مجرد خرافة

رفيقي قال إن هناك حركات استغلته للسيطرة على النفوس بزرع الخوف والرعب قال الباحث عبد الوهاب رفيقي إن مفهوم "عذاب القبر" مجرد خرافة غذتها مرويات تحديثية لا أساس لها من الصحة، وتصنف ضمن أحاديث الآحاد غير المتواترة، كما اعتبر الباحث في الدراسات الإسلامية أن القرآن يتضمن ما يناقض هذا المفهوم الذي حاول البعض تركيزه في العقيدة الإسلامية. كما أشار إلى استغلال بعض حركات الإسلام السياسي لهذا المفهوم زرع الخوف والرعب في النفوس من أجل استقطاب الاتباع وإيهامهم أن الخلاص من العذاب المرتقب لا يكون إلا بالارتماء في أحضان هذه الحركات. في ما يلي نص الحوار. أجرى الحوار: عزيز المجدوب بماذا يمكن تفسير الوثوقية التي يتم بها الحديث عن فكرة عذاب القبر في المرجعية الإسلامية؟ بخصوص هذه الوثوقية فإنها نابعة من تراكم تاريخي في الموضوع، فلو عدنا للعصور الأولى في الإسلام لن نجد هذه الوثوقية، بل سنجد أن مسألة إثبات وجود "عذاب القبر" من عدمه إشكالية موجودة حتى في العصر النبوي، فهناك روايات كثيرة في كتب الحديث بما فيها الكتب المشهورة والمعتمدة، تتحدث عن اليهودية التي دخلت على عائشة ودعت أن يقيها الله من عذاب القبر فاستغربت عائشة لأنها لم تكن تعرف شيئا كذلك، فذكرت ذلك للنبي عليه السلام فأنكر عليها ذلك، ثم بعد ذلك تأتي نصوص أخرى لتتحدث عن عذاب القبر بلسان النبي نفسه، هناك إشكال متعلق بما إذا كان عذاب القبر مثبتا في العصر النبوي أم لا. بعد تأسيس الفرق الكلامية أيضا وقع هذا الاختلاف، فالمعتزلة كان لهم موقف بخصوص هذا المفهوم، أما الخوارج فينكرون وجود عذاب القبر. إذن هذه الوثوقية لم تكن من القديم لكن مع سيطرة ما سمي "أهل السنة والجماعة" على المشهد السياسي والديني الفكري، أصبح الحديث عنها بهذا الوثوقية التي صارت متوارثة، دون أن تكون مسنودة لا بأدلة علمية ولا دينية واضحة دون تمحيص أو نظر في أدلتها. كيف تحولت فكرة عذاب القبر إلى عقيدة تجعل الاقتراب منها محفوفا بالمخاطر؟ حين أدرجت هذه الفكرة في أبواب العقائد، وحين امتلأت الكتب والمواعظ بالحديث عن موضوع عذاب القبر وشحن الناس بهذه العقيدة وتصويرها بمختلف الصور، صارت جزءا من عقيدة المسلم، وجزءا من تصوراته لما بعد الموت، فنحن نعرف أن الإنسان بشكل عام يحاول أن يبني تصوراته لما بعد الموت، بل يشكل هذا أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس إلى اعتناق الأديان والتشبث بها، لأنها تقدم لهم إجابات على عالم ما بعد الموت الذي يظل غامضا ومجهولا. هذه الروايات الدينية قدمت نوعا من التصور وإجابات معينة لمن يبحث في هذا الموضوع ويطرح أسئلة بشأنها، وهي إجابات لم يستطيع المسلمون التخلص منها، لأنهم سيقعون في حيرة من جديد، وهم يبحثون عن نوع من الاطمئنان، ولا يريدون من أحد أن يشوش عليهم ويعيد إقحامهم في قلق واضطراب، وهم مرتاحون لهذه الإجابات وإن لم تكن مبنية على أدلة قوية، لكن من الصعب عليهم تجاوز هذه الأجوبة والبحث عن أجوبة جديدة لسؤال كبير يراود العقول وهو: ماذا بعد الموت؟ هل يمكن أن نتحدث عن مرجعيات مؤسسة لهذه الفكرة خارج المنظومة الإسلامية؟ الروايات عن عذاب القبر ليست إسلامية في أصولها وجذورها، فمثلا في القرآن لن تجد أي ذكر لهذا المفهوم، وحين تعود إلى الروايات والمشاهد الكثيرة المتعلقة بعذاب القبر تجدها أخبار آحاد لم تبلغ حتى مبلغ التواتر على ما فيها من تناقضات وإشكالات، فالقرآن ليس فقط لا يتحدث عن عذاب القبر، بل يأتي بما يناقض هذا المفهوم حينما يتحدث عن حساب الدنيا وحساب الآخرة، ولا يتحدث عن شيء ثالث، وبالتالي فإن النصوص الإسلامية الأصلية سواء من القرآن أو الحديث المتواتر، لا نجد فيه ذكرا لهذا المفهوم، مما يرجح أن مرجعيته ليست إسلامية. وما يؤكد هذا الطرح هو قصة اليهودية التي ذكرتها في الجواب السابق، وهو ما يجعلني أخلص إلى أمرين: أولهما أن تكون كل القصص المتعلقة بعذاب القبر من "الإسرائيليات" التي أقحمت بشكل كبير داخل المرويات الحديثية، وهذا موضوع آخر، والأمر الثاني هو أنه من غير المستبعد أن يكون للسياسة أثر في هذه القصص، إذ من المعلوم أن بني امية كانوا من الأوائل الذين وظفوا القصاصين لضبط المجتمع، وكانت قريحة هؤلاء القصاصين تجود بكثير من الخيالات لاستقطاب السامعين وجذبهم. ولما كان ما بعد الموت غامضا وغير معروف كان من الطبيعي توق الناس لتغذيتهم بأي أخبار وقصص فوجدوا في الشجاع الأقرع ومنكر ونكير ما يملأ ذلك الفراغ. هل يمكن القول إن هناك تجانسا في الموقف الفقهي بشأن عذاب القبر علما أن هناك من تحدث عن العذاب المعنوي دون الحسي؟ لا أجد أي تجانس في الروايات الفقهية بشأن هذا الموضوع، بالعكس أجد تناقضات كثيرة، فهناك من يتحدث عن ملكين أحدهما يدعى منكر والثاني نكير، أسماء مرعبة ومخيفة للإجابة عن أسئلة بسيطة جدا من قبيل: من هو ربك؟ ما دينك؟ وما الذي تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ وكذلك الحديث عن الجثة التي يهبط بها إلى سابع أرض جراء الضرب، وأيضا الثعبان الأقرع الذي سيظل ينهش في لحم الميت إلى يوم القيامة، والأكثر من ذلك أنه حين تبحث في هذه الروايات والموروث الفقهي عن الأسباب الموجبة لكل هذا العذاب تجدها مثلا شخصا لم يستبرئ من بوله أو يمشي في الناس بالنميمة، ويتحدثون عن ضمة القبر التي يخضع لها الجميع حتى الصالحون، وهي الضمة التي يسمعها كل من في الكون إلا الإنس والجن، روايات عذاب القبر مليئة بالتناقضات ومحشوة بكثير من الخرافات والإسرائيليات وأنه آن الأوان لتحرير العقل من هذه الأساطير. كيف استغلت حركات الإسلام السياسي هذا المفهوم لاستقطاب أتباعها وما هو الأثر النفسي الذي يخلفه في النفوس؟ رغم أنه عقيدة قديمة إلا أنه لم يكن له رواج في المجتمعات الإسلامية، لذلك لا نجد كتبا ولا مؤلفات قديمة في الموضوع، لكن الذي حصل أنه مع ظهور ما سمي ب"الصحوة الإسلامية" وعودة حركات الإسلام السياسي لمحاولة السيطرة على المجتمع، وظفت مفهوم "عذاب القبر" بشكل كبير وروجت لها ووزعت الكتب والمنشورات والمطويات وكذلك أشرطة الوعاظ والمشايخ التابعين لهذه الحركات، في إطار السياسة التي كانت منتهجة للسيطرة وتخويف الناس لاستقطابهم نحو هذه المشاريع، ليقتنع الناس أن المخرج الوحيد من هذا العذاب المرتقب هو الارتماء في أحضان هذه الحركات. ومن غير شك أن لهذه المرويات أثرا سلبيا كبيرا على نفسية الإنسان وأعرف شخصيا عددا من الناس أصيبوا بأمراض نفسية بسبب هذه النصوص ولا يستطيعون النوم ليلا بفعل الكوابيس والخيالات حول منكر ونكير والثعبان الأقرع، جراء حالة الترهيب والخوف والفزع التي وضعوا فيها. في سطور باحث في الدراسات الإسلامية وفاعل فكري وديني. خريج كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية. حاصل على الماستر بكلية الآداب بفاس. حاصل على إجازة في القانون الدولي بكلية الحقوق بفاس. رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام. عضو مؤسس لرابطة علماء المغرب العربي.

مجرد خرافة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إجبار الرجاء على دخول حجر صحي

الاستقلال يستنفر مفتشيه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات