المخيم تحول إلى معسكرات احتجاز حقيقية تسيرها ميليشيات تتلقى أوامرها من الجزائر بقلم: الفاضل الرقيبي شهد الاجتماع الدوري الأخير لأعضاء مكتب أمانة "بوليساريو"، الذي عقد، الأسبوع الماضي، بالرابوني، ساعات قليلة بعد عودة إبراهيم غالي من زيارة خاطفة للجزائر العاصمة، ملاسنات خطيرة بين أجنحة التنظيم، المتطاحنة والتائهة، في ظل الأزمة الداخلية الجزائرية. لقد كان من المنتظر أن يعرض غالي تقريرا لحصيلة لقاءاته ونقاشاته، أخيرا، مع العديد من الضباط الجزائريين، الذين زاروه في الرابوني، قبل استدعائه إلى العاصمة، إلا أن ولد البوهالي هاجم، في مستهل اللقاء، زعيم الجبهة، مذكرا إياه بأن هناك أرواحا تزهق كل يوم في الميدان، وأن عليه مصارحة الصحراويين بأنه لا يتوفر على إمكانية متابعة الحرب ضد المغرب، في غياب دعم جزائري بالعتاد المتطور، قبل أن يحمله مسؤولية الموقف الجزائري، إذ أكد أن قيادات عسكرية جزائرية وازنة أسرت له بأن عدم تسليم أسلحة متطورة، خصوصا المسيرات ومضادات الدرون، لـ "بوليساريو"، سببه عدم وجود ضمانات بأن تلك الأسلحة لن يتم نقلها إلى أماكن أخرى بمنطقة الساحل. وعبر ولد البوهالي كذلك عن سخطه على من وصفهم بمتملقي إبراهيم غالي، الذين أدخلوه نفقا مسدودا، بفصله عن رفاق سلاحه، حسب وصفه، مؤكدا أن من يعتقدون أنه يمكن إدارة المخيم بقبضة جزائرية من حديد، هم أنفسهم من عارضوا ما كان يقوم به البوهالي عندما كان وزيرا للدفاع لحماية مؤسسات "بوليساريو"، وهم أنفسهم من أبعدوا عبد الله لحبيب عن المشهد وقتلوه قبل أوانه، في إشارة واضحة لإبراهيم أحمد محمود بيد الله (كريكاو) وسالم لبصير، وهما أقرب الرجال إليه. تصريح ولد البوهالي أطلق عنان الملاسنات بين كهول قيادة "بوليساريو"، الذين فضلوا رمي المنشفة في وجه زعيمهم الذي انبرى عدد منهم لاتهامه بمحاولة تلميع صورته على حساب سمعتهم، بعدما أدخل الحركة وسط الرمال المتحركة، ثم توارى عن الأنظار، بحجة انشغاله بأمور حرب لم يذهب إليها حتى اللحظة. وصب المسمى عمار منصور، وزير داخليته المزعوم، جام غضبه على سياسات غالي الداخلية، واتهمه بالاستحواذ على كل قنوات الاتصال بضباط سكتور تندوف المكلفين بتدبير المخيم، وهو ما يحرجه، إذ لا يجد السكان جوابا لتساؤلاتهم حول القرارات التي تتخذها المصالح الأمنية والجمركية الجزائرية في حق الصحراويين، خصوصا تشديد الخناق على التجار وعدم السماح لهم بمغادرة المخيم. كما اتهم عمار منصور سيدي أوكال مدير جهاز استخبارات "بوليساريو" بتقديم تقارير مبالغ فيها للجزائريين حول أداء وزارته، مذكرا في الوقت ذاته مصطفى سيد البشير أنه لم يعد وزيرا للداخلية وعليه الكف عن إصدار التعليمات لأجهزته. تعقيدات الوضع السياسي لجبهة "بوليساريو" لا تتوقف عند هذا القدر من التلاسن، والصراع المعلن بين أجنحة تنظيمها السياسي وجناحها المسلح، بل تتعداه إلى الواقع المعيشي والإنساني الذي باتت عليه المخيمات منذ انتحار "بوليساريو" في الكركرات، تنفيذا للمخطط الجزائري القاضي بتصدير الأزمة الداخلية بعد إسقاط بوتفليقة، فالمخيم يتحول بشكل رهيب إلى معسكرات احتجاز حقيقية تعيث فيها ميليشيات تتلقى أوامرها مباشرة من سكتور تندوف فسادا دون حسيب ولا رقيب، بينما تنتشر بها الأمراض والجوع والعطش، فقد أظهرت مقاطع متطابقة نشرها نشطاء من المخيم على صفحات "فيسبوك" احتياج المستشفيات للأدوية وانعدام الدقيق والزيت في السوق، وحتى في مخازن مفوضية غوث اللاجئين بالرابوني، بينما يفتك كورونا بأرجاء المخيم وسط صمت جزائري رهيب عن إمداد المخيم بأجهزة التنفس أو إطلاق حملات التلقيح.