fbpx
وطنية

المخيمات تودع عاما آخر من الألم

باتت عنوانا كبيرا لمأساة إنسانية مستدامة باستدامة الصمت المطبق حولها

بقلم: الفاضل الرقيبي

عام آخر يمر على مخيمات تندوف، تعمقت فيه المعاناة، وتراكمت فيه مآسي الصحراويين، وتنامى داخل الخيام السخط على غويلي وأفراد عصابته، الذين ارتضوا لبني جلدتهم الاحتجاز القسري على أرض صحراء الجزائر، وجعلوا منهم صكا يتاجر به النظام الجزائري في صراعه العبثي مع المغرب.
ليست 2021 في المخيمات كما سبقها من السنوات، فقد ترسخت فيها القناعة عند الصحراويين بأن من يملأ إعلامه نعيقا وخطابات مزيفة حول دعم الشعوب، لم ولن يكون يوما حليفا، مثلما تريد قيادة الرابوني أن تقنعهم، فهو نظام مجرم يقتل أطفالهم ويعذب شبابهم ويجوع الشيب والنساء بينهم، ونظام عصابات، يريدهم عبيدا بين يديه، يتاجر بمعاناتهم في أسواق النخاسة السياسة دوليا. هذا النظام الذي تتسابق دبلوماسيته إلى شراء المواقف الإفريقية بأموال «سونطراك»، لتحشد دعما سياسيا لزمرة القيادة، بينما سكان المخيم يعانون ندرة حادة للمواد الغذائية الأساسية كالخبز والزيت، وحتى الماء الشروب الذي اختفى من صهاريج المخيمات في عز الشتاء، بحجة نقص مخزون المحروقات المخصصة لنقله وتوزيعه داخل المخيم. وضع مزر ضجت بصوره مجموعات الدردشة على تطبيق «واتساب». فالنساء بمخيم السمارة لا يجدن ما يسدين به جوع أبنائهن منذ مدة، والأسعار عرفت ارتفاعا مهولا، ولم يعد باستطاعة الصحراويين توفير متطلبات العيش في ظله. بل زاد الأمور تعقيدا، الطوق الأمني الذي يفرضه الجيش الجزائري، الذي يمنع دخول السلع والبضائع للمخيمات، ويمنع خروج الأشخاص منها.
جبهة «بوليساريو»، التي ظنت أنها بحركاتها الرعناء في «الكركرات» أواخر 2020، ستحقق لنفسها مكاسب سياسية، لم تكن إلا لتدفع المخيمات إلى فصل جديد من فصول المأساة بالمخيمات. فبعد إعلانها الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار، وجد سكان المخيم أنفسهم مطوقين تحت خيامهم، في ظل ترهيب أمني غير مسبوق، بينما يدفع بشبابهم إلى محرقة شرق الجدار، ويقتل منهم رميا بالرصاص، كل من تسلل خارج المخيم بحثا عما قد يعوضه عن ضنك العيش بمخيمات تندوف، بل يحرق بعضهم أحياء داخل حفر التنقيب على أيدي الجيش الجزائري.
كل هذه المعاناة يفاقمها الوضع الصحي المتردي بالمخيم، ففيروس كورونا يُودي بحياة العشرات يوميا، والمصابون يُعدون بالمئات، في ظل غياب معدات التطبيب الأساسية، وندرة الأطر الطبية التي قد تخفف من وطأة تفشي الوباء بين الصحراويين. فالقيادة ووراءها عرابوها بالجزائر تركوا سكان المخيم يواجهون مصيرهم أمام الفيروس، بينما هم منشغلون بمعاركهم السياسية العبثية ضد المغرب، ما دفع بعض الأطباء الذين أنهكهم تدهور الوضع الصحي بالمراكز الصحية الرديئة إلى إطلاق نداء استغاثة، علهم يوصلون صوتهم لمنظمات الإغاثة الدولية.
لقد باتت المخيمات في 2021 عنوانا كبيرا لمأساة إنسانية مستدامة باستدامة الصمت المطبق حولها، والقيادة التي قضت عقودا في مراكمة الثروة من تهريب الدعم الإنساني الموجه لسكان المخيم، ومن تجارتها في كل أشكال المخدرات، هاهي اليوم تعيد إنتاج أسطواناتها المشروخة حول كفاح مسلح لا يوجد سوى على صفحات أبواقها الإعلامية، أمام الحقيقة البارزة التي لا ريب فيها، فهي ما يعيشه الصحراويون من غياب لشروط العيش، الذي يحفظ كرامتهم. فَهُم اليوم ضحية عقود من التكالب على حقوقهم، يُقتلون ويعذبون ويُسرق قوتهم، بينما تتآكل أجسادهم بأمراض السرطان والتهاب الكبد الفيروسي وكل المعضلات الصحية على أرض الجزائر، لتزيد من وطأة كل ذلك، مشاهد توالي قياداتهم على منابر إعلام النظام الجزائري، مديحا وثناء على نظام شنقريحة، الذي لم يدخر جهدا للإمعان في التنكيل بهم كل ساعة.
تريد المخابرات الجزائرية المخيمات في صورة البؤس التي تعيشها، منذ نشأتها، فهي تعمل على إبقاء الصحراويين بها في وضعيتهم تلك، لأجل الاستثمار في صورهم التعيسة، وتسويقها أسلوبا لاستدرار دعم المنظمات والهيآت الإنسانية عبر العالم.
ورغم الوضع المتأزم بالمخيمات، يستمر غويلي في مسرحياته الهزيلة، لذر الرماد في عيون الصحراويين، بزياراته لبعض هياكل تنظيمه المتهالك، أو بلقاءات ينظمها بين المخيمات وهو الذي لم يعد يستطيع الخروج خارج أسوارها، أو الاقتراب من الأراضي شرق الجدار، مخافة أن تنال منه المنصات المُسَيرة للجيش المغربي، التي لا تُخطئ صواريخُها كل من اقترب منها. أما وهم الدولة الذي لطالما روجت له القيادة أمام الصحراويين، فقد تهاوى بسرعة لم يكن يتوقعها غويلي، بعد أن تهور بإغلاقه معبر الكركرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى