلا أننا رفضنا الاقتراح جملة وتفصيلا". لا حديث في الحسيمة، إلا عن وجود تلاعبات وزبونية تلوح في الأفق، من أجل قطع الطريق على الفئة المستضعفة، مقابل منح شقق لذوي النفوذ والمقربين، ولكل من يدفع أكثر، علنيا أو تحت الطاولة. وازدادت حدة غضب بعض فعاليات المجتمع المدني، التي تطالب عامل الإقليم ومدير شركة العمران بنشر لائحة المستفيدين من شقق السكك الاجتماعي بمنطقة سيدي عابد، والتي يفترض أن تستفيد منها العائلات الأكثر فقرا، وتضررا من بحارة ومستخدمين وسائقي الطاكسيات وعمال نظافة. منصة اللوجستيك في خبر كان مازال فلاحو إقليم الحسيمة والتعاونيات المشتغلة في مجال إنتاج وتسويق المنتجات المجالية ينتظرون تشغيل منصة اللوجستيك والتسويق، التي أطلقتها وكالة التنمية الفلاحية، قبل تسع سنوات. وكان يفترض، حسب تصريحات بعض المواطنين، تشغيل المنصة بأيت قمرة على مساحة 5 آلاف متر مربع مشتملة على عدة مستودعات، ووحدات مجهزة بآليات وقاعة للعرض ومبان إدارية، إلا أن مسار هذا المشروع عرف عدة تعثرات، دون أن يعرف سكان المنطقة مصيره ومآله، بعد تأخر الإفراج عنه حتى الآن. ورغم الغلاف المالي المهم المخصص للمشروع، إلا أنه لم يشغل بعد، من أجل تقديم الدعم والخدمات التجارية والتسويقية للتعاونيات وعموم الفلاحين بالمنطقة. ووجه نور الدين مضيان، النائب البرلماني، في وقت سابق، سؤال كتابيا إلى عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري السابق، حول مآل منصة اللوجستيك والبيع بأيت قمرة، بعد طول انتظار. وجاء في الرسالة، التي حصلت "الصباح" على نسخة منها "نسائلكم السيد الوزير على مآل العمل بهذه المنصة؟ وما هي الأسباب، التي حالت دون استغلالها خلال هذه الفترة، التي أبانت فيه جائحة كورونا الحاجة الماسة لمثل هذه المنصات التسويقية". وانطلقت أعمال البناء في الربع الأخير من 2012، على أساس بداية الاستغلال في الربع الثالث من 2013، ويشتمل المشروع على مستودع جاف (500 متربع مربع) ومستودع بارد (300 متر مربع) ووحدة التكسير (200 متر مربع) ووحدة التجفيف (200 متر مربع) وقاعة تجارية مساحتها 100 متر مربع والمباني الإدارية (100 متر مربع). وبلغت التكلفة الإجمالية 23 مليون درهم، منها 1500000 درهم و1.100.000 درهم مصاريف الدراسات والمساعدات، فيما بلغت تكاليف التشييد 15.090.000 درهم و3.555.000 درهم. السياحة على "الماكيط" الذي يزور الحسيمة في هذه الفترة بالذات، سيقف على حقيقة واحدة، وهي أن المنطقة بعيدة عن أي إقلاع سياحي محتمل، رغم المشاريع المعلنة، والتي ظلت على الورق فقط. الفنادق ومراكز الإيواء تكاد تكون فارغة كليا، عدا بعض الزبناء، الذين يعدون على رؤوس الأصابع، فيما هجر السياح هذه المنطقة، إما لأسباب مختلفة، ضمنها إكرهات التنقل وصعوبة الوصول إليها برا، ناهيك عن تراجع عدد الأجانب، جراء الإغلاق الجوي بسبب تداعيات كورونا. ويبدو أن فاعلين جمعويين لهم رأي مختلف إزاء تقهقر المجال السياحي بالمنطقة، إذ يعتبرون أن المشاريع والبرامج التنمية للنهوض بالقطاع عرفت ارتجالية وعبثية، دون تنفيذها، أو إلغائها كليا، ضمنها مشروع "رؤية الحسيمة 2015" ، الذي عرض أمام الملك في 24 يوليوز 2008، وبرنامج تعبئة وخلق منطقة سياحية جديدة بالإقليم "مشروع كلايريس" سنة 2009، إضافة إلى اتفاقية التنمية المندمجة للسياحة القروية في 10 فبراير 2015، وتحتوي في صيغتها الأولية على 36 مشروعا سياحيا بغلاف مالي يناهز 177 مليون درهم. وتساءل السكناوي الغبزوري، فاعل جمعوي وصحافي، عن مصير دار فضاء الاستقبال السياحي، أو مركز الإرشاد السياحي، الذي أعلن عنه في سابع يناير 2012 من قبل "سميت" الشركة المغربية للهندسة السياحية، مؤكدا ل"الصباح"، أن لحسن حداد، وزير السياحة الأسبق أعلن في 20 شتنبر 2013 أن المنطقة ستستفيد من 37 مشروعا، منها ثلاثة مهيكلة و34 تكميلية، في إطار خلق وجهات سياحية جديدة، وتطوير مجال التنشيط الثقافي وبناء مخيم يتسع ل400 شخص، تماشيا مع "مخطط بلادي". وحسب المتحدث نفسه، فإن البرنامج كان سيخلق أزيد من 8500 منصب شغل مباشر، إلى جانب مساهمة مخطط التنمية السياحية لإقليم الحسيمة في ارتفاع ليالي المبيت بحوالي 50 مرة، وبالتالي يرتفع عدد السياح الوافدين على المنطقة بحوالي 13 مرة والطاقة الإيوائية بـ 20 مرة. الملك البحري تحت الاحتلال اعتبر العديد من المواطنين، أن ظاهرة احتلال الملك البحري منتشرة ومستشرية بإقليم الحسيمة منذ عهد بعيد، سواء تعلق الأمر بالاحتلال الموسمي أو الدائم، الذي يتم تفويته بطرق مشبوهة ويشوبه الكثير من اللبس والغموض. وحسب (م.خ)، فاعل اقتصادي، فإن احتلال الملك البحري غالبا ما يبرر بتشجيع الاستثمار ودعم المستثمرين المغاربة، خاصة منهم الشباب، ليتضح في ما بعد أن الأمر يتعلق بصفقات عقارية مشبوهة، مستدلا على ذلك بشاطئ "كلايريس"، الذي ألغي مشروعه، بعدما فوت لمستثمرين محليين. وأضاف المتحدث نفسه، أن المستثمر نفسه استفاد من الملك الغابوي بثمن رمزي، ما جعل المجلس الأعلى للحسابات يدون هذه الخروقات في تقريره. ويتساءل معظم سكان الحسيمة عن الجهة المسؤولة عن هذه التفويتات، خصوصا في ما يتعلق باحتلال الملك البحري، الذي تستفيد منه أسماء بعينها، لغرض تجاري لا غير. الاستثمار... حلم الشباب المعلق يظل الاستثمار بمنطقة الأنشطة الاقتصادية بأيت قمرة بعيدا عن تحقيق انتظارات الفاعلين وأرباب المقاولات والشباب الراغبين في التخلص من جحيم البطالة. ورغم المجهودات المبذولة من قبل الدولة، لإدماج الشباب في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هناك بعض العراقيل، التي تحول دون تحقيق النهضة التنموية المرجوة من الاستثمار. وحسب (ف.ذ)، أحد المقاولين الشباب، فإن الاستثمار في مجال المقاولة الصغرى، غالبا ما يجد عراقيل من قبل شركة "ميدز" المكلفة بتهيئة ما يعرف بالجيل الجديد من مناطق الأنشطة الاقتصادية، وتابع في تصريح ل"الصباح" "إن هذه الشركة لم تبرمج تهيئة قطع أرضية بمنطقة الأنشطة الاقتصادية تناسب طبيعة السوق المحلية، وأصبحت كما لو أنها تعاكس المبادرات الرامية إلى تشجيع الاستثمار المحلي. كما أن البنوك ترفض الانخراط الجدي في البرامج التمويلية، التي تلح على دعم مشاريع واستثمارات الشباب". واستغرب المتحدث نفسه، أن هناك بعض البنوك تطالب بضمانات، في إجراء غير قانوني، علما أنه من أساسيات البرنامج أن القروض المقدمة يفترض عدم طلبها من المستثمرين الشباب. وبخصوص المجال الاقتصادي بالمنطقة، قال السكناوي الغبزوري، فاعل جمعوي، إنه لا يمكن الحديث عنه، دون الحسم في الهوية الاقتصادية للإقليم، بمعنى أيها نريد للحسيمة، لتحقيق إقلاعي اقتصادي. وتابع "ينبغي الاستناد إلى مؤشرات واقعية وأهداف مرسومة بدقة لاختيار طبيعة البرامج والمشاريع الاقتصادية الملائمة للمنطقة، باعتبارها المنهحية الوحيدة، التي ستحدد القطاع الواجب التركيز عليه، سواء الفلاحي أو السياحي أو الصيد البحري". وأكد الغبزوري أن الدولة بذلت مجهودات كبيرة في السنوات الأخيرة، حتى يكون للإقليم موقع إيجابي على مستوى الجاذبية الاقتصادية، خاصة المشاريع المساهمة في إعادة تموقع الإقليم اقتصاديا، مثل مناطق الأنشطة الاقتصادية والمناطق الاقتصادية الحرة ومناطق معالجة الصادرات ومناطق اللوجستيك والنقل، مع استحضار مشروع ميناء غرب المتوسط.